< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

43/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: كتاب سليم بن قيس:

     الإشكالات على كتاب سليم بن قيس:

     ان الائمة ثلاثة عشر. وجوابه: اننا لم نجد تصريحا بكونهم بعد رسول الله (ص)، بل التصريح بكونهم من ولد إسماعيل فيشمل النبي (ص).

     تطرّفه في وصف الاحداث التي وقعت بعد وفاة رسول االله (ص). وجوابه: ان تصرّف ابي بكر وعمر ليس أكثر من تصرّف السياسيين الذي يستبيحون كل شيء لأجل السلطة.

     ان سلاطين الجور اثنا عشر. وجوابه: عدم الحصر بهؤلاء.

     وعظ محمد بن ابي بكر لأبيه، رغم انه كان ابن سنتين حين وفاة ابيه. وجوابه: لم اجد في النص ما يدل على الوعظ، بل المصرّح به هو تصديق محمد بن ابي بكر وتذكره لما قال ابوه، وهذا لا مانع من تذكر العمر المذكور له.

 

قلنا ان سليم بذاته رجل جليل، وابان بن ابي عياش الذي تقاطعت الاسناد عنده لم تثبت وثاقته، وإن كان في البصرة عرف انه من علماء العامّة، ومع ذلك كتب هذا الكتاب، وهذا يشعر بولائه العميق لأهل البيت (ع).

اما من حيث الإشكالات:

     منها: ان الكتاب يقول ان الأئمة ثلاثة عشر، وذكرنا ان النصين المذكورين لم يقل فيهما ان الأئمة ثلاثة عشر، قال انهم من نسل إسماعيل، لم نجد تصريحا واضحا في كون الأئمة بعد رسول الله (ص) ثلاثة عشر.

     منها: تطرّفه في وصف الاحداث التي وقعت بعد وفاة رسول االله (ص)، ووصف القوم الذين اغتصبوا الخلافة من عليّ (ع) بأوصاف قاسية، فهم في تابوت من نار، وفي زنار من نار، وأن إبليس أول من بايع أبا بكر، وانهم اخذوا الخلافة من البيعة من المسلمين بالقوّة، وأن هؤلاء استغلوا وصيّة رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع) بعد منابذتهم ومحاربتهم، وانه سيلقى جورا منهم.

وتعليقا على ذلك أقول: إن الذي يراقب وضع السياسيين من أهل الدنيا لا يرى ما حصل بعيدا عن واقع البشر، فلأجل السلطة يستبيحون كل شيء، فقد تُباد أمم كاملة كما فعل الأوروبيون بالهنود الحمر فيما يسمونه اليوم بالتطهير العرقي، بل قد يقتل الأب ولده لأجل السلطة كما فعل السلطان سليم العثماني مع ولده مراد، ألم يقل هارون الرشيد لولده المأمون: " لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك " رغم معرفته ان الإمام الكاظم (ع) هو صاحب الامر، وإلى غير ذلك مما ذكره التاريخ عن جرائم أهل السلطة.

حتى قال آدلر وهو كبار عالم نفس الماني: " إن المحرّك للبشرية هو حب السلطة". – طبعا نحن نخطئه 0 فهذا ليس صوابا، بل المحرّك الأول والأقوى هو العقيدة والقناعات، نعم حب السلطة من المحرّكات، كذلك الجنس هو من المحرّكات وليس المحرّك الوحيد، خلافا لفرويد، كذلك الاقتصاد هو محرّك مهم لكنه ليس الوحيد خلافا لكارل ماركس.

وسبب خطئهم انهم بشر ينظرون من زاوية واحدة كل بحسب معاناته، فاستنكار ما ذكره سليم ليس بشيء جديد بالنسبة إلى ما ذكره والذي هو مفصل تاريخي للبشريّة.

فإذا لاحظنا ما رواه سليم بن قيس عن مرحلة ما قبل وما بعد وفاة رسول الله (ص) ومن تكالبهم للحصول على الخلافة، أي السلطة، وحب السلطة يعمي ويصمّ، ولذلك نلاحظ في روايات سليم بن قيس ان أبا بكر وعمر بعد ما بايع عليّ بدون فتح كفّه، بل بقيت مضمومة – إشارة إلى عدم رضاه -، قال له: بعد ما أمنا وبعد البيعة فليقل ما شاء، وهكذا فعلا مع أبي ذر والمقداد وعمّار وسلمان والبراء بن عازب وبريدة.

كانت انقلابا لأجل الحصول على السلطة، وليس لأجل إحقاق حق أو مصلحة الأمّة، فألّبوا القبائل الأعرابية لتناصرهم، وكانت خطة مرسومة محكمة [1] ، استغلوا فيها وصيّة رسول الله (ص) لعليّ بعدم المواجهة بالسيف.

أقول: إن ما فعلوه ليس كثيرا على ما نراه من جرائم وحشيّة عند الصراع على السلطة في أيامنا هذه، وكما يفعل الامريكان بأن تكون السلطة السيطرة والمال لهم وتكلّم عنهم ما شئت.

ولذلك فإني لا أعتبر ما ذكر كمضمون كثيرا وتطرّفا، فإن بعض هذه الأمور ذكرها حتى أبناء العامّة حيث يقول حافظ إبراهيم شاعر النيل في مقام مدح عمر وانه لا يجرا أحد على مواجهته:

وكلمة لعليّ قالها عمر أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

وكتاب سليم نقل أقل مما فعل ويفعل واعتبروه انه متطرّف، متطرّف بالنسبة إليهم. مفصل بتاريخ البشريّة الخلافة، ووصيّة رسول الله (ص) واكّد عليها ومع ذلك عصوه وفعلوا ما فعلوا.

سننقل بعض النصوص التي ذكرها سليم عن بيعة عليّ (ع) والدخول إلى بيته:

قال سليم بن قيس: فقلت لسلمان: أفبايعت أبا بكر - يا سلمان - ولم تقل شيئا؟

قال: قد قلت - بعد ما بايعت -: تبا لكم سائر الدهر أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم؟

أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها.

فقال عمر: يا سلمان، أما إذ بايع صاحبك وبايعت فقل ما شئت وافعل ما بدا لك وليقل صاحبك ما بدا له.

قال سلمان: فقلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ( إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب جميع أمته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعا ). [2] فقال: قل ما شئت، أليس قد بايعت ولم يقر الله عينيك بأن يليها صاحبك؟

فقلت: أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة: ( إنك - باسمك ونسبك وصفتك - باب من أبواب جهنم [3] ) فقالوا لي: قل ما شئت، أليس قد أزالها الله عن أهل هذا البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله؟

فقلت له: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، وسألته عن هذه الآية: ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد )، فأخبرني بأنك أنت هو.

فقال عمر: أسكت، أسكت الله نامتك، أيها العبد، يا بن اللخناء.

فقال عليّ عليه السلام: أقسمت عليك يا سلمان لما سكت.

فقال سلمان: والله لو لم يأمرني عليّ عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شيء نزل فيه، وكل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وفي صاحبه. فلما رآني عمر قد سكت قال لي: إنك له لمطيع مسلِّم.

كلمة أبي ذر بعد البيعة: فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر: يا سلمان، ألا تكف كما كف صاحباك؟ والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ولا أشد تعظيما لحقهم منهما، وقد كفَّا كما ترى وبايعا. [4]

هذا نموذج لبعض كلمات سليم ولا أدري لماذا هو مستغرب، وهو أقل بكثير مما يحصل من بعض السياسيين الذين يعمدون إلى القتل مباشرة وغير ذلك والتاريخ شاهد على ذلك.

ومنها: ان الأئمة ثلاثة عشر اماما من اهل النار، أئمة يدعون إلى الضلالة:

بنو أمية الشجرة الملعونة في القرآن قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله - وقد سئل عن هذه الآية: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) - فقال: (إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى. فيهم رجلان من حيين من قريش مختلفين تيم وعدي [5] ، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص [6] ). وسمعته يقول: (إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلا جعلوا كتاب الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله دولا). [7]

ما ذكر هو من واقع الأمور، كل من ذكر ينقلون عنهم انهم كانوا شاربي الخمر، واحدهم مزّق كتاب الله ورماه، أين هو التطرف في كلام سليم؟!.

ومن الإشكالات دولتنا آخر الدول:

ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عباس فقال: أما إن أول هلاك بني أمية - بعد ما يملك منهم عشرة - على يد ولدك. فليتقوا الله وليراقبوا في ولدي وعترتي، فإن الدنيا لم تبق لأحد قبلنا ولا تبقى لأحد بعدنا. دولتنا آخر الدول، يكون مكان كل يوم يومين ومكان كل سنة سنتين. ومنا من ولدي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. [8]

ونقول المراد من " دواتنا آخر الدول " هي دولة القائم (عج) الشريف.

نعم، سنذكر مسألة ذكرها سليم ان المهاجرين والانصار لم يواجهوا عليّ بن ابي طالب (ع) ولم يحاربوه وكانوا معه في صفّه، ولم يكونوا ضده لا في صفيّن والجمل ولم يحاربوه، إلا إذا اعتبرنا ان عمر بن العاص من الاصحاب ومعاوية كذلك.

وهذا إجمالا صحيح إذا استثنينا طلحة والزبير وعائشة.

ومن الإشكالات ان محمد بن ابي بكر نصح اباه بعدم القيام بالخلافة، توفي أبو بكر وكان عمر ابنه سنتين ونيّف كيف يكون ذلك؟ راجعنا النصر ولا أدري هل هناك غيره.

كلام أبي بكر عند الموت قال أبان: قال سليم: فحدثت بحديث ابن غنم هذا كله محمد بن أبي بكر. فقال: اكتم علي، وأشهد أن أبي عند موته قال مثل مقالتهم، فقالت عائشة: إن أبي ليهجر كلام عمر عند الموت قال محمد: فلقيت عبد الله بن عمر في خلافة عثمان فحدثته بما قال أبي عند موته وأخذت عليه العهد والميثاق ليكتمن علي. فقال لي ابن عمر: اكتم علي، فوالله لقد قال أبي مثل مقالة أبيك ما زاد ولا نقص. [9]

مع ملاحظة هذا النص، لا توجد فيه نصيحة، بل الموجود تذكر محمد بن ابي بكر ذلك، ووعيه لما قاله ابوه، وهذا ممكن في عمر السنتين أو ازيد بأشهر. انا اذكر انني في عمر السنتين ونصف هناك أشياء اذكرها. نعم هل هناك نص آخر ولم اجده.

بشكل عام لم أحد شيئا يستدعي تكذيب مضمون الكتاب، نعم هؤلاء الذين اعتصبوا الخلافة في النار واكتسبوا اثما كبيرا وارجعوا الامّة إلى سابق جاهليتها هذا عقيدتنا وواقع الأمور هذا كمضامين.

أما أبان بن عياش فقد كان من فقهاء العامّة والممدوح بالزاهد والعابد والحافظ وطاووس الفقهاء ومن اهل الحديث لكنه في آخر أيامه كما ذكرنا تظاهر فيما يعتقد، وهذا لأنه عاش التقيّة كل عمره.

وذكرت بالنسبة لتوثيق ابان في علم الرجال ان الحديث لا يؤخذ به إلا إذا ثبتت وثاقته مع وجود القرائن، فإذا لم توجد القرائن هل أخذ بكل ما اسمعه وكل من قال؟ بل سيرة العقلاء وهي الدليل الأهم على حجيّة الخبر، وهو العمل بخبر الواحد الموثوق المطمأن به، نعم ما ذكره الشريف المرتضى (ره) في ان خبر الواحد ليس بحجّة أتبناه، بمعنى ان خبر الواحد الثقة بما هو لا آخذ به، اما إذا حصل الاطمئنان آخذ به، ولعلّه هذا ما قاله الشريف المرتضي انه أجمعت الطائفة على عدم حجيّة خبر الواحد لان الظن لا يغني من الحق شيئا. اما الخبر الواحد نعمل به بادلّته واهم دليل هو عمل العقلاء، فإذا سمعوا من ثقة وثقوا به، أصبح لدينا حالة اطمئنان، فالاطمئنان هو الحجّة لكن سببه خبر الثقة.

وتوثيق الراوي يتم إما بالقرائن الكثيرة على انه ثقة أو بتوثيق خاص من الامام (ع) ومن الثقة أو بتوثيق عام. وذكرنا في كتابنا المختصر النافع في علم الرجال حولي عشرين توثيقا عاما.

 


[1] هناك كتيّب للسيد صدر الدين ابن السيد عبد الحسين شرف الدين (ره) بهذا المضمون اسمه " حليف مخزوم " يصوّر ماذا حدث يوم السقيفة والاحداث التاريخية صحيحة، بقلم ادبي راقي، ومن أجمل ما قرأت عن تلك الفترة.
[2] كل مشاكل الأمّة من وراى يوم السقيفة، وهنا ان السبب اقوى من المباشر، السبب هو يموم السقيفة، وكل من يرتكب الجريمة في يومنا منشؤه تلك الايام، فلو كان الامر حينها لعلي بن البي طالب (ع) لجرت الامور على احسنها.
[3] اشير إلى ذلك في رؤيا يوحنا من كتب النصارى.
[5] ابو بكر وعمر.
[6] ثلاثة من بني سفيان و سبعة من بني مروان.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo