46/10/17
حكم الصلاة في جلد الحيوان.
الموضوع: حكم الصلاة في جلد الحيوان.
• جواز الصلاة في جلد مشكوك التذكية، اما لرواية الجلود، واما للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
• مشكوك التذكية نحكم بطهارته، اما لمعارضة اصل عدم التذكية لاصل عدم كونه ميتة، أو منخنقة أو متردية...، واما للتلازم في عرف المتشرعة بين اصالة حلية اكل اللحم واصالة طهارة.
نكرر: اننا قلنا ان حسب القواعد العلمية في المشكوك توجهنا إلى اصالة الحل في اللحوم أي جواز الاكل وكذلك اصالة الطهارة في الجلود.
ولكننا نحتاط عمليا وفتوائيا في حلية اللحوم وطهارة في الجلود.
الكلام في جواز الصلاة في الجلود وايضا في الطهارة والنجاسة.
اما الكلام في جواز الصلاة فيه ذكرنا الروايات وقلنا ان هناك حكمين في نفس رواية زرارة الحديث الاول، ظهور في جواز الصلاة ان كان مما يحل اكله، وظهور في بطلان الصلاة ان كان يحرم أكله.
هذه الرواية: ﴿وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد، وذكاه الذبح أو لم يذكه﴾. [1] هنا العموم يشمل الجلود واللحوم، ذكاه الذبح ام لم يذكّه. فمع الشك في تحقق التذكية تجري اصالة عدم التذكية. ومع اجراء اصالة عدم التذكية يحرم اكله حينئذ يتم موضوع عدم جواز الصلاة تعبدا.
إلا أن يقال أن الاصل في الجلود الحليّة وجواز الصلاة في الجلود خصوصا للعموم، الاطلاق المستفاد من النص من صحيحة على بن يقطين التي ذكرناها: "قال: سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود، قال: لا بأس بذلك".[2]
قد يكون السؤال عن جواز اللبس ولا مانع من التفكيك بينه وبين جواز الصلاة فيه. فلو تم الاطلاق هل نستطيع ان نجري حكطم جواز اللباس من الجلود إلى اللحوم؟
فان قوله (ع): "جميع الجلود" ظاهر في عموم الحلية لكل الجلود، وقد يدّعى استفادة اصالة الحليّة لكل اللحوم، كما ادعى بعضهم بالغاء خصوصية الجلود بانه لا فرق بين الجلود واللحوم.
ولكن هذا غير ظاهر، إذ من الممكن التفريق بين حرمة أكل اللحم، وجواز الصلاة بجلد الحيوان صاحب اللحم.
ففي الجلد المذكى نستطيع الصلاة فيه وقد يحرم اكله ولا داعي للربط بينهما ولا مانع من التفكيك، هذه مسائل تعبدية، المشرع يعرف المصالح في تشريعها، وليست مسائل اجتماعية وجدانية واقعيّة.
ولذا، فلا مانع من ثبوت أصل لفظي في جواز الصلاة بكل جلد إلا ما خرج بدليل.
إلا أن يقال: إن مدلول الرواية هو في مقام الشبهة الحكمية لا المصداقية، في حكم الحيوان من حيث قبول التذكية وعدمها، ومن حيث جواز اللبس في الصلاة وعدمه، لا في مقام حكمه من حيث الشك في حصول التذكية بعد الفراغ من قبولها.
لكن الانصاف: ان لفظ " جميع الجلود" ظاهر في عموم الجلد الشامل للمعلوم التذكية ومشكوكها لا بخلو من قوة، وحيث إن متعلق الحكم هو اللباس، فيمكن الاستدلال بها على جواز اللباس إلا عند الدليل على عدم الجواز، وحيث إن الرواية مطلقة تشمل اللباس في غير حال الصلاة وفي حال الصلاة، يمكن الاستدلال بها على جواز الصلاة في خصوص الجلد.
ولو ابيت إلا عن عدم الظهور في العموم، أي أن الرواية خاصة في الشبهات الحكمية دون المصداقية، في الثعلب والفنك.
فنقول: يوجد عموم وهو: جميع الجلود تصح الصلاة فيها، في جلد الثعلب المذكى.
ويوجد خاص وهو: عدم صحة الصلاة في غير المذكى، وعند الشك في تحقق التذكية كانت المسألة من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، حيث قلنا بجواز التمسك بالعام فيها. مثلا: " كل جلد ثعلب مذكى يجوز الصلاة فيه"، لكن هذا الثعلب مذكى أو لا؟ بالتمسك بالعام في الشبه المصداقية يشمله وخروجه يحتاج إلى دليل.
والنتيجة: عدم جواز الصلاة في اللحوم عند الشك في تحقق التذكية، أما في الجلد فالظاهر الجواز اما لعموم الرواية، واما لجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، النتيجة انه يجوز الصلاة فيه.
بل حتى في اللحوم إذا قلنا ان الاصل فيها الحليّة، واستفدنا التلازم كمتشرعة بين حلية الاكل وبين جواز الصلاة، فيكون الاصل فيه جواز الصلاة، لاننا نستفيد من هذه الرواية التي قالت: ﴿فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح.﴾ [3] فمع حلية الاكل جاز الصلاة فيه، وهذا دليل آخر على حلية اكل اللحوم.
فإذا قلنا ان الاصل هو حلية اللحوم فهو يتلازم عند المتشرعة بان الاصل حلية جواز الصلاة فيه.
ونكرر اننا في مقام الفتوى والعمل نحتاط كثيرا.
• حكم مشكوك التذكية من جهة الطهارة والنجاسة:
ما يمكن ان يستدل به على نجاسة المشكوك هو إحراز أصالة عدم التذكية، فيتم موضوع نجاسة الذبيحة. وهذا ما اسسه الشيخ الانصاري (ره) من تقديد الاصل الموضوعي على المحكي وهو اصالة الحلية. الموضوع والحكم من قبيل العرش والنقش، فإذا تم الموضوع تم الحكم، باصالة عدم التذكية تمّ موضوع النجاسة ولو اعتبارا، فتم الحكم بالنجاسة، ولا تجري اصالة الطهارة: " كل شيء لك طاهر".
لكن: إلا ان اصالة عدم التذكية معارضة بأصالة عدم كونه ميتة، وقد ذكرنا في المقدمة الاولى ان الميتة ليست عدم المذكى، لانها أمر وجودي. الموت عبارة عن حياة وولادة جديدة أمر فعل ووجود لا يتعلق بأمر عدمي.
وبالتالي يتعارض الاصلان فنرجع إلى اصل الطهارة: " كل شيء لك طاهر".
اما الشيخ الانصاري (ره) ذهب إلى ان الميتة هي نفس غير المذكى وليس لدينا استصحاب عدم العدم، لذلك تبقى اصالة عدم التذكية بلا منازع.
ويمكن الاستدلال ايضا على طهارة المشكوك بان الاصل حليّة اللحوم مما يقتضي اصالة طهارته لاننا نعلم ان النجس لا يجوز أكله.
ونكرر ان اصالة عدم التذكية معارضة باصالة عدم كونه ميتة او منخنقة او متردية او غير ذلك.
بالنتيجة: مشكوك التذكية بحسب القواعد العامّة طاهر، لكن في الاكل خصوصا وفي اللباس وفي الصلاة انصح الجميع ان يحتاطوا ما امكنهم.
إلى هنا نكون قد انتهينا من اصالة التذكية وعدمها، وان كانت مسألة فقهية لكنها تطبيق لمسألة الاصل الحكمي والاصل الموضوعي.
التنبيه الثاني: هل الاحتياط حسن؟