« فهرست دروس
الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري
بحث الأصول

46/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

 المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض/ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء /الأصول العملية

 

الموضوع: الأصول العملية / دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء / المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

1- المانع الثالث عن جريان البراءة في المقام وهو العلم بالغرض

صوّرنا احتمال كون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر ضمن خمس فرضيّات أو أربع فرضيات بحذف الفرضية الأولى - لكون نقطة ضعف فيها - فتجري البراءة عن الأكثر، ولا نبتلى بمشكلة تحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.

1.1- إشكال في إمكان جريان البراءة في الغرض

يطرح هنا أستاذنا الشهيد إشكالاً ويرد عليه وهو أنّه نحن توصّلنا إلى احتمال - وليس اليقين - بكون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر فيوجد هنا احتمالان:

الاحتمال الأوّل الذي هو المطلوب أن يكون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر، بحيث لا يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل.

والاحتمال الثاني أن يكون الغرض أمراً وحدانيّاً لا يعرف أنّه يحصل بالأقلّ أو بالأكثر.

وبناء على هذا الاحتمال الثاني يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل وبالتالي لا يمكن جريان البراءة؛ لأن الشكّ في المحصّل كما تعرفون مجرى للاشتغال لا للبراءة. فما دام نحن نحتمل كون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر الذي تجري فيه البراءة كذلك نحتمل أن يكون الغرض وحدانيّاً ويكون الشكّ فيه شكّاً في المحصّل، فعلى أيّ أساس نجري البراءة ما دام يوجد هذان الاحتمالان؟

[نعم] لو كان الاحتمال الأول هو المتعيّن بأنّ الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر فلم نكن نتمكّن من إجراء البراءة عن المقدار الزائد، ولكن ما دام دار الأمر بين هذين الاحتمالين نشكّ فيه أنّه هل يحصل بالأقلّ أو يحصل بالأكثر فما دام هذا الاحتمال الثاني موجود لا نستطيع أن نجري البراءة؛ لأنّه بناء عليه يتحوّل الشكّ إلى الشكّ في المحصّل والشكّ في المحصّل مجرى للاشتغال وليس مجرى للبراءة. هذا هو الاشكال على جريان البراءة.

1.1.1- الجواب عن الإشكال

والجواب عنه أنّه إذا دار الأمر بين هذين الاحتمالين أي إذا دار الأمر بين أن يكون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر وبين كون الغرض أمراً وحدانيّاً لا نعرف أنّه هل يحصل بالأقلّ أو بالأكثر، يمكن أن نجري البراءة عن كون الغرض بالنحو الثاني. وهذا ليس البراءة عن الأقلّ أو الأكثر، [بل] في ضوء هذا يظهر بأنّه هل تجرى البراءة عن الأكثر أو لا يمكن جريانها. فلا تخلطون بين جريان البراءة عن الجزء الزائد وبين البراءة عن كون الغرض بالنحو الثاني.

إذا كان الغرض بالنحو الثاني فلا تجرى البراءة عن الجزء الزائد وإذا كان بالنحو الأوّل تجرى عن الجزء الزائد، إذاً فماذا نصنع عندما يتردّد الأمر بين هذين النحوين من الغرض وهما أنّ الغرض يكون على نحو الأقلّ والأكثر أو كونه على نحو أمر وحداني.

عندما يطرح هذان الاحتمالان في كيفيّة الغرض يقول السيّد رضوان الله تعالى عليه: تجرى البراءة حينئذ عن النحو الثاني من الغرض حتى يترتّب عليه السؤال عندئذ عن إمكان جريان البراءة عن الجزء الزائد، فقبل أن نلحظ أنّ البراءة تجري في الجزء الزائد أو لا، لا بدّ وأن نطرح ماذا نصنع بتردّد كيفيّة الغرض بين هاتين الكيفيّتين، فيقول السيّد رضوان الله تعالى عليه: إنّه تجرى البراءة عن كون الغرض بالنحو الثاني الذي يبتلى بكون الشكّ شكّاً في المحصّل، والاحتمال الثاني كان يبتلى بهذا الابتلاء لا الاحتمال الأوّل.

فتجرى البراءة عن النحو الثاني من الغرض ولا يعارض بالبراءة عن النحو الأوّل من الغرض.

أمّا كيفيّة جريان البراءة عن النحو الثاني من الغرض فنقول بأنّه نشكّ في أنّ الغرض هل هو بنحو يتحوّل الشكّ فيه إلى الشكّ في المحصّل أو ليس كذلك. فنشكّ في أنّه هل يوجد غرض وحدانيّ لا نعرف أنّه يحصل بالأقلّ أو الأكثر أو لا؟ فنجرى البراءة عن وجوده عن أصل وجود مثل هذا الغرض.

وهل تعارض هذه البراءة بالبراءة عن النحو الأول؟

يقول: لا؛ لأنّ البراءة عن النحو الأوّل من الغرض لا معنى له؛ لأنّ النحو الأول من الغرض يعني كون الغرض مردّداً بين الأقلّ والأكثر، وهذا المقدار الأقلّ مسلّم ومقدار الزائد ليس فيه مؤونة زائدة على المقدار اليقينيّ؛ لأنّه صحيح أنّه إذا عرفنا بأنّ الغرض مردّد بين الأقلّ والأكثر فتجري البراءة عن الأكثر (فإنّ) هذا براءة عن الأكثر وليس براءة عن هذا النحو من الغرض، لا تخلطون بين البراءة عن الجزء الزائد المحتمل وبين البراءة عن النحو الأول من الغرض، البراءة عن غرض مردّد بين الأقلّ والأكثر، فليس البراءة عن الأكثر بل البراءة عن أصل وجود غرض مردّد بين الأقلّ والأكثر. فيقول الغرض المردّد بين الأقلّ والأكثر لا يمكن إجراء البراءة فيه؛ لأنّ المقدار الأقلّ قطعيّ والمقدار الزائد تجري فيه البراءة عن المقدار الزائد. فهذا النحو من الغرض ليس مجرى للبراءة.

إذاً فالنحو الثاني من الغرض تجري فيه البراءة عن أصل الغرض والنحو الأوّل من الغرض يبقى بلا معارض، إذاً فالنحو الأوّل من الغرض يتعيّن، والنحو الثاني تجري فيه البراءة، وإذا تعين النحو الأول فتصل النوبة إلى أنّه يترتّب على ذلك إجراء البراءة عن الجزء الزائد.

هذا هو الجواب عن الإشكال المطروح. ثمّ يوجد إشكال آخر سيأتي بحثه إن شاء الله في الدرس القادم.

logo