46/11/01
التبعيض في الاحتياط.
الموضوع: التبعيض في الاحتياط.
• دوران الامر بين محذورين.
• محل النزاع هو دوران الأمر بين الوجوب والحرمة دون بقيّة الصور.
• محل النزاع مع عدم ثبوت استصحاب في احد الطرفين.
• ثلاثة مقامات: لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة مع اتحاد الواقعة؟ أقوال:
• القول الأول: تقديم الحرمة، لقاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة. وفيه: عدم التسليم بهذه القاعدة.
• القول الثاني: الحكم بالتخيير شرعا، وجوابه.
• القول الثالث: الحكم بالاباحة شرعا والتخيير عقلا. وجوابه.
قلنا أن الدوران في مسألتنا يجب أن يكون بين الوجوب والحرمة، فلو دار الأمر بين الوجوب والاباحة أو غيرها من الأحكام غير الإلزامية لجرى أصل البراءة.
قلنا ان هناك امرين نبحثهما كمقدمة:
الامر الاول: إذا دار الأمر بين حكم الزامي وحكم غير الزامي، تجري أصالة البراءة، بل جريانها هنا اولى من جريانها في الشبهات الوجوبية.
الامر الثاني: عدم جريان الاستصحاب في أحد الطرفين، فلو جرى الاستصحاب للزم تعبدا الأخذ به حينئذ لعدم المانع من ذلك ولتحقق أركانه فيكون بلا معارض. وذلك كما لو دار الأمر في حكم يوم بين وجوب الصيام لكونه آخر شهر رمضان وبين حرمته لكونه أول شوال، فنستصحب احكام شهر رمضان بوجوب الصوم عند الشك.
لكن عند من قال بالانحلال، اي ينحل شهر رمضان إلى ثلاثين حكما، ولكل يوم حكم خاص، فالواجب هو صوم 29 يوما ويكون لكل يوم حكم خاص به، فلا يمكن استصحاب صوم اليوم التناسع والعشرين إلى اليوم الثلاثين بناء على نظرية الانحلال. يمكن ان يقال انه كان يجب عليّ الصوم فتكون الشبهة حكمية وليس استصحاب الموضوع.
وتحقيق الحال أن في المسألة ثلاثة مقامات:
المقام الاول: دوران الأمر بين المحذورين مع اتحاد الواقعة أي ان الموضوع واحد مثلا هذا اليوم اما يحرم صومه أو يجب صومه، مع عدم إمكان المخالفة القطعيّة، وهذا يكون في التوصليات وليس في التعبديات، مثلا: "لو دار الأمر في حكم زيارة الأم بين الوجوب لكونه برا لها، وبين كونه حراما لاحتمال خطورة الطريق". عندي حرمة الذهاب وعندي ايضا وجوب الذهاب.
المقام الثاني: دوران الأمر مع اتحاد الواقعة مع إمكان المخالفة القطعيّة، كما لو دار الأمر بين وجوب الصلاة على المرأة وحرمتها عليها لاحتمال كونها حائضا، بناء على حرمة الصلاة ذاتها -حتى الحركات-، بمعنى أن يكون نفس العمل حراما عليها ولو مع عدم قصد القربة ومع عدم انتسابها إلى الله تعالى، ومع عدم إحراز احدهما: "الطهر والحيض" ولو بالاستصحاب. فإذا أتت بالصلاة ولو من دون قصد القربة فانها تكون قد تركت واجبا لو كانت طاهرة، وتكون قد ارتكبت محرما لو كانت حائضا، فالمخالفة القطعية ممكنة.
المقام الثالث: دوران الأمر بين المحذورين مع تعدد الواقعة -اي تعدد الموضوعات-، كما لو علم إجمالا بصدور حلفين، تعلّق أحدهما بفعل أمر، والآخر بترك أمر آخر، واشتبه الأمران في الخارج، فيدور الأمر في كل منهما بين الوجوب والحرمة.
أما المقام الاول: وهو دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات مع وحدة الواقعة اي ان الموضوع واحد اما واجب واما حرام، فالأقوال فيها خمسة:
الاول: تقديم احتمال الحرمة لكون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة والمصلحة.
وفيه: أن هذه القاعدة غير تامّة كما سبق وذكرنا، إذ رب منفعة أهم، وقد يتحمّل الانسان الأذية لأجل منفعة أكبر، هذا في معلومي المفسدة والمنفعة، فما بالك بالمحتملين كما في مقامنا.
الثاني: الحكم بالتخيير شرعا وليس عقلا أي ان هناك جعل بالتخيير، ولعلّه قياسا على تعارض الخبرين.
وفيه: فرق بين المقامين، ففي تعارض الخبرين قد وصل الدليلان، خبران معتبران سندا، وقد يكون كلاهما صادرا كما في كون احدهما ورد تقيّة، أما في مقامنا فلم يصل إلا أحدهما إجمالا. ومع عدم صحة القياس فلا دليل على الحكم بالتخيير شرعا، ولا يوجد أي نصّ أو حديث أو دليل آخر على التخيير شرعا.
الثالث: الحكم بالاباحة شرعا والتخيير عقلا، واختاره صاحب الكفاية (ره).
وفيه: نسلّم بالتخيير عقلا، حيث يدور الأمر بين الفعل والترك، بين الوجوب والحرمة، ونعلم بوجود الإلزام واقعا، فالعقل يحكم بالتخيير حينئذ، لان الحكم معلوم ثبوته على نحو الاجمال.
اما الاباحة شرعا التي موضوعها عدم العلم بالتكليف، فهي تصطدم مع الواقع الذي ثبت فيه الالزام بالعلم الاجمالي بصدور احدهما، ودار الالزام بين الوجوب والحرمة، والحكم الشرعي في عالم الظاهر لا يمكن أن يخالف الحكم في عالم الواقع، ونحن هنا نقطع بالمخالفة. فلا يمكن القول بالبراءة لانها تكون مع عدم العلم، ومع العلم تفصيلا أو احتمالا يكون العلم منجزا، فيجب الاحتياط.
ولذلك نقول لصاحب الكفاية (ره) اننا نسلم معك بالتخيير العقلي، ولا نسلّم معك بالاباحة الشرعية حتى على ما نذهب اليه من جواز المخالفة الاحتمالية.
إلا انا يقال دفاعا عن صاحب الكفاية انه ليس هناك في واقع الامر علما بالوجوب وعلما بالحرمة، الإلزام كحكم -جامع عقلي- مشترك غير موجود على نحو الجعل، ليس هناك جعل بحكم ملزم.
الرابع: جريان البراءة عقلا وشرعا، وهو ما ذهب إليه السيد الخوئي (ره). واستدل على البراءة الشرعية بعموم أدلة البراءة الشرعية مثل حديث "الرفع" وغيره، فهي تشمل ما نحن فيه، مع عدم ثبوت ما يمنع من شمولها. [1] وفيه.