« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

47/04/01

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقام الثاني: التخيير الشرعي/ دوران الأمر بين التعيين والتخيير /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين التعيين والتخيير / المقام الثاني: التخيير الشرعي

1- دوران الأمر بين التعيين والتخيير

1.1- المقام الثاني: دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي

1.1.1- على المبنى الأوّل في تفسير التخيير الشرعي

قلنا: على المبنى القائل بأنّ التخيير الشرعيّ عبارة عن عدّة وجوبات بعدد العدول، فلو كان هناك مثلاً تخيير شرعيّ بين ثلاثة أمور، فالمفروض أنّ عندنا ثلاثة وجوبات، ولكن كلّ واحد منها مشروط بعدم الإتيان بالآخرين.

وعلى هذا المبنى في تفسير التخيير الشرعيّ، إذا شكّ المكلَّف ودار الأمر عنده بين التعيين والتخيير الشرعي، فنقول:

     إذا كان الحكم تعيينيّاً، فسواء أدّى العدلين الآخرين أو لم يؤدّهما، يتعيّن عليه أن يفعل ذلك.

     وإذا كان الحكم تخييريّاً وفق هذا المبنى، فحين يترك العدلين الآخرين يجب عليه العتق (مثلاً)، وأمّا إذا أتى بالعدلَين فلا يجب عليه ذلك.

إذن فمرجع الشكّ هنا هو الشكّ في فعليّة وجوب العتق. فإذا دار الأمر بين التعيين والتخيير بهذا المعنى، يشكّ المكلّف: هل يجب عليه العتق أو لا يجب؟ على مبنى التعيين: يجب عليه العتق مطلقاً. وعلى مبنى التخيير: لا يجب عليه العتق إن أتى بالعدلَين. فهذا الشكّ هو شكّ في أصل التكليف: هل هناك وجوب فعلي بالعتق أو لا؟ ومقتضى القاعدة أنّه مجرى للبراءة، لأنّ الأمر يدور بين وجود تكليف وعدم وجوده.

1.1.1.1- مناقشة المحقّق النائيني رحمه الله

لكنّ المحقّق النائيني (رضوان الله تعالى عليه) استشكل في ذلك، وقال: ليس هذا مورداً للبراءة، بل هو من موارد جريان قاعدة الاشتغال. ووجهه: أنّ الشكّ هنا ليس في حدوث الوجوب، بل في بقاء الوجوب. فالشكّ بعد ترك العدلين الآخرين يرجع إلى الشكّ في بقاء وجوب العتق، وهذا شبيه بالشكّ في الامتثال.

فمثلاً: لو وجب قتل كافر، فأطلق المكلَّف عليه رصاصة أو رصاصتين، ثمّ شكّ هل حصل القتل أم لا؟ فهذا شكّ في حصول الواجب، وهو مجرى للاشتغال لا للبراءة، لأنّ المكلّف يشكّ هل امتثل الواجب أم لا. وهكذا في محلّ كلامنا: الشكّ في بقاء التكليف، فهو كحالة الشكّ في تحقّق الامتثال، ومقتضى القاعدة هنا الاحتياط.

1.1.1.2- الجواب عن المناقشة

لكن أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) أورد على كلام النائيني بإيرادَين:

الإيراد الأول: أنّ المبنى الذي افترضه النائينيّ غير مسلَّم. فلعلّ الصحيح أنّ الوجوب هنا وجوب حدوثيّ مشروط بالشرط المتأخر، لا وجوب بقائي. بمعنى أنّ حدوث التكليف يتوقف على عدم تحقّق عدلين آخرين، فإن تحقّقا ينكشف أنّه لم يحدث وجوب من الأساس، وإن لم يتحقّقا ينكشف أن الوجوب كان حادثاً من أوّل الأمر. فحينئذٍ يكون الشكّ في الحدوث لا في البقاء، وذلك مجرى للبراءة لا الاشتغال.

الإيراد الثاني: سلّمنا أنّه شك في البقاء لا في الحدوث، لكن من قال إن الشكّ في البقاء دائماً مجرى للاحتياط؟ بل في مثل المقام هو مجرى للبراءة أيضاً. والفرق أنّ الشكّ هنا ليس شكّاً في تحقق الامتثال، بل هو شكّ في أصل شمول التكليف لمرحلة البقاء. وهذا يختلف عن الشكّ في الامتثال؛ هناك نعلم بفعليّة الحكم ونشكّ في بقائه من جهة الفاعلية (أي: هل زالت بالامتثال أو بقيت؟)، بينما هنا نشكّ في أصل فعليّة الحكم في البقاء. فبما أنّ الشك في فعليّة الحكم مجرى للبراءة، يكون هذا المورد من مجاري البراءة لا الاشتغال.

نكتفي بهذا المقدار. والحمد لله رب العالمين.

logo