< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌اکبر الحائري

بحث الأصول

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية / العلم الإجمالي / حكم ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي

1- خلاصة الدروس الماضية

قلنا إنّ المرحوم السيّد حيدر والد أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه قال ردّاً على الشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه: كما أنّ لألف أصلاً طوليّاً بلحاظ الثوب الذي لاقاه كذلك لأصالة الطهارة الجارية في باء أيضاً أصلٌ طوليّ وهي أصالة الإباحة؛ لأنّ الشكّ في الطهارة سبّب الشكّ في الإباحة فأصالة الطهارة تصبح حاكمةً وأصالةُ الإباحة محكومةً، فإنّ أصالة الإباحة تكون في طول أصالة الطهارة، إذاً فأصالة الطهارة في باء حصلت أيضاً على أصل طوليّ، فهذا الأصل الطوليّ لباء مع الأصل الطوليّ لألف في عرض واحد فيقع التعارض والتساقط بين هذين فلا يبقى أصل مؤمّن للثوب فيجب الاجتناب عنه خلافاً لما قاله الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالى عليه. وهذا ما سمّي بالشبهة الحيدريّة.

2- الرد الصادر من المحقّق النائيني على الشبهة الحيدرية

ولكنّ للمحقّق النائينيّ رحمه الله ردّاً على هذه الشبهة بحسب مبانيه، وهو أنّ هناك فرقاً أساسيّاً بين الأصل الطوليّ الذي يمتلكه أصل الطهارة في ألف وبين الأصل الطوليّ الذي يمتلكه في باء، وهذا الفرق هو أنّ الأصل الطوليّ الذي صوّره المرحوم السيّد حيدر في باء أصل طوليّ لأصالة الطهارة وهي أصالة الحلّ، وهذان الأصلان الطوليّان في طرف باء يجريان في شيء واحد وهو باء، ولكن يوجد في جانب ألف أصالة الطهارة في ألف وأصالة الطهارة في الثوب وهي في طول أصالة الطهارة في ألف؛ لأنّ الشكّ في طهارة الثوب مسبّب عن الشكّ في طهارة ألف، فمن حيث الطوليّة الناشئة من الشكّ السببيّ والمسبّبيّ كلاهما أصل طوليّ، فيكون الأصل الجاري في الثوب في طول الأصل الجاري في ألف وكذلك في جانب باء، فأصالة الإباحة في طول أصالة الطهارة في باء؛ لأنّ الشكّ في الإباحة مسبّب عن الشكّ في الطهارة، ولكن يوجد فرق أساسيّ بينهما، وهو أنّ الأصلان السببيّ والمسبّبيّ في جانب باء يجريان في شيء واحد وهو باء، مع أنّه يكون الأصل السببيّ في جانب ألف في ألف والأصل المسبّبيّ في الثوب فهما شيئان، وهذا ممّا يؤدّي إلى أنّ الأصل الطوليّ في جانب باء يندرج في التعارض ويسقط مع أصله السببيّ معاً للتعارض مع الأصل الجاري في ألف، ولكنّه في جانب ألف حيث يكون الأصل السببيّ في شيء والأصل المسبّبيّ في شيء آخر فلا يسقطان معاً بل إنّما يسقط الأصل السببيّ ويبقى الأصل المسبّبيّ.

ووجه ذلك يذكره أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه، ولا ندري يذكره نقلاً عن المحقّق النائينيّ أو عرف هو وجه ذلك حسب مذاق المحقّق النائينيّ.

فالوجه فيه هو أنّ المحقّق النائينيّ يعتقد – كما ذكرنا ذلك وناقشناه في أبحاثنا الماضية – أنّ التعارض والتساقط يكون بحسب عالم المجعول وفعليّة المجعول، وردّه أستاذنا الشهيد في محلّه وقال يكون بحسب عالم الجعل لا المجعول، فيقول: إذا كان الأصلان الطوليّان في شيء واحد – كما في باء الذي فيه أصالة الطهارة وأصالة الإباحة – فمجعولهما شيء واحد؛ لأنّهما جريا في شيء واحد، وفعليّة المجعول يعني أنّ هذا الإناء (أي باء) اعتُبر طاهراً وحلالاً معاً في مجعول واحد وهو إناء باء، بينما مجعول الأصل السببيّ ومجعول الأصل المسبّبيّ بما أنّهما في شيئين فكلٌّ مجعوله له. فمجعول أصالة الطهارة في إناء ألف عبارة عن الحكم الفعليّ والمجعول الفعليّ لطهارة ألف ومجعول أصالة الطهارة في الثوب عبارة عن البناء على طهارة الثوب، فالمجعولان في جانب ألف متفاوتان، والمجعول في ألف غير المجعول في الثوب الملاقي له، بينما في جانب باء مجعول أصالة الطهارة ومجعول أصالة الإباحة شيء واحد فإذا كان التعارض والتساقط بلحاظ عالم المجعول – كما يعتقده المحقّق النائينيّ – ففي جانب باء بما أنّ مجعولهما شيء واحد يسقطان معاً بالتعارض ولا يمكن سقوط أحدهما دون الآخر. نعم جعل أصالة الطهارة وجعل أصالة الإباحة اثنان ولكنّ مجعولهما واحد في جانب باء والتساقط يحصل بحسب عالم المجعول في رأيه، فلا يمكن سقوط أحدهما فقط. بينما بالنسبة إلى جانب ألف بما أنّ المجعول في الأصل السببيّ يكون في ألف والمجعول في الأصل المسبّبيّ يكون في الثوب فمن الممكن أن يسقط أحدهما ولا يسقط الآخر، فيسقط الأصل السببيّ بخلاف الأصل المسبّبيّ؛ لأنّهما مجعولان والمجعول الأوّل ابتلي بالتعارض مع أصالة الطهارة في باء ويبقى المسبّبيّ؛ لكونهما طوليّين.

2.1- المناقشة في الردّ الصادر من المحقّق النائيني رحمه الله

ولكنّ أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه ناقشه في محلّه، من أنّ التعارض والتساقط بحسب عالم الجعل لا عالم المجعول، وكما أنّه في عالم الجعل في جانب ألف يكون جعل أصالة الطهارة السببيّة وجعل أصالة الطهارة المسبّبيّة في الثوب جعلين فكذلك في باء يكون جعل أصالة الطهارة وأصالة الإباحة جعلين وإن كان مجعولهما واحداً، فلا يصحّ القول بأنّهما يسقطان معاً.

فهذا الردّ الذي أورده أستاذنا الشهيد على كلام المحقّق النائينيّ في محلّه ويسري هنا.

وبهذا ننتهي من الوجه الذي ذكره الشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه للبرهنة على كون الثوب الملاقي لأحد طرفي العلم الإجماليّ لا يجب الاجتناب عنه.

وسنبحث الوجوه الذي ذكرها الآخرون في الدرس القادم إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo