46/10/23
قاعدة التسامح في أدلة السنن.
الموضوع: قاعدة التسامح في أدلة السنن.
• مفاد القاعدة أن الاستحباب يثبت بمجرّد قيام خبر عليه ولو كان ضعيفا.
• هل تدل على مجرّد الثواب، أو تدل على جعل استحباب؟
وجوه: الوجه الاول: دلالتها على ترتب الثواب، وظهورها أيضا في حسن الانعقاد والحث عليه، فيكون إرشادا لحكم العقل في ذلك. وهذا هو الظاهر من الروايات، وهو المختار.
والوجه الثاني: دلالتها على الاستحباب، إما بالعنوان الأولي، وإما بالعنوان الثانوي.
• من ثمار هذه المسألة استحباب الوارد في الاخبار الضعيفة.
• ومن الثمار جواز الاخذ بباقي بلة الوشوء في مسترسل اللحية، وجوابه.
التنبيه الثالث: قاعدة التسامح في أدلة السنن.
اشتهر بين الفقهاء ما أسموه بقاعدة التسامح في أدلة السنن، ومفادها أن الاستحباب - أي جعل الاستحباب- يثبت بمجرّد قيام خبر عليه ولو كان ضعيفا، والمستحب لا يحتاج في جعله إلى خبر صحيح بل يكفي فيه الورود، حتى ان بعض الفقهاء ذكر انه لو ورد مجرّد فتوى فقيه باستحباب أمر معيّن، يكفي في جعل الاستحباب. وإذا لم نثبت الجعل والاستحباب فليس هناك إلا الثواب.
واستدلوا على ذلك بروايات "من بلغه".
ففي الوسائل ح3- أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله. [1]
وقد وقع الخلاف في دلالة هذه الأخبار، فهل تدل على مجرّد الثواب، أو تدل على جعل استحباب؟
وجوه:
الوجه الاول: دلالتها على ترتب الثواب، وظهورها أيضا في حسن الانعقاد والحث عليه، فيكون إرشادا لحكم العقل في ذلك.
وهذا هو الظاهر من الروايات، وهو المختار.
والوجه الثاني: دلالتها على الاستحباب، إما بالعنوان الأولي، كورود روايات ضعيفة باستحباب الوضوء قبل النوم، هذا عنوان، وعنوان آخر وهو ان آتي بالوضوء لانه بلغني عن رسول الله (ص) ذلك أي بالعنوان الثانوي.
أما بالعنوان الاولي: فان يكون مفاد الروايات إسقاط شروط الحجية في الاخبار في خصوص المستحبات من العدالة أو الوثاقة أو الموثوقية أو غير ذلك، فيكون الخبر الضعيف حجة في خصوص المستحبات. وهذا الوجه هو الأنسب للعنوان الذي ذكروه وهو: قاعدة التسامح في ادلة السنن. ولكن الروايات بعيدة عن هذا المعنى.
اما بالعنوان الثانوي: فان يكون الاستحباب بعنوان البلوغ وهو عنوان يختلف عن العنوان الأولي، مثل بقية العناوين الثانوية كالضرر، والعسر، والحرج، وبرّ الوالدين كفعل المستحب ليس لذاته بل لانه بر للوالدين أو بعنوان إدخال السرور على المؤمن وإن لم يكن بعنوانه مستحبا، وغيرها. وهذا المعنى ايضا غير ظاهر من الروايات، ولا دلالة فيها على إنشاء مصلحة في متعلّق الخبر الضعيف بعنوان البلوغ لا بالسببية ولا بالطريقية، لتكون المصلحة موجبة لإنشاء حكم على طبقها.
النتيجة: روايات "من بلغ" لا تدل على أزيد من الثواب وحسن الانقياد، ولا تدل على ثبوت استحباب شرعي.
وقد ذكروا مباحث تتفرع على كونه جعليا للاستحباب، كالبحث عن ثبوته بفتوى الفقيه لا برواية باعتبار صدق عنوان البلوغ، أو البحث عن التعارض بين هذه الروايات الدالة على سقوط شروط حجية الخبر، وأدلة شروط حجية الخبر، وأن التقديم من باب تقديم الخاص على العام كون مدلول هذه الروايات خاصا بالمستحبات، وتلك أعمّ، إلى غير ذلك، ولا داعي لبحثها بعدما اخترناه من عدم دلالتها على جعل الاستحباب، وان كان في بحثها فوائد نظرية وفكرية وعلمية، ومن اراد التوسع فليراجعها في مظانها.
الثمرة: تظهر الثمرة في كل عبارة أو معاملة ورد فيها رواية ضعيفة ويترتب على تصحيحها أثر غير الثواب.
منها الروايات الضعيفة الواردة في بعض الأغسال، فانه بناء على ثبوت استحبابها بقاعدة التسامح في أدلة السنن، وبناء على كون كل غسل قد ثبت استحبابه يرفع الحدث الأكبر ويجزي عن الوضؤ، يكون ذلك الغسل كذلك.
واما بناء على عدم ثبوت القاعدة - وهو المختار كما اسلفنا- وثبوت مجرّد الثواب فلا يرفع الحدث الأكبر ولا يجزي عن الوضوء، فيجب الوضوء للصلوات الآتية، ولا يجوز له مسّ القرآن إلا بوضوء، وغير ذلك.
ومن الثمار ما ذكره الشيخ الأنصاري (ره) في موردين:
المورد الأول: جواز المسح ببلة المسترسل من اللحية، لو ورد خبر ضعيف في استحباب غسله في الوضوء.
واورد على ذلك ما ذكره الشيخ الانصاري (ره) نفسه من انه لا دليل على جواز الأخذ من بلّة الوضوء مطلقا، حتى من الأجزاء المستحبة، وانما ثبت جواز الأخذ من الأجزاء الأصلية، فالقول باستحباب غسل المسترسل من اللحية لا يستلزم جواز المسح ببلّته.