46/11/26
محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية1.1- الأمر الثالث: جريان البراءة الشرعيّة عن الجزئيّة لا عن الجزء
1.1.1- الإيراد الرابع

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية
1.1- الأمر الثالث: جريان البراءة الشرعيّة عن الجزئيّة لا عن الجزء
قلنا: إنّ الأمر الثالث من الأمور المطروحة في «الكفاية»، وهي بحاجة إلى تحقيق ودقّة، عبارة عن أنّه أجرى البراءة عن الجزئيّة لا عن الجزء. الجزئيّة عنوان انتزاعيّ، منشأ انتزاعه عبارة عن ذات الجزء. فصاحب «الكفاية» قال: إنّ البراءة تجري عن الجزئيّة لا عن ذات الجزء.
فهنا يُطرح تساؤلان:
١. ما السبب في أنّ صاحب «الكفاية» عدل عن التعبير بالجزء إلى التعبير بالجزئيّة؟
٢. ما يرجع إلى الأمر السابق من هذه الأمور، وهو أنّه ما وجه التفصيل بين البراءتين بكون العلم الإجمالي مانعاً عن جريان البراءة العقليّة وغير مانع عن جريان البراءة الشرعيّة؟
قلنا: إنّ أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) يقترح جواباً مشتركاً على هذين التساؤلين. والجواب المشترك هو: أنّ البراءة الشرعيّة عن الأكثر والبراءة عن الأقل تتعارضان وتتساقطان. فالبراءة عن ذات الجزء قد تساقطت مع البراءة عن الأقلّ. نحن نعلم بوجوب إمّا الأقل أو الأكثر، وهذان طرفان للعلم الإجمالي، وفي هذين الطرفين للعلم الإجمالي عندنا براءة تريد أن تجري فتتساقطان، وتصل النوبة إلى الأصل الطوليّ.
والأصل الطوليّ هنا هو أصالة البراءة عن الجزئيّة. أنتم تعرفون أنّه إن كان هناك علاقة طوليّة بين أصلين، فالأصل السابق رتبة إذا سقط بمعارض له، هذا الأصل الطولي يحيا. مثلاً بالنسبة إلى البراءة في طول الاستصحاب، ما دام هناك استصحاب لا تصل النوبة إلى البراءة، فإذا ابتُلي الاستصحاب بمعارض فتساقط، البراءة تحيا.
فيما نحن فيه، هكذا يصوّر أستاذنا الشهيد في الجواب المشترك: أنّ الجزئيّة، الأصل الذي قد يُدعى جريانه عن الجزئيّة، في طول الأصل عن ذات الجزء. فالأصل في الأكثر يتعارض مع الأصل في الأقل ويتساقطان، وهذا الأصل الطولي وهو أصالة عدم الجزئيّة (البراءة عن الجزئيّة) يحيا.
هذا الجواب لو تمّ فهو جواب عن كلا التساؤلين. من ناحية، يصير جواباً عن أنّه لماذا عدل صاحب «الكفاية» عن البراءة عن الجزء إلى البراءة عن الجزئيّة، لأنّ البراءة عن الجزء، عن ذات الأكثر وذات الأقل تساقطت، فوصلت النوبة إلى الجزئيّة التي هي في طول الجزء. وأمّا السؤال الثاني، وهو أنّه ما وجه التفصيل بين البراءتين بكون العلم الإجمالي مانعاً عن جريان البراءة العقليّة دون الشرعيّة، فالجواب أيضاً نفس الجواب، وهو أنّ هذه براءة عن الجزئيّة لا عن ذات الجزء، وبعد تساقط البراءة عن الأكثر مع البراءة عن الأقل تصل النوبة إلى البراءة عن الجزئيّة.
فهذا جواب مشترك يمكن تصويره لكلا التساؤلين. أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) اقترح جواباً مشتركاً بينهما، وهو أنّ البراءة الشرعيّة عن الأكثر تعارضت مع البراءة الشرعيّة عن الأقل وتساقطتا، وبعد ذلك وصلت النوبة إلى البراءة الشرعيّة عن الجزئيّة. أمّا البراءة الشرعيّة عن ذات الجزء فقد تساقطت، وبعد تساقطها تصل النوبة إلى أصالة البراءة عن الجزئيّة، لأنّ الجزئيّة في طول الجزء. فالبراءة عن الجزئيّة في طول البراءة عن الجزء، فإذا سقطت البراءة عن الجزء تصل النوبة إلى البراءة عن جزئيّة الجزء الزائد.
هذا هو الجواب المشترك بين التساؤلين. أستاذنا الشهيد (رضوان الله تعالى عليه) بعد أن اقترح هذا الجواب صار بصدد بيان الإيرادات التي يمكن أن تورد عليه. فهرسة الإيرادات أربعة، ثلاثة منها درسناها:
الإيراد الأوّل: أنّ هذا الجواب يناسب مبنى الاقتضاء ولا يناسب مبنى العلّيّة التي يقول بها صاحب «الكفاية».
الإيراد الثاني: أنّ الأصل في جانب الجزئيّة ليس في طول الأصل في جانب الأكثر، لأنّه من لوازمه [التكوينيّة]، ولوازم الأصول غير حجّة كما تعرفون. لوازم الأمارات حجّة، لكن لوازم الأصول العمليّة غير حجّة.
الإيراد الثالث: أنّ البراءة الظاهريّة عن الجزئيّة لا معنى لها دون ذات الجزء. نعم، لو أجرينا البراءة عن منشأ انتزاعها، فهذا معقول. أمّا أن تجري البراءة عن الجزئيّة بعد سقوط البراءة عن الجزء، فهذا لا معنى له، لأنّ الجزئيّة ليست مصبّاً للتنجّز والتعذّر حتّى تجري البراءة عنها. البراءة الشرعيّة تعني المعذريّة الشرعيّة، وهي لا تعطي المعذريّة إلّا فيما يصلح للتنجّز والتعذّر، والجزئيّة غير صالحة لذلك.
1.1.1- الإيراد الرابع
ثمّ نأتي إلى الإيراد الرابع، وهو ما جاء في كلمات المحقّق الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه)، المعروف بالكمپاني. وخلاصته: أنّ عندنا عنواناً منتزعاً عن الجزء وهو الجزئيّة، وعندنا أيضاً عنواناً منتزعاً عن الكلّ وهو الكلّيّة. فالجزئيّة منتزعة عن وجوب الأكثر، والكلّيّة منتزعة عن وجوب الأقلّ، أي أنّ الأقلّ هو كلّ الواجب. فإذا صحّت البراءة عن الجزئيّة، صحّت أيضاً البراءة عن الكلّيّة، فيتعارضان ويتساقطان. فكأنّ صاحب «الكفاية» أراد التخلّص من التعارض بتبديل عنوان الجزء إلى الجزئيّة، لكنّ المحقّق الأصفهاني يقول: هذا لا يخلّص من التعارض، لأنّ التعارض سيقع أيضاً بين البراءة عن الجزئيّة والبراءة عن الكلّيّة.
وهذا هو الإيراد الرابع الذي نبّه عليه المحقّق الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه).
ونكتفي بهذا المقدار.