« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي

1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير

1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي

قلنا إنّ المحقّق العراقيّ (رضوان الله تعالى عليه) نبّه على وجود علمٍ إجماليٍّ جديد.

وهذا العلم الإجماليّ الجديد هو العلم الإجماليّ بأنّه إمّا يجب العتق على تقدير فعل الصوم والإطعام، وهذا على فرض التعيينيّة، وإمّا أنّه لا يجوز ضمّ ترك الصوم والإطعام إلى ترك العتق.

وقد فسّرنا في الدرس الماضي معنى الانضمام، وأنّه يختلف عن معنى الجمع بين شيئين.

فمثّلنا بمثال الخمر: شرب الخمر وشرب الماء. حيث قلنا إنّ مجرّد الجمع بينهما حرام، لأنّ أحدهما حرام. فإذا جمع بينهما صار حراماً، لكن بعنوان الضمّ – أي بعنوان ضمّ شرب الماء إلى شرب الخمر – فليس حراماً. ضمّ شرب الماء إلى شرب الخمر ليس حراماً، وإن كان فِعلُهما معاً حراماً، لأنّ أحد الجزأين حرام، فيصبح فعلهما معاً حراماً.

هذا قد وضّحناه في الدرس الماضي.

فنقول الآن: إنّ هذا العلم الإجماليّ الذي نبّه عليه المحقّق العراقيّ (رضوان الله تعالى عليه) يسقط الانحلال الحقيقيّ، ولكن يمكننا أن نتنزّل من الانحلال الحقيقيّ إلى الانحلال الحكميّ.

توضيح ذلك: أنّه قد ظهر في بيان العلم الإجماليّ الجديد الذي نبّه عليه المحقّق العراقيّ أنّ انحلالاً حقيقيّاً لا يوجد، لأنّ طرفي هذا العلم الإجماليّ اللذين ذكرهما متباينان، فلا يمكن حلّه انحلالاً حقيقيّاً.

ولكن أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) يقول: يمكن أن نتمسّك هنا بالانحلال الحكميّ، لأنّ الانحلال الحكميّ في رأينا يبتني على أن يكون أحد الطرفين صالحاً للبراءة، والطرف الآخر غير صالحٍ لها.

ففي هذا المورد نقول: إنّ الطرف الأوّل، وهو وجوب العتق حتّى على تقدير فعل الصوم والإطعام، صالحٌ لإجراء البراءة، أي بالإمكان أن تجري فيه البراءة لولا المعارضة مع الطرف الثاني. فالطرف الأوّل في نفسه صالحٌ للبراءة.

أمّا الطرف الثاني، فهو غير صالحٍ للبراءة، وهو ما ذكره المحقّق العراقيّ في العلم الإجماليّ الجديد: عدم جواز ضمّ ترك الصوم والإطعام إلى ترك العتق.

وهذا الطرف الثاني لا يصلح للبراءة، لأنّ البراءة إن جرت فلا بدّ أن تُخَلِّصَنا من العقاب، والبراءة التي لا تخلّص من العقاب لا قيمة لها.

يقول أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه): إنّ هذا الطرف الثاني لا يخلّصنا لا من عقابٍ واحدٍ ولا من عقابٍ ثانٍ.

أمّا من العقاب الأوّل فلأنّه يساوق المخالفة القطعيّة، فلا يمكن التخلّص منها، إذ إنّ عدم جواز ضمّ ترك الصوم والإطعام إلى ترك العتق يعني عدم جواز المخالفة القطعيّة، فهذا العقاب الأوّل مسلَّم، ولا يمكن التخلّص منه بجريان البراءة، لأنّه مخالفة قطعيّة للجامع.

وأمّا كون هذا الطرف الثاني يجري فيه البراءة للتخلّص من عقابٍ ثانٍ، فذلك لأنّ التخيير لا يستلزم عقاباً ثانياً.

فلا أحد يقول إنّه في موارد التخيير، لو ترك المكلّف جميع البدائل، يُعاقَب بعددها.

ففي خصال الكفّارة الثلاث مثلاً، لو تركها جميعاً، لا يحصل على ثلاث عقوبات، لأنّ الواجب منها واحد وإن كان مخيّراً بين الإطعام والصيام والعتق.

فلا أحد يقول إنّ من ترك الجميع يُعاقَب ثلاث مرّات، فهنا تكون البراءة لغواً، إذ لا عقوباتٍ متعدّدة حتّى نجري البراءة عنها.

إذن، في مورد التخيير، على فرض التخيير، لا تجري البراءة عن حرمة ضمّ ترك الصوم والإطعام إلى ترك العتق.
أي أنّ الطرف الثاني من طرفَي العلم الإجماليّ الذي نبّه عليه المحقّق العراقيّ لا تجري فيه البراءة، لأنّه غير صالحٍ لها، لا عن عقابٍ واحدٍ لأنّ العقاب الواحد مسلَّم، ولا عن عقابٍ ثانٍ لأنّه لا يوجد عقابٌ ثانٍ أصلاً.

فإذاً، هذا الطرف الثاني غير صالحٍ للبراءة، فتجري البراءة في الطرف الأوّل بلا معارض، وهذا هو الانحلال الحكميّ.
فبالتنزّل من الانحلال الحقيقيّ إلى الانحلال الحكميّ، يكون المورد مجرىً للبراءة.

وهذا ما نبّه عليه أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) في مقابل ما قاله المحقّق العراقيّ (رضوان الله تعالى عليه).
فالمحقّق العراقيّ لم يصنع شيئاً سوى إسقاط الانحلال الحقيقيّ، وهذا صحيح، إذ لا يوجد انحلالٌ حقيقيّ في هذا العلم الإجماليّ الجديد، لكنّ الانحلال الحكميّ موجود، لأنّ البراءة تجري في الطرف الأوّل، ولا تجري في الطرف الثاني لعدم صلاحيّته لجريانها.

فنرجع مرّةً أخرى إلى مسألة إمكان التمسّك بالبراءة رغم هذا العلم الإجماليّ الذي ذكره المحقّق العراقيّ (رضوان الله تعالى عليه).

بعد ذلك يوجد بيانٌ جديد للانحلال الحكميّ يذكره أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) صياغةً أخرى في هذا البحث، ولكن نكتفي بهذا المقدار.

logo