47/04/29
التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب/ تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية / تنبيهات حول دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر / التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب
1- التنبيه الأوّل: التمسّك بالاستصحاب
قلنا بأنّ وجه التحقيق في هذا البحث هي صحّة التمسك بالاستصحاب لإثبات البراءة، ولا يصحّ التمسّك به لإثبات الاحتياط؛ إذ أنّ كلا الفريقين كانوا يدّعون التمسّك بالاستصحاب، ولكن أستاذنا الشهيد قال: إنّ التمسّك بالاستصحاب لإثبات البراءة صحيح ولكنّ التمسّك بالاستصحاب لإثبات الاحتياط غير صحيح.
وانتهينا من البحث الأول وهو إمكان التمسك بالاستصحاب لإثبات البراءة ولا يتعارض باستصحاب معارضٍ له؛ لأنّ الاستصحاب الثاني – وهو استصحاب عدم تسعة الأجزاء بوصفه الإطلاقي – غير جارٍ، لا لتنجيز شيء ولا للتعذير عن عقاب واحد ولا للتعذير عن عقاب ثانٍ كما وضّحنا هذه الأمور الثلاثة في الدرس الماضي.
فيبقى الاستصحاب الأول بلا معارض وهو استصحاب عدم وجوب تسعة الأجزاء مع التقيّد بالجزء العاشر، فينتهي إلى البراءة وأنّه لا يجب الصلاة مع هذا القيد.
1.1- عدم إمكان التمسّك بالاستصحاب لإثبات وجوب الاحتياط
والآن نأتي إلى الدعوى الثانية لأستاذنا الشهيد وهي دعوى أنّ الاستصحاب لا يتمّ جريانه لإثبات وجوب الاحتياط، ولا بدّ أن نتذكّر هنا تقريب القائلين بالتمسّك بالاستصحاب لوجوب الاحتياط، وهو عبارة عن استصحاب الكلّيّ من القسم الثاني أي الكلّيّ المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل، يعني هذا المكلّف لو صلّى بلا سورة فكلّيّ الوجوب يكون مردّداً بين الفرد الطويل والفرد القصير؛ لأنّه إن كانت الصلاة واجبةً بلا سورة فالوجوب قد انتهى، وإذا كانت واجبةً مع السورة، فلا زال الوجوب باقياً، وهذا كلّيّ مردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل فنجري استصحاب بقاءه.
وهذا البيان فيه خلل يوضّح بطلانه أستاذنا الشيد رضوان الله تعالى عليه بأنّ كلّيّ الوجوب هنا – أي الجامع بين وجوب الصلاة مع السورة وبين وجوب الصلاة بلا سورة – كان من الأساس معلوماً بالوجدان، وعلمنا الوجدانيّ بالوجوب المتعلّق بالجامع لم يُجدِ لإثبات لزوم الاحتياط، فكيف بالاستصحاب التعبديّ؟
فإنّ علمنا الوجداني بأنّه إمّا يجب الصلاة مع سورة وإمّا تجب بلا سورة، قلنا بأنّه يجري البراءة عن أحد طرفيه ولا تجري عن الطرف الآخر بالبيانات السابقة؛ حيث قلنا بإمكان جريان البراءة عن الجزء المشكوك، وأمّا البراءة عن الإطلاق فقد سبق وأن قلنا بأنّه غير صالح لجريان البراءة حتّى يتعارضا، وبالتالي انتهينا إلى القول بجريان البراءة في الجزء الزائد، فهذا قد انتهى البحث فيه في العلم الوجدانيّ فكيف بإثبات هذا الكلّيّ بالعلم التعبديّ بالاستصحاب؟ فهذا لا يفيدنا شيئاً زائداً على ما ذكرناه.
وأمّا في موارد أخرى التي يتمسّك فيها باستصحاب الكلّيّ مثل مثال البقاء في المسجد، فإذا كان الموجود في المسجد سابقاً هو زيداً فقد خرج قطعاً وإذا كان هو عمرواً فلا زال موجوداً في المسجد، فإذا شكّ بين الأمرين فيجرون استصحاب الكلّيّ من القسم الثاني الكلّيّ المردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل.
فالفرق بين ما نحن فيه وبين أمثال هذا المثال هو أنّه في ما نحن فيه قد بحثنا أنّ أحد طرفي العلم الإجماليّ تجري فيه البراءة بدون معارض وبحثناه وأثبتناه وأكملناه وبالتالي لا تصل النوبة إلى استصحاب الكلّيّ المردّد، بينما في هذه الأمثلة يكون الكلّيّ مردّداً بين الفرد القصير والفرد الطويل، أمّا فيما نحن فيه لا يوجد لدينا أصلٌ كلّيٌّ مردّد بين الفرد القصير والفرد الطويل حتّى نثبت الطويل بالاستصحاب.
وللشيخ النائيني رضوان الله تعالى عليه كلام لا بدّ من بحثه وهذا ما سيأتي إن شاء الله في الدرس القادم.
والحمد لله رب العالمين.