47/04/20
المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية
محتويات
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
1.1.1- تقريب آخر للانحلال الحكمي

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي
1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير
1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي
قلنا إنّ العلم الإجماليّ الذي أشار إليه المحقّق العراقي رضوان الله تعالى عليه في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير يمنع عن الانحلال الحقيقيّ للعلم الإجماليّ، ولكنه يمكن التنزّل من الانحلال الحقيقيّ إلى الانحلال الحكميّ، والانحلال الحكميّ الذي ذكرناه بالدرس الماضي كان بيانه بأن نقول: إنّ الطرف الثاني لهذا العلم الإجمالي غير صالح لجريان البراءة، فتجري البراءة عن الطرف الأوّل بدون معارض؛ لأنّ الطرف الثاني للعلم الإجمالي الذي ذكره المحقّق العراقي كان عبارة عن عدم جواز ضمّ ترك الصوم والإطعام إلى ترك العتق، ونجري البراءة عنه لأجل التخلّص من العقاب، وهنا هل يراد بإجراء البراءة عن الطرف الثاني للتخلّص من عقاب واحد أو من عقاب آخر جديد؟
أمّا التخلص من العقاب الواحد فلا يمكن التخلّص منه؛ لأنّه في الطرف الثاني يوجد القطع بالعقاب؛ لأنّه يساوي المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال.
وأمّا لأجل التخلّص من عقاب آخر فأيضاً لا يوجد عقاب آخر؛ لأنّه في الواجب التخييري (كما هو فرض الطرف الثاني من هذا العلم الإجمالي) لا يوجد عقاب بعدد أطراف وخصال هذا التخيير؛ إذ لم يقل أحد بأنّك لو تركت كلّ البدائل لحصلت على العقوبات بعدد تلك البدائل، فإن ترك أحدٌ الإطعام والصيام والعتق معاً لم يحصل على ثلاث عقوبات؛ لأنّه كان مخيّراً من أساس، وهو مطلوب بواحد منها وليس ثلاثة. إذاً فهذا الطرف الثاني لهذا العلم الإجمالي الجديد الذي أبرزه المحقّق العراقي غير صالح لجريان البراءة.
نعم، على فرض أنّ ترك الواجب التخييري يوجب عدّة عقوبات بعدد تلك البدائل – وهو باطل طبعاً فلا أحد يقول به – يصبح صالحاً لجريان البراءة، لأنّه نجري فيه البراءة لو لا التعارض لأجل التخلّص من تعدّد العقاب المتعدّدة.
فلا يصحّ [إلغاء] الانحلال الحكميّ بهذه الطريقة إلّا بأن نقول بأنّ تلك البدائل كلّ واحد منها يوجب عقاباً غير أخرى حتّى يصبح صالحاً لإجراء البراءة فيقع تعارض بين البراءتين، وإلّا فلا يمكن جريان البراءة في الطرف الثاني وبالتالي تجري البراءة في الطرف الأوّل بلا معارض، وهذا انحلال حكمي.
1.1.1- تقريب آخر للانحلال الحكمي
والآن أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يبيّن تقريباً آخر للانحلال الحكمي لا علاقة له بتعدّد العقاب أو وحدة العقاب، فحتّى إذا قلنا بتعدّد العقاب في الواجب التخييريّ فهو يجري.
وهو أن يقال بأنّ هذا العلم الإجماليّ غير قابل للمخالفة القطعيّة، وكلّ علمٍ إجماليّ غير قابل للمخالفة القطعيّة فهو صالح لجريان البراءة في كلّ أطرافه. مثلاً في العلم الإجمالي في موارد الشبهة غير المحصورة يوجد مبنىً مشهورٌ يقول بأنّ وجه جريان البراءة في كلّ الأطراف هو أنّ المكلّف على كلّ حال لا يستطيع مخالفة جميع الأطراف.
فما نحن فيه أيضاً من هذا القبيل، لا لأجل كثرة الأطراف ولكن بسببٍ آخر لا يمكن أن يخالف مخالفة [قطعيّة]؛ لأنّه لو خالف الطرف الأوّل لا يبقى مجال للطرف الثاني حتّى يخالف، فالطرف الأوّل هو «وجوب العتق حتّى على تقدير فعل الصوم شهرين متتابعين والإطعام ستّين مسكيناً» فلو خالفه ولم يعتق لا يبقى مجال للطرف الثاني الذي هو عدم جواز ضمّ الصوم والإطعام إلى ترك العتق؛ لأنّه إذا خالف الطرف الأوّل يكون معناه أنّه لم يعتق ولم يصم ولم يطعم، وبالتالي هذا الطرف الثاني لا مجال لإطاعته.
وعليه فهذا يعني أنّ هذا العلم الإجماليّ لا يمكن مخالفة كلا طرفيه، وبالتالي إذا لم يمكنه المخالفة في جميع الأطراف (إمّا لكثرة الأطراف أو لأيّ سببٍ آخر) فأمكن جريان البراءة فيها جميعاً، وفائدتها أنّه على وجه البدل يمكن أن يخالف، فهذه البراءة تجري عنها جميعاً ولو أنّه عملاً لن يستفيد من البراءة فيها جميعاً ولكن أيّ واحد اختار يمكنه أن يخالفه بسبب البراءة.
هذا تقريب جديد للانحلال الحكميّ لهذا العلم الإجماليّ الذي ذكره المحقّق العراقيّ، وهذا الانحلال الحكميّ الجديد لو صحّ لا علاقة له بأنّه هل يوجد عدّة عقوبات في مخالفة الواجب التخييري بعدد البدائل أو عقاب واحد، فامتياز هذا التقريب الجديد عن التقريب السابق للانحلال الحكميّ أنّه يجري حتّى على فرض أنّ مخالفة الواجب التخييري يوجب عدّة عقوبات.
ولكن أستاذنا الشهيد الله تعالى عليه يقول بأنّه من حيث المبنى نحن في محلّه لم نوافق على أنّه إذا لم يمكن مخالفة كلّ الأطراف فأمكن جريان البراءة فيها جميعاً.
وبهذا ننتهي من بحث دوران الأمر بين التعيين والتخيير على كلّ المباني، وبعد ذلك يوجد تنبيهات في هذا البحث.