< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

43/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: في كيفية تحمّل الرواية، أي طرق نقل المعلومات.

     التذكر بالطريق الاول: وهو السماع.

     الطريق الثاني: القراءة على الشيخ.

     الطريق الثالث: المناولة.

     الطريق الرابع: الكتابة.

     الطريق الخامس: الوصيّة.

     الطريق السادس: الوجادة.

     المناط في اعتبار الجميع هو حصول الاطمئنان والوثوق.

     فائدة في الحث الشرعي على الكتابة.

 

نعود لبحث كيفيّة حمل الكتاب أو كيفيّة نقل المعلومة، قلنا ان محوره شيء واحد وهو الإطمئنان بأن هذا الكتاب لفلان وقد وصلني، وقلنا ان هناك كيفيات لحصول هذا الإطمئنان ووقع فيها كلام كثير وخصوصا عند القدما وخصوصا عند ابناء العامّة.

لقد ذكروا طرقا لكيفية الحميل نذكرها كما ذكروها هم وان كنت لا أجد فائدة كبيرة، لكن لا بأس للمرور عليها حتى إذا وردت علينا في كتب علم الرجال وغيرها تكون لدينا فكرة عنها.

ذكرنا في الدرس السابق الطريق الاول مفصلا وهو السماع.

الطريق الثاني: القراءة على الشيخ: أي أن يعرض الراوي على شيخه كتابا بنحو القراءة فيقرّه عليه ثم يجيزه، والإئمة عليهم السلام عرضت عليهم بعض الكتب واقروها.

والقراءة لها صور عديدة: فتارة يقرأ الراوي ويسمعه الشيخ متابعا. وتارة يقرأ الشيخ ويسمعه الراوي. وتارة يقرآن معا من نسختين. وتارة يقرأ الشيخ من حفظه ويتابعه الطالب، وهكذا.

والحق أنها جميعا طريقة صحيحة للتحمل، إذ يعتمد العقلاء عليها ولعلّها ترجع إلى السماع.

وهناك مباحث ذكرها القدماء مثل الفرق بين أخبرنا وحدّثنا، وثمرة الفرق بين اخبرنا وحدثنا وسمعت تنفعنا في الاصول ولم يذكرها احد في علم الرجال، وقد ذكروا فائدة أن حدثنا ظاهرة في النطق، أما اخبرنا فتشمل النطق وغيره كالإشارة.

وقد ذكرنا أن التحمل ونقل المعلومات مسألة عقلائية تدور مدار الاطمئنان والوثوق.

ونذكر مثالا على ذلك: " كان بعض السلف من علماء العامّة يقول: إذا حدّثك المحدّث فلم تر وجهه فلا تروِ عنه، فلعلّه شيطان قد تصور في صورته ". وغير ذلك من التفاصيل. ونقول أن جميعها تفاصيل، ألم يخبر بعض من كان أعمى كابن مكتوم وجابر بن عبد الله الانصاري، بل لا داعي لذكر الاشكالات والصفحات والاجوبة، لان المناط في التحمل كما ذكرنا هو الوثوق والاطمئنان.

الطريق الثالث: المناولة: وهي أن يناول الشيخ الأستاذ تلميذه كتابا حدّث انه كتاب فلان، كتاب الكافي مثلا، أو ان يناول التلميذ كتابا لاستاذه ليراجعه، فيجيزه الاستاذ بناءا على المراجعة.

وكلتا الصورتين معتبرتان، وتدوران مدار ما ذكرنا، لان المناولة والإجازة قرينتان على الإقرار بالكتاب وهما يؤديان إلى الوثوق عادة إلا مع قرائن خاصّة مسقطة لذلك كاحتمال التقيّة من خوف أو غيره فلا تكون المناولة معتبرة ولاحجّة.

الطريق الرابع: الكتابة: بأن يكتب الشيخ ما يحفظه لتلميذه، وهذا له صورتان: فتارة يكون مع الإجازة كان يقول: " أجزت لك رواية ما كتبته لك " فهذه لا شك في اعتبارها.

ثم إن الإجازة لا يشترط فيها لفظ معيّن فالإشارة تكفي.

وتارة غير مقرونة بالإجازة، والظاهر أيضا اعتبارها إلا مع قرائن، وهذا ديدن العقلاء وسيرتهم.

النتيجة في الإجازة انه إذا اطمأننت ان ما كتبته هو الصحيح والمراد اعتبر الكتاب، لكن إذا كتَبتَ وانا احتملتُ ما يخالف المراد كأن احتمل انها مسودّة مثلا اخطاؤها كثيرة فيصير الكتاب غير معتبر.

الطريق الخامس: الوصيّة: بأن يدفع الشيخ كتابا لوصيّه يوصيه بأن يرويه فلان عنه.

والظاهر أيضا إعتباره مع الوثاقة بالوصيّة وهي طريقة عقلائية تورث الوثوق. أما مع عدم وثاقة الوصي ولا الموصي تسقط الوصيّة عن الاعتبار في تحمل الرواية.

الطريق السادس: الوجادة: وهي الأكثر انتشارا، وهي أن أجد كتابا معلوم الإنتساب لصاحبه، كما لو وجدته في السوق أو عند الأصدقاء، فلو وجدت كتاب الكافي أو الجواهر أو الوسائل لاشتريته من السوق من دون سؤال عن السند إليه، بل لمجرّد الاطمئنان بصحّة انتساب الكتاب إلى صاحبه، وعدم حصول تزوير أو تلاعب فيه من زيادة أو نقيصة أو غير ذلك، كما حدث للأصول الحديثة لأبناء العامّة في المطبوعات، والامثلة كثيرة على ذلك كما في كتاب " حياة محمد (ص) " لمحمد حسين هيكل.

حيث الفرق واضح بين الكتابة باليد والطباعة، فان الدسّ في الكتاب أسهل منه في الطباعة. والفرق بين الماضي والحاضر ان احتمال التزوير في الماضي أكثر من الحاضر بكثير بسبب وسائل الطبع. وهذا طريق معتبر، بل هو الأكثر، بل لعلّه المنحصر في الاوقات القريبة.

وهناك طرق أخرى متجددة، وقد يحدث غيرها، فإن البطون تلد، والعلم يتطوّر، والاكتشافات تزيد، والاختراعات في تكاثر، فقد يكون بدل الأحرف رموزا، وبدل الورق شاشات، والانتقال يكون بنقرة على الكومبيوتر، وشبكات الانترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، كلها تتطوّر وهكذا.

والمناط في اعتبار أي منها هو حصول الوثوق والاطمئنان في نسبة الكتاب إلى الراوي. ومع عدم حصول الوثوق فكلها لا تكون معتبرة.

والإطمئنان على قسمين: اطمئنان شخصي وإطمئنان عقلائي نوعي.

الاطمئنان الشخصي حجّة عليك لا على غيرك، اما الإطمئنان العقلائي حجّة على غيرك. لذلك المقلّد إذا قال انا اطمئن لحكم ما، إذا كان اطمئنان شخصى ليس لدواعي عقلائيّة فلا يجوز لي أن أقلّده، لان اطمئنانه حجّة عليه لا عليّ، اما في الموضوعات فلا علاقة للمقلّد بها كليّا، فهي شبهة موضوعية وليست شبة حكميّة ولا مفهوميّة [1] ، فالموضوعات من شؤون المكلّف وليست من شؤون المجتهد ولها طرق إثبات. وقد ذكرتها ملخصة في كراس منهجيّة الاستنباط، وهنا انصح بحفظه، لاختصاره الشديد، ولانه ينظّم ذهن الطالب لإستنباط.- يراجع الكراس وبحوث الأصول للتفصيل -.

ومع عدم حصول الإطمئنان أو مع الشك حينئذ لا دليل، نعم مع الإطمئنان الشخصي يكون حجّة عليك، والإطمئنان النوعي وهو الحاصل من القرائن التي يعتبرها العقلاء، هو الذي نحتاج إليه في عالم التقليد وغيره. لذلك مثلا العلامة الحلّي (ره) وصل اليه كتاب ابن الغضائري، لكن ما الدليل على انه نفس كتاب ابن الغضائري لا غيره، لم يذكر، ولذلك نحن رفضنا الكتاب.

الحث على الكتابة: اخواني الطلبة الاعزاء، الدنيا تحتاج للهمّة والآخرة تحتاجها ايضا، اتمنّى ان تكتبوا، نحن قوم في هذه الأيام ليس فقط لا نقرأ بل لا نكتب، العلماء، علماء النحو وغيرهم كان لهم مهن، ويكتبون والشيخ الانصاري (ره) على عظمته كان اسكافيا لتحصيل معاشه ثم بعد ذلك ينصرف للدرس والكتابة، الكتابة تحفظ العلم من الضياع، وورد فيها حث كثير، وقد لاحظت ان الأمم التي تسعى إلى النمو تكتب كثيرا، بخلاف المتكاسلة.

وردت الإشارة إلى الكتابة: في القرآن الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ن * والقلم وما يسطرون﴾[سورة القلم/1-2]، وقوله تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾ [سورة العلق/1-5].

ووردت في احاديت أهل البيت (ع): روي عن الحسن بن علي عليهما السلام أنه دعا بنيه وبني أخيه فقال: إنكم صغار قوم، و يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم، فمن يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته. [منية المريد: ص ٣٤٠.]

وورد عن عبيد بن زرارة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: احتفظوا بكتبكم، فإنكم سوف تحتاجون إليها. [الكافي: ١ / ٥٢.]

وروي أن رجلا من الأنصار كان يجلس إلى النبي صلى الله عليه وآله فيسمع منه صلى الله عليه وآله الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: استعن بيمينك، وأومأ بيده، أي خط.[منية المريد: ص 340].

للأسف الذي منعكتابة الحديث (تدوين السنّة) بعد وفاة الرسول (ص)، هم ابو بكر، وعمر، وعثمان، وبنو أمية. الذي يكتب هم الامم المتحضّرة النامية.

وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: اكتبوا، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا، وعنه أيضا قال: القلب يتكل على الكتابة،… الخ.

وإنّ الثابت عن علي عليه السلام هو أنّه أوّل من دوّن الأحاديث الشريفة في كتاب، وهو كتاب: (الجامعة) وقد يسمّى بـ: الصحيفة، أو: الصحيفة الجامعة، أو: كتاب عليّ عليه السلام ، وهو من إملاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وخطّ عليّ عليه السلام بيده.

الإمام (ع) ليس بحاجة للكتابة ولكن هو من باب الحث على الكتابة، وليكون مستندا فما بعد، ونحن اتباعه فلنكتب.

وعن أبي عمرو بن العلاء (الوشا)، قال: سئل الحسن بن علي عن الرجل يكون له ثمانون سنة يكتب الحديث؟ قال: إنّه يحسن أن يعيش. [شرف أصحاب الحديث: 69 رقم 146.]

ولكثرة اهتمام الإمام جعفر الصادق بالمدوّنات والكتب قيل عنه بأنّه صحفي، فاعتزّ بتلك النسبة وقال: نعم أنا صحفي، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى.[علل الشرائع 1: 89،الباب 81،ح 5.]

قال إبراهيم بن أبي محمود (ثقة): دخلت على أبي جعفر ومعي كُتُبٌ إليه من أبيه، فجعل يقرأها ويضع كتاباً كبيراً على عينيه ويقول: خطّ أبي والله، ويبكي حتّى سالت دموعه. [رجال الكشّيّ: 475].

هذا الحديث يشير إلى مناط التحمل وهو الإطمئنان بالخط.

أريد أن انهي الكلام بأن الكتابة شيء مهم يحتاج إلى همّة كما ان الدنيا تحتاج إلى همّة والآخرة كذلك، عظماء التاريخ لم يصبحوا عظماء من الذكاء فقط، بل من العمل الكثير الكثير، وذكرت لكم سابقا ما حصل مع ابن سينا وكتاب الطبيعيات لأرسطو وجَلَدُه الكبير في ذلك. سؤال: كم واحد منّا عنده جلد ابن سينا في قراءة الكتاب أربعين مرّة وحفظه من دون فهم؟!!.

 


[1] قلنا في المنهجية ان الشبهة الحكمية حلها بأربعة كلمات: نبحث عن علم، فان لم نجد بعلمي من غير الاصول اللفظية، فان لم نجد فاصل لفظي، فان لم نجد فاصل عملي. اما الشبهة المفهومية حلها: اولا اطرق باب الشارع فان لم أجد فاطرق باب العرف، فان لم أجد فاطرق باب اللغة، فان لم أجد آخذ بالقدر المتيقن، فان لم أجد اصبح الدليل مجملا فنعود إلى دليل آخر. وفي الشبهة المصداقية: اولا ابحث عن علم وجداني، فان لم أجد فابحث عن امارة غير القواعد، فان لم أجد ابحث عن اصول الموضوعات مثل اصالة الاستصحاب.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo