< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

42/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ذكر بعض الفوائد في علم الرجال:

 

    1. الفائدة الثانية:

إذا تعارض الجرح مع التعديل:

مثلا: إذا وثّق النجاشي شخصا وضعّفه الشيخ الطوسي (ره) ولم يكن هناك قرينة ترفع هذا التعارض، كما لو دلّت على التضعيف في العقيدة وليس في النقل، فان التضعيف في العقيدة لا يعارض التوثيق في النقل.

 

فإذا تعارض التضعيف مع التوثيق والتعديل مع الجرح ماذا نفعل؟ فهل نرجّح جانب الجرح أو نرجّح جانب التوثيق؟

قال الشهيد (ره) في الدراية: ولو اجتمع في واحد جرح وتعديل، فالجرح مقدم على التعديل وإن تعدد المعدل وزاد على عدد الجارح، على القول الأصح؛ لأن المعدل مخبر عما ظهر من حاله، والجارح يشتمل على زيادة الاطلاع؛ لأنه يخبر عن باطن خفي على المعدل فإنه لا يعتبر فيه ملازمته في جميع الأحوال؛ فلعله ارتكب الموجب للجرح في بعض الأحوال التي فارقه فيها. هذا إذا أمكن الجمع بين الجرح والتعديل كما ذكر. وإلا يمكن الجمع كما إذا شهد الجارح بقتل إنسان في وقت، فقال المعدل: رأيته بعده حيا؛ أو يقذفه فيه، فقال المعدل: إنه كان ذلك الوقت نائما أو ساكتا، ونحو ذلك تعارضا ولم يمكن التقديم، ولم يتم التعليل الذي قدم به الجارح ثم، وطلب الترجيح إن حصل المرجح، بأن يكون أحدهما أضبط أو أورع أو أكثر عددا، ونحو ذلك، فيعمل بالراجح ويترك المرجوح. فإن لم يتفق الترجيح وجب التوقف؛ للتعارض، مع استحالة الترجيح من غير مرجح. [1]

وهذا الرأي مشهور أيضا عند أبناء العامة، كما عن الخطيب البغدادي.[2]

 

أقول: إذا تمّ الجمع بينهما بقرائن عرفية فيرتفع التعارض كما لو حملنا تضعيف ابن فضال للبطائني على العقيدة دون النقل. وإذا لم يتم الجمع بينهما كالمثال الذي أعطاه الشهيد فها هنا حالتان:

تارة يكون التعديل بسبب حسن الظاهر، فيكون عادلا بمعنى حسن الظاهر وانا لا نعلم عنه إلا خيرا فان كلام الشهيد تام، ويقدّم الجرح على التعديل.

 

أما إذا كان التعديل بمعنى التوثيق، فلا يتم، لأن التوثيق ليس بمعنى حسن الظاهر، بل بسبب تكرار صدق الراوي لدرجة تكشف عن ملكة نفسانية وهي الوثاقة، فهي أمر وجودي.

 

وهكذا التضعيف، فان الكذب لمبرّر عقلائي أو لاحتمال مبرّر لا يكشف عن انعدام ملكة الوثاقة، ولذا لا يعارض حينئذ خبر الثقة بالتوثيق.

 

وزيادة في البيان: معنى الوثاقة:

 

الوثاقة من الصفات المعنوية التي لا تدرك بالحس كالشجاعة، ولكنها قريبة جداً من الحس، وإنما تثبت للشخص بتكرار صدور الخبر الصادق عنه، فيتلبس بصفة الوثاقة والصدق، كما يتلبس الحداد بهذا الوصف لشدة علاقته بالحديد.

 

وبالإضافة للصدق فلا بد من أن لا يكون مضطرب الحديث، وأن يكون متقنا له.

 

يقول الشيخ في العدّة: فأما من كان مخطئا في بعض الأفعال أو فاسقا بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته، متحرزا فيها، فان ذلك لا يوجب رد خبره، ويجوز العمل به لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه، وانما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره، ولأجل ذلك قبلت الطائفة أخبار جماعة هذه صفتهم.[3]

 

وهذا كلام متين، فان المناط في قبول الخبر عند العقلاء هو الوثاقة والصدق دون العدالة الشرعية، كما أن طرق إثبات الوثاقة قد تختلف عن طرق إثبات العدالة الشرعية، فإن الوثاقة لا تثبت إلا بالإخبار الصادق المتكرر حتى يطمأن إلى ثبوت ملكة الصدق عنده، أما العدالة الشرعية فتثبت بحسن الظاهر، وانه لا نعلم منه إلا خيرا.

ولا يشترط أن لا يروي إلا عن ثقة، فيقول الحر العاملي في الوسائل في ترجمة الحسن بن محمد بن جمهور العمي: ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل [4]

وعليه: فلو تعارض التوثيق والتضعيف فانه لا يوجد أصل في البين ولا يقدّم أحدهما، ويستحكم التعارض ولا بد من التوقف حينئذ، نعم التوقف يستلزم عدم حجية قول المخبر.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo