< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

43/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فائدة: كتاب سليم بن قيس:

نكمل الكلام في كتاب بن قيس، قلنا ان الكلام في ثلاث نقاط:

     من هو سليم بن قيس، رجل من الأجلاء الاولياء من خواص أمير المؤمنين (ع).

     هرب سليم بن قيس إلى نوبندجان من بلاد فارس ومعه الكتاب وهناك أعطاه لأبان، وكان أبان بعمر 14 سنة تقريبا، ثم اخذه الرواة الأجلاء عنه.

     ابان بن ابي عياش، الذي تنتهي عنده كل اسانيد الكتاب كما قيل.

     ابان وثقه بعضهم ولكن أكثر القدماء ضعفوه، عاش في البصرة في حال تقيّة، وكان معروفا فيها، ثم في أواخر عمره بدأ يتظاهر، ولم تلاحقه الدولة الامويّة ولعلّ ذلك بسبب الخلافات السياسيّة وانشغال سلاطين الظلم ببعضهم البعض، وانشغال بني اميّة بمواجهة بني العباس.

     مضمون الكتاب، والمختار من جهة الاعتبار والعمل بالكتاب.

اما أبان بن ابي عياش:

سنذكر ما ذكره الشيخ محمد باقر الانصاري الزنجاني في كتابه عن أبان:

أبان بن أبي عياش: الشيخ الثقة الفقيه الزاهد العابد طاووس القراء أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش العبدي البصري. ولد أبان حدود سنة 62 وتوفي في أول رجب من سنة 138 عن عمر بلغ 76 سنة، وكان له عند قدوم سليم نحو 14 سنة.

ولا شك أن سليم بن قيس رحمه الله كان يعرف والد أبان أو أحد أقاربه أو معارفه، حيث كان فارا من الحجاج مختفيا عنه، وقد دخل إلى بلدتهم نوبندجان تلك المدينة الخارجة نسبيا عن حكم الحجاج ووجد المأوى فيها، وقد استضافوا هذا الشيخ المشرد المطارد الذي يبلغ الثمانين من عمره، وتحملوا الخطر على أنفسهم، وحموا سليما من سيف الحجاج. وفي ذلك الجو الخاص المحمي كان يوجد شاب صغير السن، له ولع بالعلم والأحاديث، على نمط الشباب المتدينين المتحفزين للمعرفة في ذلك الزمان. . وهو أبان بن أبي عياش. . فاختاره سليم أو اختاره له الذين آووه، لكي يسلمه تلك الأمانة العلمية المهمة والخطيرة، والتي هي كتاب سليم.

ذكر أبان أنه كان بعد وفاة سليم ينظر في كتابه ويطالعه، وأنه رحل لطلب العلم من بلاده إلى أقرب الحواضر الإسلامية إلى شيراز، وهي البصرة، وذلك في حدود سنة 77 هجرية، وكان معه كتاب سليم. وقد استوطن أبان في البصرة إلى آخر عمره (كان معروفا بأحد علماء أبناء العامّة، وعاش الفترة الأولى حالة تقيّة، لذلك مدح من قبل بعضهم وكانوا يقدحوا فيه بانه له هوى أي يتشيّع ) وكان هو وأهله من موالي قبيلة عبد القيس، فقد ذكر له مترجموه نسبة العبدي التي هي نسبة إلى عبد القيس، وهي قبيلة بصرية معروفة كان يرأسها في عهده المنذر بن الجارود، وقد شاركت في فتح منطقة فارس التي كان منها أبان، وقد كان فتح فارس في سنة 19 وترجع سابقة تشيع بني عبد القيس إلى قبل سنة 30 وصاروا شيعة بالتدريج.

وقد درس أبان في البصرة ونبغ في الفقه، حتى أن قبيلة عبد القيس كانت تفتخر بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه، وكان يلقب ب‌ ( طاووس القراء ). كما كان أبان من الأتقياء العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام. وقد وصفه مترجموه بأنه الشيخ التابعي العالم الفقيه العابد أبو إسماعيل أبان بن أبي عياش فيروز العبدي البصري الزاهد من موالي عبد القي وقد كان أبان من أصحاب الإمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، وتوفي قبل وفاة الإمام الصادق عليه السلام بعشر سنين.

ثم إن أبانا أطلع الحسن البصري [1] على كتاب سليم في البصرة، فطالعه الحسن البصري بأجمعه ثم قال: ( ما في حديثه شيء إلا حق سمعته من الثقات ).

أبان وكتاب سليم في مكة والمدينة: قدم أبان من البصرة إلى مكة حاجا، والتقى بكثير من العلماء، وزار الإمام زين العابدين عليه السلام وعرض عليه كتاب سليم، وكان ذلك بحضور الصحابيين أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، وعمر بن أبي سلمة. وعلى مدى ثلاثة أيام كان يغدو عليه كل يوم ويقرؤون الكتاب ( أي حصلوا على الكتاب ليس فقط مناولة بل قراءة وسماعا) والإمام عليه السلام يستمع إلى قرائتهم. ولما فرغوا قال الإمام عليه السلام: ( صدق سليم، رحمه الله، هذا حديثنا كله نعرفه ).

ثم إن أبا الطفيل وابن أبي سلمة أيضا شهدا بصحة الكتاب فقالا: ( ما فيه حديث إلا وقد سمعناه من علي صلوات الله عليه ومن سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد ).

أبان يوصي بكتاب سليم إلى عمر بن أذينة لا يبعد أن يكون أبان أعطى نسخة الكتاب إلى تلاميذه وأصدقائه في البصرة، فقد صار فقيها كبيرا، ودرس عنده واستفاد منه كثيرون.

ولكن الروايات تقتصر على أنه أطلع الإمام زين العابدين عليه السلام وأبي الطفيل وابن أبي سلمة والحسن البصري على الكتاب، وتذكر أنه عندما جاوز السبعين من عمره سلم نسخة كتاب سليم إلى شيخ الشيعة في البصرة ووجههم عمر بن أذينة، الذي هو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، ثم من أعاظم أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام. فقد أخبره أبان بقصة الكتاب كلها وقرأه عليه وناوله إياه كما فعل سليم، وبهذا أدى أمانة سليم إلى من كان يثق به ولم يلبث أبان بعد ذلك إلا قليلا حتى فاز بلقاء ربه، وكان ذلك في رجب سنة 138 الهجرية. [2]

( هل ابان عادل ام لا؟ بل شك ان ابان من الأجلاء جدا، وقلنا فرق بين الحماسة للتشيع وبين العدالة والوثاقة، وانا من الذين يتشددون في الوثاقة، وذكرنا ذلك في سهل بن زياد من حماسته عبّر عن الفضل بن شاذان بالأحمق أي غير المتوازن في نقله ).

نكمل كلام محمد باقر الانصاري: كلمات العلماء السنيين عن أبان بن أبي عياش: المدح فيه. فمن نماذج ذلك:

قيل لشعبة: لم سمعت منه ؟ قال : ومن يصبر عن ذا الحديث ( هل هو مدح ام ذم؟ ).

قال سلم العلوي: يا بني، عليك بأبان. فذكرت ذلك لأيوب السختياني فقال: ما زال نعرفه بالخير مذ كان.

إن ابن عدي قال: أرجو أنه لا يتعمد الكذب وعامة ما أتى به من جهة الرواة عنه. (أقول كلام العامة صحيح عنه).

قال الفلاس: هو رجل صالح.

إن أبا حاتم قال: كان رجلا صالحا.

قال العقيلي: إنه كان طاووس القراء.

قال ابن قتيبة في المعارف : كانت تفخر عبد القيس بأن بين مواليها أبان بن أبي عياش الفقيه.

قال الذهبي: كان أبان من العباد الذين يسهرون الليل بالقيام ويطوون النهار بالصيام.

من كلمات العلماء في الدفاع عن أبان:

قال الأسترآبادي في منهج المقال: ( إني رأيت أصل تضعيفه من المخالفين من حيث التشيع ).

قال المير حامد حسين في استقصاء الإفحام: ( إن أبان بن أبي عياش يعد عند العامة أيضا من أعاظم علمائهم ويعدونه من خيار التابعين وثقاتهم ، وكان أبو حنيفة ممن أخذ عنه وارتضاه لأخذ الأحكام الشرعية كما يرى ذلك من كتب أكابر فن التنقيد ).

قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: ( يدل على تشيعه قول أحمد بن حنبل كما سمعت ( قيل أنه كان له هوى ) أي من أهل الأهواء والمراد به التشي . . ، وأما شعبة فتحامله عليه ظاهر وليس ذلك إلا لتشيعه كما هو العادة مع أنه صرح بأن قدحه فيه بالظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ولا يسوغ كل هذا التحامل بمجرد الظن وقد سمعت تصريح غير واحد بصلاحه وعبادته وكثرة روايته وأنه لا يتعمد الكذب. وجعلهم له منكر الحديث لروايته ما ليس معروفا عندهم أو مخالفا لما يروونه أو ما يرون فيه شيئا من الغلو. وأما الاعتماد على المنامات في تضعيف الرجال فغريب طريف، مع أن بعض المنامات السابقة دل على حسن حاله ).

قال السيد الموحد الأبطحي في تهذيب المقال: ( أما تضعيف العامة لأبان فلا يوجب وهنا فيه...

قال المولى حيدر علي الشيرواني: ( أبان بن أبي عياش كان يتظاهر بنقل كتاب سليم في زمن سيد العابدين والباقر والصادق عليهم السلام وهو من أصحابهم الثقات المذكورين، والأجلاء ينقلون عنه مسلمين موقنين ).

قال السيد الصفائي الخوانساري في كشف الأستار: ينبغي عده ( أي تضعيف المخالفين لأبان ) من مدائحه.

قال العلامة الشيخ موسى الزنجاني في ( الجامع في الرجال ): ( الأقرب عندي قبول رواياته تبعا لجماعة من متأخري أصحابنا اعتمادا بثقات المحدثين كالصفار وابن بابويه وابن الوليد وغيرهم والرواة الذين يروون عنه، ولاستقامة أخبار الرجل وجودة المتن فيها ).

أقول: كل ما ذكرناه من وجوه اعتماد العلماء على كتاب سليم واعتباره عندهم فتلك كلها تدل على اعتمادهم على أبان بن أبي عياش الراوي الوحيد للكتاب عن مؤلفه كما سوف نحقق في ترجمة سليم أنه لم يرو عنه أحد غير أبان بن أبي عياش.

فاعتماد الأعلام المتقدمين والمتأخرين على كتاب سليم ونقلهم عنه يتوقف على اعتمادهم على أبان الناقل له. [3]

هذا ما تتبعه محمد باقر الانصاري في توثيق أبان ولكن هناك كلمات أخرى لعلماء الرجال يضعفونه:

معجم رجال الحديث، السيد الخوئي: 22 - أبان بن أبي عياش فيروز: عده الشيخ في رجاله من أصحاب السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، وقال - عند ذكره في أصحاب الباقر عليه السلام - تابعي ضعيف، وعند ذكره في أصحاب الصادق عليه السلام: البصري تابعي. وقال ابن الغضائري [4] : أبان بن أبي عياش - واسم عياش هارون - تابعي، روى عن أنس بن مالك، وروى عن علي بن الحسين عليهما السلام، ضعيف لا يلتفت إليه، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه. وذكره البرقي في أصحاب السجاد وفي أصحاب الباقر من أصحاب الحسن والحسين عليهم السلام ويأتي في سليم ما يتعلق بكتابه. [5]

غدا ان شاء الله نكمل بعض كلمات اصحابنا.


[1] المعروف: قام ملك بنو اميّة بامرين: بسيف الحجاج ولسان الحسن البصري. كان عالما زاهدا وكان يتكلّم عن بني اميّة كثيرا وينال منهم بالعلن ولكن كان يقول في نهاية المطاف: ايها الناس ان الله تعالى شاء ان يراهم ملوكا، والله عز وجل يقول: " يؤتي الملك من يشاء " فمن يقوم ضدهم قام ضد مشيئة الله تعالى، أي انه قاسق فاجر كافر إذا قام ضدهم، لكن اصبروا " اطع الامير ولو ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع واطع ". كلامه عن كتاب سليم ( ما في حديثه شيء إلا حق سمعته من الثقات )، نصدقه، انه يمدح بالكتاب، رغم انه نال من ابي بكر وعمر وعثمان، مع انه كان يقول عن بين اميّة انهم ظلمة لكن لا تقوموا ضدهم بل عليكم بالصبر. فهذا بالضبط ما يريده الحاكم الظالم، من بني اميّة وغيرهم إلى يومنا هذا، " تكلّم ما أردت ولكن ادعم ملكنا وسلطاننا ".
[4] قلنا ان كتاب ابن الغضائري لا اعترف ببنسبة الكتاب الموجود بين ايدينا له، فيه دس وعندما لا نعرف االتزوير من غيره يسقط الكتاب برمّته من الحجيّة. بالرغم ان ابن الغضائري من الاجلاء وكتابه الواقعي معتبر لهم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo