< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الرجال

41/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التوثيقات العامة: روايات النجاشي في الفهرست وغيره.

     التوثيقات العامة: مشايخ النجاشي.

     ما استدلوا من كلمات النجاشي في الفهرس على توثيق شيوخه.

     الجواب: هذه الادلة على القدر المتيقن وهو أن شيوخ النجاشي غير مشهورين بالضعف ولا بفساد المذهب.

في مقام التوثيقات قلنا ان التوثيقات تارة خاصة، وتارة تكون عبارة عن تراكم الادلة مما يؤدي إلى الاطمئنان، وتارة تكون توثيقات عامة. اخيرا وصلنا إلى احمد بن علي النجاشي ابو العباس أو أبو الحسين، هل كل من يروي عنه النجاشي ثقة؟ ادعي ان كل من يروي عنه النجاشي ثقة بدليل نفس كلمات النجاشي، وذكرنا بعضهم.

    1. قال في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك بن عيسى بن سابور كوفي، كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل، وسمعت من قال: كان أيضا فاسد المذهب والرواية، ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة ابو على بن همام وشيخنا الجليل الثقة ابو غالب الزراري رحمهما الله.

ويستفاد من هذا التعجب أن النجاشي لا يروي عمن كان ديدنه وضع الحديث والرواية عن المجاهيل وكان فاسد المذهب. لكن هذا الكلام لا يعني انه لا يروي إلا عن ثقة، بل لا بد من اجتماع هذه الصفات في الراوي لتجنبه ولا يظهر منه عدم الرواية عمن لم تكن فيه هذه الصفات مجتمعة يحتمل الرواية عنه.

وعندما يقول: " كان يضع الحديث وضعا " يضع فعل مضارع أي ليس مرّة واحدة، الفعل المضارع يدل على الاستمرارية والحدوث والتجدد، فلذلك لا نستطيع ان نجعل هذا التعجب دليلا على انه لا يروي إلا عن ثقة.

    2. وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري:

كان سمع الحديث فاكثر واضطرب في آخر عمره، وذكر مصنفاته، ثم قال: رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي، وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه، فلم ارو عنه شيئا، وتجنبته، وكان من أهل العلم والادب القوي، وطيّب الشعر وحسن الخط – رحمه الله وسامحه – ومات سنة 401 ه.

وايضا هذا النص لا يدل على انه لا يروي إلا عن ثقة، بل الظاهر منه تجنب الرواية عمن اشتهر ضعفه، ولا يظهر من النجاشي تجنب الرواية عمن لم يشتهر ضعفه وبالتالي لا يمكن توثيق الرجل بمجرد رواية النجاشي عنه مباشرة.

انا لن اتبنى انه بمجرد كونه شيخا للنجاشي فهذا كاف في التوثيق، فلنلاحظ الكلمات والتعبيرات: " سمعت منه شيئا كثيرا " " ورأيت شيوخنا يضعفونه "، " شيوخنا " جمع مضاف، والجمع المضاف يفيد العموم [1] ، ثانيا " يضعفونه " صيغة المضارع التي تفيد الحدوث والتجدد.

من كان هذا وصفه لا يروي عنه النجاشي، انما من لم يكن هذا وصفه يشمل الثقة والموثق ايضا [2] . لذلك نقول ان هذا الكلام من النجاشي يدل على ان ما اشتهر ضعفه " شيوخنا يضعفونه " تجنبته، هذا النص لا يدل إلا على انه من اشتهر ضعفه تجنبه النجاشي، ومن لم يوثق ولم يضعف مسكوت عنه هذا لا يدل على انه لا يروي إلا عن ثقة.

ويبدو أن الجواهري قد مرّ به زمن لم يكن موثقا ولا مضعفا عند النجاشي، فقد كان صديقا له وسمع منه كثيرا.

3- وقال النجاشي في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن البهلول: كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه، له كتب .... الخ.

ولا يمكن الاستدلال بهذا النص على القاعدة، - أي النجاشي لا يروي إلا عن ثقة – لعين ما ذكرناه سابقا، إذ الظاهر هو تجنب النجاشي الرواية عمن اشتهر ضعفه والغمز فيه، أما من لم يكن كذلك كالمجهول، أو من لم يضعف ولم يوثق، فلا يظهر ان من فيه هذه الصفة لا يروي عنه النجاشي.

4- وقال في ترجمة هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب أبو نصر المعروف بابن برنية: " كان يذكر أن أمه أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري سمع حديثا كثيرا وكان يتعاطى الكلام ويحضر مجلس أبي الحسين ابن الشبيه العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتابا وذكر أن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد بن علي بن الحسين، واحتج بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أن الأئمة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين عليه السلام. له كتاب في الإمامة، وكتاب في اخبار أبي عمرو وأبي جعفر العمريين، ورأيت أبا العباس ابن نوح قد عول عليه في الحكاية في كتابه أخبار الوكلاء. وكان هذا الرجل كثير الزيارات وآخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة أربعمائة بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام .

قال المحدث النوري: " ولم يعتمد عليه في كتابه، ولا أدخله في طرقه إلى الأصول والكتب لمجرد تأليفه الكتاب المذكور. قال السيد العلامة الطباطبائي بعدما نقل ما ذكرناه: ويستفاد من ذلك كله غاية احتراز النجاشي وتجنبه عن الضعفاء والمتهمين، ومنه يظهر اعتماده على جميع من روى عنه من المشايخ، ووثوقه بهم، وسلامة مذاهبهم ورواياتهم عن الضعف والغمز، وأن ما قيل في أبي العباس ابن نوح من المذاهب الفاسدة في الأصول لا أصل له، وهذا أصل نافع في الباب يجب أن يحفظ ويلحظ ".

أقول: هذا التحرز لم يثبت إلا على من ثبت ضعفه، كيف وقد كتب ابن برنية كتابا كاملا يروي فيه أن الائمة ثلاثة عشر ومنهم زيد بن علي بن الحسين (ره).

والاستفادة من هذا الكلام هو بعينه ما استفدناه من سوابقه.

5- ونقل في ترجمة عبيد الله بن أبي زيد أحمد المعروف بأبي طالب الأنباري، عن شيخه الحسين بن عبيد الله قال: " قدم أبو طالب بغداد واجتهدت أن يمكنني أصحابنا من لقائه فأسمع منه فلم يفعلوا ذلك ".

وقال المتتبع المحدث النوري: " إن ذلك يدل على امتناع علماء ذلك الوقت عن الرواية عن الضعفاء وعدم تمكينهم الناس من الاخذ عنهم، وإلا لم يكن في رواية الثقتين الجليلين عن ابن سابور غرابة ولا للمنع من لقاء الأنباري وجه، ويشهد ذلك قولهم في مقام التضعيف: " يعتمد المراسيل ويروي عن الضعفاء والمجاهيل " ....... إلى آخره [3]

والاستفادة نفس الاستفادة، والجواب الجواب.

تنبيه: إن الفعل المضارع يدلّ على الحدوث والتجدد فعندما يقول: " يضع الحديث وضعا، ويروي عن المجاهيل " و " يضعفونه " فهذا يعني تكرار ذلك وان الديدن هو ذلك.

والنتيجة: إننا لا نستطيع أن نجعل هذه النصوص دليلا على القاعدة: " كل مشايخ النجاشي ثقات "، نعم نستطيع ان نجعلها دليلا على القدر المتيقن وهو كل مشايخ النجاشي لم يثبت ضعفهم ولم يشتهر ذلك ولم يكونوا فاسدي الرواية والمذهب. يعني أن أيا من مشايخ النجاشي لا يضع الحديث وضعا ولا يروي عن المجاهيل وليس فاسد المذهب والرواية، اما التوثيق فيحتاج إلى دليل.

 


[1] ذكرنا سابقا في قوله تعالى: " فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ " آل عمران، اية 61. " انفسنا " جمع مضاف وهو من صيغ العموم ولم يأت إلا بعلي بن ابي طالب (ع)، أي ليس هناك نفس كنفس النبي (ص) إلا علي (ع)، وكذلك في " ابناءنا " جمع، مضاف ومضاف اليه، ولم يأت إلا بالحسن والحسين (عليهم)، و" نساءنا " قال الطنطاوي المصري في تفسيره ان بعضهم اراد ان يجعل من هذه الآية فضيلة في الزهراء (ع)، ثم يقول: انها افضلية للزهراء.
[2] هناك فرق بين اثبات العدالة واثبات الوثاقة نقطة لم تذكر في علم الرجال ولها ثمرة كبيرة. العدالة هي ملكة نفسية اثباتها يكون بحسن السيرة والسمعة " لا نعلم منه إلا خيرا "، لكن الوثاقة هو ان يتكرر منه الاخبار، والتوثيق امر وجودي يتكرر منه الاخبار بالصحيح والصادق، فيكون ثقة، والاخذ بخبر الثقة امر عقلائي، اما العدالة فاشارع جعل لها وسائل لاثباتها منها انه " لا تعلم من إلا خيرا ".

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo