« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

التبعيض في الاحتياط.

الموضوع: التبعيض في الاحتياط.

     دوران الامر بين محذورين في التوصليات مع وحدة الواقعة.

     القول الرابع: جريان البراءة عقلا وشرعا لصدق موضوع البراءة وهو "ما لا يعلمون" ولصدق البراءة العقلية وهو " عدم البيان".

     القول الخامس: التخيير عقلا من دون حكم شرعي ظاهري. وهو المختار. دليله.

     بقي شيء: هل يجب تقديم الأكثر أهميّة.

 

نعود لدوران الامر بين الوجوب والحرمة بحيث لا نتمكن من الموافقة القطعية ولا نتمكن من المخالفة القطعية ولا يمكن الاحتياط، في هذه الحالة هناك أقوال ذكرنا بعضها.

القول الرابع: جريان البراءة عقلا وشرعا، وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي (ره). واستدل على البراءة الشرعية بعموم أدلة البراءة الشرعية مثل حديث "الرفع" وغيره فهنا يدور الامر بين محذورين، فموضوع البراءة الشرعية تامّ، فهي تشمل ما نحن فيه، مع عدم ثبوت ما يمنع من شمول البراءة الشرعية، فالمقتضي موجود وهو شمول "رفع عن امتي ما لا يعلمون" والمانع مفقود وهو ثبوت الإلزام. [1]

وفيه: ان البراءة الشرعي عبارة عن رفع التكليف، ونحن هنا نعلم بوجود التكليف ولو إجمالا، فهناك الزام اما وجوب وإما حرمة، فكيف تشملها العمومات؟!

انتم ذهبتم إلى ان العلم الإجمالي مثبت للتكليف، فالإلزام معلوم، وهذا معناه انه يجب ان احتاط.

لا يقال: إذا أخذ كل طرف بنحو مستقل فلا اعلم بالتكليف، فالمقتضي موجود والمانع مفقود فانه مجرى للبراءة. لكن على مبانيكم نحن نعلم بالتكليف مع الاخذ بالطرف الثاني فلا يمكن اجراء البراءة الشرعية.

فانه يقال: لا معنى لأخذه مستقلا، فمع القول بالبراءة في كل طرق تكون النتيجة بعدم وجود حكم، وهذا قطعا يصطدم بالقطع والعلم الإجمالي.

فإننا في المسألة نلحظ المجموع المكوّر للأحكام، وتأثيرها على بعضها من ناحية شمول اطلاقات، أو رفع بعضها عن الفعليّة للتزاحم مثلا، أو غير ذلك. فالمانع من شمول عمومات البراءة موجود.

واستدل السيد الخوئي (ره) على البراءة العقلية، بأن حكم العقل "بقبح العقاب بلا بيان" على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به موجب لصدق عدم البيان.

وفيه: إننا نعلم بوجود إلزام في البين وهذا كاف في البيان، فيرتفع موضوع البراءة العقلية، ولا معنى لأخذ كل منها على حدة لوجود قطع أو علم اجمالي.

القول الخامس: الحكم بالتخيير عقلا من دون الالتزام بحكم ظاهري مجعول شرعا، واختاره النائيني (ره).

وهذا هو المختار، فانه مع عدم إمكان الاحتياط بالموافقة القطعية، ومع عدم إمكان المخالفة القطعية ايضا، ومع القطع بثبوت احدهما، فالعقل يحكم بالتخيير.

كذلك لا مجال للحكم الظاهري شرعا، لعدم إمكان الحكم بالبراءة الشرعية لاصطدامها بالعلم الإجمالي بالإلزام، وكذلك بالإباحة الشرعية بناء على اختصاصها بالموضوعات. نعم، حينئذ الذهاب إلى البراءة الشرعية ظاهرا، لاختلاف الموضوع حينئذ، لان الواقع هو الوجوب الواقعي أو الحرمة الواقعية، أما الظاهر فموضوعه إذا جهلنا بالواقع ودار الأمر بين الوجوب والحرمة.

نعم إذا تمّت قاعدة: "لكل واقعة حكم" حينئذ لا بد ان نبحث عن حكم لانه لا يمكن ان يخلو الظاهر من حكم لتمامية القاعدة، فلا بد حينئذ من البحث عن الحكم الشرعي الظاهري، وحينئذ يمكن الذهاب إلى البراءة.

"ان لكل واقعة حكم"، لكن هذه القاعدة هي في عالم الواقع، القاعدة ليست تامّة على اطلاقها، أما في عالم الظاهر فلم تثبت عندنا، نعم لا بد من عمل، وحكم العقل بالتخيير كافٍ في العمل.

النتيجة: ان الحكم بين الوجوب والحرمة تخيير عقلا. اما شرعا فغير معلوم.

بقي شيء في المقام:

وهو لو كان أحد الطرفين أكثر أهمية من الطرف الآخر، فهل يجب عقلا ان نأخذ بالاهم؟

فلو لم نقل بالبراءة الشرعية، وقلنا بالتخيير فلا شك أن العقل يلزم باختيار الأهم بالرغم من ان الموجود هو احدهما لا كلاهما، تماما كما في باب التزاحم حيث الامران والملاكان موجودان فيجب تقديم الأهم.

إلا أن النائيني (ره) وتبعه الخوئي (ره) ذهب إلى التخيير كذلك، وملخص الكلام ان التزاحم هو في الملاكين الموجودين اما في مسالتنا فالموجود واحد، فقد أختار ما ظاهره اهم ولا يكون هو المجعول.

 


[1] فائدة: قلنا اننا نجوز المخالفة الاحتمالية كنظريات اصوليّة، لكن لا نعمل بها، يجب الاحتياط قدر الامكان.
logo