46/10/24
محاورات حول ما جاء في الكفاية/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية
محتويات
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية1.1- استلزام انحلال العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر للخلف والتهافت

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / محاورات حول ما جاء في الكفاية
1- محاورات حول ما جاء في الكفاية
1.1- استلزام انحلال العلم الإجمالي بين الأقلّ والأكثر للخلف والتهافت
ذكرنا كلام صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه وهو أنّ الانحلال الحكميّ بتنجّز الأقلّ يؤدّي إلى الخلف والتهافت، وهذا الكلام بعد أن ذكرنا مقدمتين لتوضيحه لا بدّ وأن نأتي إلى توضيح مراده.
وكان الحصيلة الأولى من هاتين المقدمتين أنّ صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه يؤمن بعدم إمكان التبعيض في التنجّز في الواجبات الارتباطيّة، والمقدّمة الثانية وضّحنا فيها الانحلال بثلاثة أنحاء وقلنا أنّنا نقصد هنا الانحلال بالنحو الثالث أي بنحو الانحلال الحكميّ.
والآن نأتي إلى توضيحه مراد صاحب الكفاية رضوان الله تعالى عليه فنقول بأنّه يعتقد بأنّ هذا الانحلال يستلزم الخلف والتهافت وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يبيّن مراده وأنّه كيف يؤدّي هذا الانحلال إلى الخلف والتهافت، فيبيّن ذلك بتقريبين:
التقريب الأوّل أنّه حتّى إذا كان الأمر متعلّقاً بالأكثر وقلنا بتنجّز حصّة الأقلّ من هذا الأكثر الذي تعلّق به الأمر فهذا يعني أنّ الأمر المتعلّق بالأكثر متنجّز على كلّ تقدير يعني أنّ التنجّز ما دام تعلّق بحصّة ممّا أمر به الشارع فقد تنجّز هذا الأمر ولو بمقدار حصّة من متعلّقه، ولكي لا يؤدّي ذلك إلى التبعيض في التنجّز لا بدّ من افتراض أنّ الأكثر قد تنجّز أيضاً بما فيه الجزء الزائد؛ لأنّه حسب رأي صاحب الكفاية لا يمكن أن يتنجّز بعض أجزاء الواجبات الارتباطيّة ولا يتنجّز الأجزاء الأخرى، فلكي لا يؤدّي إلى التبعيض في التنجّز نقول بأنّه إذا تنجّز المقدار الأقلّ فالجزء الزائد المحتمل – على تقدير كون الأمر متعلّقاً بالأكثر – يتنجّز أيضاً، وإذا تنجّز يعني أنه لا يتمّ الانحلال يعني أنّ الانحلال انهار؛ لأنّ الانحلال معناه أن نقول بتنجّز المقدار الأقلّ وإجراء البراءة عن الجزء الزائد، ولا نقدر أن نجري البراءة عن الجزء الزائد، فلم يحصل الانحلال الحكميّ، وهذا خلف ما أقدمنا عليه، نحن أقدمنا على الانحلال وانتهينا إلى عدم الانحلال، وهذا معنى الخلف والتهافت الذي قال به صاحب الكفاية رضوان الله عليه.
التقريب الثاني تقريبٌ لطيف. يقول: لو افترضنا أنّ هذا الرجل لم يصلّ رغم علمه بأنّه يجب الصلاة إما بتسعة أجزاء أو عشرة أجزاء، لا صلّى بتسعة أجزاء ولا بعشرة أجزاء، فهل هذا يعاقب عقاب المعصية أي العقاب على مخالفة حكم الله الحقيقي، [أو يعاقب عقاب التجرّي؟]
هذا الإنسان عاصٍ أم ليس عاصياً؟ لا شكّ أنّه لم يصلّ لا بتسعة أجزاء ولا بعشرة أجزاء وصدرت منه المعصية المستحقّة للعقاب قطعاً وهذا المقدار مسلّم. نقول عندئذٍ بأنّه صدرت منه المعصية فهو يستحق العقاب، فعقابه هذا على أيّ شيء؟ ويعاقب على أيّ معصية؟ والمعصية ليس تجرّياً يعني يعاقب على شيء بتخيّل أنّه حكم الله وقد خالفه بل معصية مسلمة صدرت منه.
فهل يعاقب على ترك الأقلّ أو يعاقب على ترك الأكثر بما فيه الجزء الزائد؟ إن قلنا بأنّه يعاقب على الأقلّ وافترضنا أنّ الأقلّ ليس هو الذي تعلّق به الأمر، بل تعلّق الأمر الإلهي الواقعي بالأكثر، فلا يمكن القول بأنّه يستحقّ العقاب على معصية الأقلّ.
وإن قلنا بأنّه يعاقب على تركه للأكثر الذي تعلّق به الأمر الإلهي فهذا يعني أنّه لم يحصل الانحلال وهذا ينافي الانحلال؛ لأنّه اعتبرنا تركه للأكثر معصية ولم يحصل الانحلال بأن نجري البراءة عن الجزء الزائد المحتمل؛ لأنّ الأكثر منجّز عليه فتركه للأكثر معصية وإذا اعتبرنا تركه للأكثر معصية لم ينحلّ فهو يعاقب على تركه للأكثر وهذا ينافي الانحلال أيضاً. يعني لم ينحلّ العلم الإجماليّ بتنجيز الأقلّ بل ظّل الأكثر منجّزاً. هذا هو التقريب الثاني لكلام صاحب الكفاية.
وبعد ذلك يبدأ بالتعليق عليه وأوّل ما يعلّق عليه هو أنّه أساساً نحن لا نؤمن بعدم إمكان التبعيض في التنجيز في الواجبات الارتباطيّة، وهذا ما سيأتي توضيحه إن شاء الله في الدروس القادمة.