< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

43/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: كتاب سليم بن قيس، وكتاب بصائر الدرجات.

     النتيجة في كتاب سليم بن قيس: لم يثبت سنده، ومضمونه لم يثبت فساده، وهو مشهور، فنعمل بالروايات التي تعضدها روايات أخرى من مصادر أخرى.

     كتاب بصائر الدرجات. يوجد كتابان: أحدهما للصفار، والآخر لسعد بن عبد الله الاشعري.

     للطوسي ثلاثة طرق إلى الصفار، وللنجاشي طريق واحد.

     طريقان للطوسي إلى بصائر الدرجات للصفار: أحدهما يمرّ بابن ابي جيد وهو لم يثبت توثيقه عندنا وإن كان نقرّب العمل برواياته. والثاني: بأحمد بن محمد بن يحيى وهو كذلك لم يثبت توثيقه.

 

إذن المشكلة في كتاب سليم بن قيس في سنده، السند فيه أبان بن ابي عياش ومعظم الاسانيد تنتهي اليه عن سليم بن قيس، فهو معروف حتى عند أبناء العامّة كما ذكرنا، لكنه لم يثبت توثيقه عندنا، لأننا لا نوثق إلا بتوثيق خاص أو بتوثيق عام، أو بقرائن نطمئن بها إلى الوثاقة. لكن لا نستطيع ان نضعفه، بمعنى اعتباره ضعيفا، فانه كان رجلا مواليا لأهل البيت (ع) في ذلك الوضع السياسي الصعب، وواضح انه كان يتقي كما يكاد ان يصرّح بذلك العامة، لا يمكن إهماله كليا.

والسند الثاني الذي يرويه إبراهيم عن عمر اليماني يمّر بالصيرفي، وهو ضعيف.

النتيجة: إن السند المتصل بسليم غير تام من حيث وثاقة الرواة، وذلك إما لأبان بن ابي عياش، وإما للصيرفي. لكن الذي يهوّن الخطب ان مضمون روايات كتاب سليم بن قيس هو عبارة عن بيان وقائع تاريخيّة فيها نقل ما جرى، أو عقائديّة تتعلّق بأوصاف النبي (ص) وأهل بيته (ع) وغالبا ليس لها أثر عملي وهي موجودة في مصادر أخرى، أو بأوصاف من اغتصب الخلافة، وليس كتابا فقهيا فيه احكام شرعيّة فقهيّة. [1]

وقد درسنا ان هذه الأمور لا تثبت إلا بالاطمئنان، ودرسنا ان خبر الواحد الثقة لا يكون حجّة إلا في الأمور والاحكام الشرعيّة، أي في الاحكام او موضوعات الاحكام.

إذن نستطيع القول أن مضمون الكتاب بعد التصفّح السريع ليس فيه ما نقطع بفساده وليس فيه تطرّف زائد، سواء أكان في التاريخ والواقع، أم في العقيدة. إذن المشكلة هي في سنده. فان معظم اسانيده تمرّ بابان بن ابي عياش، وهو من عرفت من عدم ثبوت وثاقته.

نقول بالنتيجة: إننا نعمل بكل ما عليه شاهد من روايات أخرى تورث الاطمئنان بها وهو ما ذهب إليه العلاّمة. مضمون الكتاب مشهور. والانصاف ان ما فيه لا يبعد صحته وصدوره وأن الذي حدثنا به كتاب سليم يلطف الموضوع، الظلم الذي تعرض له أهل البيت (ع) أكثر مما نعرفه، والصبر الذي صبروه أكثر مما نعرفه ايضا.

كتاب بصائر الدرجات:

كتاب معروف وسنبحث في الراوي " الصفار " ونبحث في سنده.

يوجد كتابان بعنوان بصائر الدرجات، كتاب لمحمد بن الحسن الصفار بن فروخ، وكتاب لسعد بن عبد الله الأشعري القمّي الجليل المعروف. وكلا الراويين من الثقاة الكبار. كلامنا في كتاب الصفار.

يقول في الوسائل الحر العاملي: " بصائر الدرجات " للشيخ الثقة الصدوق محمد بن الحسن الصفار، وهو نسختان كبرى وصغرى.

وفي ترجمته: محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، أبو جعفر الاعرج، كان وجها في اصحابنا القميّن، ثقة، عظيم القدر، راجحا، قليل السقط في الرواية، قاله النجاشي والعلامة [2] [3] .

وقد ذكرنا مرارا سابقا عن حجية قول الرجاليين إذا كان التوثيق حسيا دون ما إذا كان حدسيا.

وفي نقد الرجال التفريشي زاد: الصفار: له كتب روى عنه محمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن يحيى، توفي الصفار بقم 290 ه عن النجاشي. وفي رجال الشيخ انه من أصحاب العسكري (ع). [4]

اما سند الكتاب:

للشيخ الطوسي (ره) طرق ثلاثة وللنجاشي طريق:

أما طرق الطوسي (ره) فيقول: وأخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن ابي جيد عن ابن الوليد عنه، واخبرنا بذلك أيضا جماعة عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن رجاله إلا كتاب البصائر، فانه لم يروه عنه ابن الوليد، واخبرنا به الحسين بن عبيد الله عن احمد بن محمد بن يحيى عن ابيه عن الصفار. [5]

إذن ثلاثة طرق من الشيخ الطوسي (ره) إلى الصفار:

الأول: رواه ابن ابي جيد عن ابن الوليد عنه. وهذا الطرق فيه ابن ابي جيد وهو ممن لن يثبت توثيقه عندنا بقاعدة عامة أو توثيق خاص، لكن توجد قرائن فيه لم يؤد إلى وثاقته عندنا، لكن لا بأس بقبول رواياته.

الثاني: جماعة عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن رجاله إلا كتاب البصائر. وهذا الطريق لا ينفعنا لعدم شموله كتاب البصائر.

الطريق الثالث: الحسين بن عبيد الله عن احمد بن محمد بن يحيى (مقبول) عن ابيه (ثقة) عن الصفار. هذا السند فيه احمد بن محمد بن يحيى الذي يقول عنه الحر العاملي في الوسائل: احمد بن محمد بن يحيى العطار روى عنه التلعكبري وغيره، وذكره الشيخ، ويعدّ العلاّمة وغيره من علمائنا حديثه صحيحا وهو يقتضي توثيقه على قاعدتهم. [6]

وعندي لم يثبت توثيقه.

إذن الطرق الثلاثة ليس فيها طريقا واحدا صحيحا يعتمد عليه، لكن الطريق الأول مقبول بابن ابي جيد، والثالث وإن لم يثبت، لكنه يؤيّد قرب العمل به.

 


[1] درسنا في علم الاصول متى يكون خبر الواحد حجّة؟ خبر الواحد يكون حجّة في حال تناول أمرا يكون من شأن الشارع كشارع. وللشارع شخصيات كما ذكرنا في اوائل بحوث الفقه، وذكرنا مسألة متى يجب علينا ان نتبع الرسول الاكرم (ص) في سيرته اقواله واعماله؟ قلنا ان للرسول (ص) والإمام (ع) خمس شخصيات اساسيّة: شخصيّة انه فرد من افراد المجتمع واحد ابناء مكّة المكرّمة فيلبس كما يلبس أهل مكّة، فهل يجب اتباعه أو استحباب هذا اللباس لانه من اهل مكّة؟ فتارة نلحظ به انه من ابناء مكّة وتارة نلحظ به انه من ابناء العرف البشري العام لانه انسان، وتارة اخرى نلحظ انه سلطان كان في المدينة المنوّة يأمر وينهى، وتارة اخرى رابعة نلحظ انه نبيّ، واخرى نلحظ انه رسول. فلو فرضنا انه كان هناك أمر يلحق بهذه العناوين مثلا حين كان في المدينة وقال ان بنو فلان يدخلون من تلك الطريق، فهل يستمر هذا الامر ويكون تطبيقا لقوله تعالى: " ما اتاكم به الرسول فخذوه "؟ فللرسول شخصيات لذلك نقول يجب التأسي: " ولكم في رسول الله اسوة حسنة " واتباع رسول الله في أي شيء؟ وهل يكون واجبا في كل شيء؟ فمن جهة انه فرد وانسان فهل يمكن ان نقول بوجوب اتباعه في اموره الشخصية جدا. وقلنا انه له عدّة شخصيات لكن كل شخصية آثارها ولوازمها واحكامها. الذي ثبت في وجوب الاتباع كرسول هو لانه رسول ونبيّ اما بقيّة الشخصيات والحالات فلم يثبت وجوب اتباعه: " قل انما انا بشر مثلكم " لإر بدليل. ولذلك قالوا انه يجب علينا اتباع الشارع كشارع والشارع يتدخل في ما كان من شأنه ان يكون شرعيا، فمثلا إذا ذكر النبي الشارع مسألة تاريخة بان بان عمر فلان كذا، فلانها مسألة تاريخية وليست فقهيّة لا يجب اتباعه من باب وجوب العمل بخبر الواحد الظني، نعم لو حصل الاطمئنان بالصدور فأتبعه للقطع بالصدور، لا للتعبد بالخبر الظني لانه ليس من شأن الشارع ان يبيّن تاريخا كما انه ليس من شأنه ان يبيّن الكيمياء والفيزياء والرياضيات، نعم إذا بيّن واطمأننا لا نخالفه، لكن إذا أتى خبر آحاد وخبر الواحد انما يجب اعتباره باعتباره انه خبر ثقة وباعتبار الشارع له فأخذ بالخبر لانه اورث الاطمئنان وهناك شواهد قرآنية على ذلك كما في سورة الروم، اما تعليل الفرح فيها فمسألة تاريخية، فهل يكون خبر الواحد حجّة في هذا التعليل؟ إذن قال الاصولييون ان الشارع انما نأخذ به واعتبرنا احاديثه لانه شارع، اما في الامور غير الشرعية لا نعتبر احاديثه، فعالم الدين نأخذ بأقواله في الفتاوى اما في غير ذلك لا يكون معتبرا، ولذلك قالوا ان الاصول لا تكون معتبرة إلا في الامور الشرعية أو الموضوعات ذات الشأن والاثر الشرعي، مثلا الاستصحاب لا يجري إلا إذا كان حكما شرعيا أو موضوعا لحكم شرعي، ولذلك قالوا ان الاصل المثبت لا يجري لانه يثبت لوازمه العرفية والعاديّة والعقلية وهذا لا علاقة له بالتشريع والحكم الشرعي، وهكذا ايضا في الأمارت والاخبار، فلذلك الامور التاريخيّة تحتاج إلى اطمئنان، نعم غالبا خبر الثقة يؤدي إلى وثاقة، هناك اقتضاء دون العلّة التامة. وذكرنا سابقا نقل السيد المرتضى (ره) بان الطائفة اجمعت على عدم حجية خبر الواحد ونقل تلميذه الشيخ الطوسي (ره) الاجماع على الحجيّة، واحتار الاصوليون كيف نجمع بين هذين الاجماعين المتعارضين المنقولين عن متعاصرين والطوسي تلميذ المرتضى. اقول في مقام الجمع لهذا التعارض ان خبر الواحد عند الشريف المرتضى انما يعمل به للموثوقية، وخبر الثقة يؤدّي إلى الموثوقية بالخبر، هكذا يكون الاقتضاء. إلا ان يكون هناك مانع عقلي أو عرفي من هذه الوثاقة. لذلك نقول في النتيجة ان الاخبار حجّة في الامور والاحكام الشرعية فقط، وخبر الثقة فيه مقتض الموثوقيّة لا علّة تامة وهو يؤدي إلى اطمئنان إلا لمانع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo