< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

43/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: كتاب بصائر الدرجات.

     طرق الطوسي (ره) إلى الصفار غير تام بابن شاذان.

     طريق النجاشي إلى الصفار.

     عدم ثبوت القاعدة التي ذكروها في توثيق رجال النجاشي.

     ثبوت قاعدة ان النجاشي لا يروي عمن ثبت ضعفه.

     طريق النجاشي غير تام بابن شاذان وإن كان من مشايخه.

 

نعود للكلام في بصائر الدرجات كتاب معروف يوجد كتابان بعنوان بصائر الدرجات، كتاب لمحمد بن الحسن الصفار بن فروخ، وكتاب لسعد بن عبد الله الأشعري القمّي الجليل المعروف. وكلا الراويين من الثقاة الكبار. كلامنا في كتاب الصفار.

اما سند الكتاب:

للشيخ الطوسي (ره) طرق ثلاثة وللنجاشي طريق:

طرق الشيخ الطوسي (ره) إلى الصفار:

الأول: رواه ابن ابي جيد عن ابن الوليد عنه. وهذا الطريق فيه ابن ابي جيد وهو ممن لن يثبت توثيقه عندنا بقاعدة عامة أو توثيق خاص، لكن توجد قرائن فيه لا تكفي في اثبات وثاقته عندنا، لكن لا بأس بقبول رواياته.

الثاني: روى جميع كتبه جماعة عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن رجاله إلا كتاب البصائر. وهذا الطريق لا ينفعنا لعدم شموله كتاب البصائر.

الطريق الثالث: الحسين بن عبيد الله عن احمد بن محمد بن يحيى (مقبول) عن ابيه (ثقة) عن الصفار. هذا السند فيه احمد بن محمد بن يحيى الذي يقول عنه الحر العاملي في الوسائل: احمد بن محمد بن يحيى العطار روى عنه التلعكبري وغيره، وذكره الشيخ، ويعدّ العلاّمة وغيره من علمائنا حديثه صحيحا وهو يقتضي توثيقه على قاعدتهم. [1]

وعندي لم يثبت توثيقه.

إذن الطرق الثلاثة ليس فيها طريقا واحدا صحيحا يعتمد عليه، لكن الطريق الأول مقبول بابن ابي جيد، والثالث وإن لم يثبت، لكنه يؤيّد صحة العمل به.

أما طريق النجاشي إلى كتاب بصائر الدرجات:

النجاشي عن ابي عبد الله بن شاذان، عن احمد (احمد بن محمد بن يحيى) عن ابيه (محمد بن يحيى) عن الصفار.

هذا السند فيه أبو عبد الله بن شاذان، وثقه كل من يبني على أن شيوخ النجاشي المباشرين ثقات ومنهم السيد الخوئي (ره) حيث يقول: أبو عبد الله محمد بن علي بن شاذان القزويني ثقة لأنه من مشايخ النجاشي، ذكره النجاشي في ترجمة يونس عن عبد الرحمن. [2]

وأبو عبد الله بن شاذان مجهول لا يوجد عندنا دليل على توثيقه إلا قاعدة – من التوثيقات العامّة وذكرناها في كتابنا الوجيز النافع في علم الرجال - انه من شيوخ النجاشي. وذهب كثيرون إلى ان كل شيوخ النجاشي في كتابه رجال النجاشي ثقات.

ولكن لم تثبت هذه القاعدة عندنا، وقد فصّلنا ذلك في كتابنا الوجيز النافع، وقد ذكرنا هناك ان ما استدل به من كلمات النجاشي على وثاقته مشايخه لا يدّل عليه، وكلما ما في الأمر يدّل على عدم ثبوت ضعفه وعدم اشتهار ذلك بين الاصحاب. وهذا شيء والتوثيق شيء آخر [3] .

بحث شيوخ النجاشي المباشرين من كتاب الوجيز:

النجاشي صاحب الفهرس: هو الثبت البصير، الثقة، الممدوح باتفاق علماء الطائفة، الشيخ أبو العباس – أو أبو الحسين – أحمد بن علي بن أحمد بن العباس الشهير بالنجاشي. وقد ادّعي أن مشايخه كلهم ثقات وهم اثنان وثلاثون شيخا.

وقد استدل على هذه القاعدة بما ذكره هو نفسه (ره) في حق مشايخه في كتابه الرجال، ونذكر بعضها:

    1. قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور: " كوفي كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام، وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري (رحمهما الله) ". [4]

نلاحظ: أن هذا الاستغراب لا يفيد أنه لا يروي إلا عن ثقة، بل يفيد أنه لا يروي عن من تلبس بالأوصاف المذكورة بمستوى معيّن، دون الدلالة على عدم الرواية عن الأقل وهذا النص يفيد أنه لا يروي عمن كان فيه ثلاثة أوصاف:

     كان يضع الحديث وضعا.

     يروي عن المجاهيل.

     فاسد المذهب والرواية.

علما أن فعل المضارع يفيد الحدوث والتجدد، فالظاهر أنه لا يروي عمن تكرر منه ذلك، وأصبح ديدنه، لا من روى مجرد رواية واحدة.

وأما من لم تجتمع فيه هذه الأوصاف الثلاثة فقد يروي عنه.

    2. وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري: كان سمع الحديث فأكثر واضطرب في آخر عمره، وذكر مصنفاته، ثم قال: رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي، وسمعت عنه شيئا كثيرا، ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم أرو عنه شيئا وتجنبته وكان من أهل العلم والأدب القوي، وطيّب الشعر، وحسن الخط – رحمه الله وسامحه – ومات سنة 401 ه. [5]

نلاحظ: أن هذا النص لا يدل على أنه لا يروي إلا عن ثقة، بل الظاهر منه تجنب الرواية عمن اشتهر ضعفه، ولا يظهر عدم تجنب النجاشي لمن لم يشتهر ضعفه. فإن لفظ " شيوخنا " يفيد العموم لأنه جمع مضاف، وعلى الأقل يفيد كثرة، ولفظ " يضعفونه " يفيد التكرار لأن فعل المضارع يفيد الحدوث والتجدد.

    3. وقال النجاشي في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول: كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي وكان في أوّل أمره ثبتا، ثم خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه،..... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الرواية عنه الا بواسطة بيني وبينه ..... الخ. [6]

    4. وظاهر هذه الرواية أنه كان يروي عن الشخص قبل التثبت من وثاقته، أي لا مانع عنده من الرواية عن مجهول أو مسكون عنه.

ونلاحظ: أن هذا النص كسابقيه يفيد أوصاف من لم يرو عنه النجاشي، وهو من اشتهر الغمز فيه، ولا يدل على أنه لا يروي إلا عن ثقة.

ولا نريد أن نطيل في استعراض النصوص التي استدلوا بها على توثيق مشايخ النجاشي المباشرين.

فكلها يستنتج منها: أن كل مشايخ النجاشي لم يثبت ضعفهم، ولم يشتهر ذلك، ولم يكونوا فاسدي الرواية والمذهب. أما أنه لا يروي إلا عن ثقة فهذا غير تام.

النتيجة: ان النجاشي لا يروي عن من اشتهر وثبت ضعفه ولا يروى عن من ثبتت وثاقته، هناك فرق بين التضعيف وبين ان لا أعلم وثاقته أو ضعفه، الناس ثلاثة: من ثبت انه ثقة في الاخبار، من ثبت انه ضعيف في الاخبار، وما بينهما أي لم يثبت وثاقته ولا ضعفه. الذي ثبت حجيّته هو خبر الثقة، التوثيق يحتاج إلى دليل. فالقاعدة إذن هي: أن النجاشي لا يروي عن من ثبت ضعفه أو من طعن فيه، إذن شيوخ النجاشي كلهم لم يعرفوا بالضعف لكن هذا لا يكفي في التوثيق، فلا نوثق كل من روى عنهم، ونحن نحتاج في مقام الحجيّة والأخذ بالخبر إلى من ثبتت وثاقته.


[3] اقول حول هذه القاعدة: أن الوثاقة أمر وجودي تحتاج إلى اثبات، والقرائن التي تذكر وحدها ليست كافية في التوثيق، نعم كثرة القرائن قد تؤدي إلى اطمئنان فيكون الاطمئنان هو الحجّة، يخبرني شخص أول مرّة وثاني مرّة وثالث مرّة حتى أثق، لا اكتفي بأن شخصا ما يأتي إلى المسجد يصلي ويكون ظاهره الصلاح كي اوثقه، الوثاقة أمر عقلائي، لذلك ذكرت مثالا واكرره انه إذا جاء شخص إلى المسجد كل يوم ويصلي وان لم اختبره ولا اعرف امانته، وإذا كان عندي مبلغ كبير من المال هل اعطيه المبلغ امانة، يمكن ان اعطيه مبلغا قليلا لكن لا اعطيه المبلغ الكبير لان الامانة والشجاعة والوثاقة أمر وجودي فهي تحتاج إلى تكرار واثبات حتى تثبت ويتلبس بها الشخص من قبيل الحداد لكثرة ملابسته للحديد. لذلك مجرد ان يكون ابن بيت وغير ذلك لا يوثق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo