« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحيم

-تذكية اللحوم.

الموضوع- تذكية اللحوم.

     عند الشك في قبول التذكية من باب الشبهة المفهومية، نقتصر على القدر المتيقن.

     إذا كان الشك من باب الشبهة المصداقية، فتارة نعلم بوقوع التذكية أي افعالها، وتارة لا نعلم.

     الاحالة الاولى على اقسام: الاول ما إذا دار الامر بين كونه ماكول اللحم وعدمه، فاننا نتمسك باصالة الحلّ الناشئ من الآية الكريمة: " قل لا اجد فيما اوحي...".

     الثاني: إذا كان الشك للشك في طرؤ مانع من الحليّة كالجلال، فالاصل الحليّة.

     الثالث: إذا كان الشك في قبول التذكية، ففيه وجهان.

 

ذكرنا في مشكوك الحرمة انه تارة يكون الشك من باب الشبهة الحكمية، وتارة من باب الشبهة المفهومية، وتارة من باب الشبهة المصداقيّة، وذكرنا أن لكل قسم معالجته.

أما الشبهة المفهومية فهي ما إذا ورد نص في حرمة حيوان أو شيء ولا أدري معناه، فلا يكون له ظهور، وحينئذ أقتصر على القدر المتيقّن لثبوت الحرمة.

اما الشبهة المصداقية وقد يعبر عنها بالشبهة الموضوعية لكثرة استعمالها لفي عدّة معان، فاحيانا المكلف بسمى موضوعا، واحيانا يكون الحكم موضوعا، وغالبا يكون المصداق موضوعا، لذلك اعرضنا عن التسمية بالشبهة موضوعية. [1]

واما الشبهة المصداقية، وقد يعبّر عنها بالشبهة الموضوعيّة، فلها حالتان:

     إما مع العلم بوقوع التذكية بشروطها الشرعية المعتبرة، أي الذبح بآلة من حديد وقطع الاوداج الأربعة، والتوجه للقبلة، وكون الذابح مسلما.

     واما لا نعلم بوقوع التذكية ولا وجود لامارة تدل عليها.

والحالة الاولى على أقسام:

القسم الأول: ما إذا كان الشك في حلية اللحم من جهة دوران الأمر بين كونه من مأكول اللحم أو غيره، كما لو شككنا بانه دجاجة أو أرنب. وفي هذا القسم إذا لم يثبت عنوان محرم، ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [2] فنتمسّك بأصالة الحل، اما بعموم " لا اجد " اي من الاساس ليس هناك تشريع، واما بالاصل العملي البراءة.

القسم الثاني: ما إذا كان الشك في الحليّة من جهة احتمال طرو عنوان على الحيوان مانع عن تحليله بالتذكية، بعد العلم بقابليته لها في حدّ ذاته، كاحتمال الجلل في الشاة، أو كونها موطوءة انسان، أو ارتضاعها من لبن خنزيرة.

وفي هذا القسم نستصحب عدم طرو العنوان المحرّم الذي هو عنوان وجودي فيكون الاصل عدمه، فيكتمل موضوع الحليّة، إذ موضوع الحليّة مؤلف من جزأين:

الجزء الأول: مقتضٍ، وهو لحم الحيوان الذي وقعت عليه أفعال التذكية، وهذا الجزء أي الموضوع محرز بالوجدان.

والجزء الثاني: وهو عدم طرو المانع وهو محرز بالاعتبار أي بالاستصحاب، وهذا القسم محكوم ايضا بالحليّة.

القسم الثالث: ما إذا كان الشك في حليّة اللحم من جهة الشك في قبول الحيوان للتذكية وعدمه، كما لو دل الأمر بين كونه كلبا أو شاة. وفي هذا القسم تجري أيضا أصالة الحلّ، إذ ينطبق عليه ما ذكرنا من أصالة حليّة اللحم، كأصل لفظي أو أصل عملي.

نعم، قد يقال: بأن الأصل عدم كونه لحم شاة -فيحرم- وهذا الأصل موضوعي بالنسبة لأصالة الحليّة، إذ هو موضوع أصل الحلّ، لأن أصل الحليّة موضوعه المشكوك حرمته، وهنا ببركة استصحاب عدم كونه شاة، نعلم بالحرمة، لكن كل ما في الأمر أن العلم ليس علما وجدانيا، وانما علم تعبّديّ ثبت بالاستصحاب.

وفيه: أولا: انه من باب استصحاب العدم النعتي لانه يرجع إليه، وليس بالعدم المحمولي، وهو لا يثبت إلا على نحو الأصل المثبت، فان عدم كونه شاة يلزمه عقلا كونه كلبا.

وثانيا: انه معارض بأصالة كونه كلبا.

ولا بأس بذكر ما ذكره السيد الخوئي (ره) لما فيه من فائدة، يقول: " وأمّا القسم الثالث: فإن قلنا بأنّ كل حيوان قابل للتذكية إلّا ما خرج بالدليل، كما ادّعاه صاحب الجواهر (قده). واستدلّ عليه برواية علي بن يقطين‌ الواردة في الجلود، وقلنا أيضاً بجريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية حتّى في العناوين الذاتية كعنوان الكلبية مثلًا، فلا مانع من التمسك بذلك العموم بعد إجراء استصحاب عدم تحقق العنوان الخارج منه، فيحكم بحلية لحم تردد بين الشاة والكلب بالشبهة الموضوعية.

وأمّا لو منعنا عن كلا الأمرين أو عن أحدهما، فإن قلنا بأنّ التذكية أمر وجودي بسيط مسبب عن الذبح بشرائطه، كما هو الظاهر من لفظ المذكى، نظير الطهارة المسببة عن الوضوء أو الغسل، والملكية الحاصلة من الايجاب والقبول، فيستصحب عدمها كما في نظائرها.

وأمّا إذا قلنا بأنّها عبارة عن نفس الفعل الخارجي مع الشرائط الخاصّة، كما استظهره المحقق النائيني (قده) من إسناد التذكية إلى المكلف في قوله تعالى: «إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ» الظاهر في المباشرة دون التسبيب، فلا مجال لاجراء أصالة عدم التذكية، للقطع بتحققها على الفرض، فيرجع إلى أصالة الحل. ولكن هذا المبنى فاسد، والاستظهار المذكور في غير محلّه، إذ يصحّ إسناد الفعل التسبيبي إلى المكلف من غير مسامحة وعناية، فيقال: زيد ملك الدار مثلًا. انتهى كلامه رفع مقامه. [3]

بيان رد السيد الخوئي (ره) على الشيخ النائيني (ره): قال السيد في " زيد ملك الدار" انها ظاهرة في المسبب أي في النتيجة وليس نفس العقد، والنتيجة لا تتم إلا بالعقد فلا تكون ظاهرة في المباشرة أي في الافعال.

مع العلم ان الشيخ النائيني (ره) ملتفت لهذه المسألة حيث قال انها ظاهرة في المباشرة، فـ "زيد ملك الدار " الاساس ان نفس الفعل ملّكه لكن لكثرة الاستعمال في السبب دون الافعال -العقد نفسه- اصبح قول: " زيد ملك الدار" لا تكلّف فيه ولا عناية ولا مسامحة.

- واما ما كان الشك فيه من جهة احتمال عدم وقوع التذكية، أي الشك في حصول الذبح بشرائطه الشرعية، مع العلم بكون الحيوان قابلا للتذكية، وذلك مثل جلود أو لحوم الأغنام التي تصلنا من بلاد غير المسلمين. فالمرجع فيها أصالة عدم التذكية، من باب استصحاب عدم الحادث.

قد يقال: أصالة عدم حصول التذكية معارضة بأصالة عدم وقوع "الاختناق واشباهه" مما ورد في الآية المباركة، فان الاختناق أمر وجودي وهو من باب عطف الخاص على العام، وهو موضوع الحرمة، وهكذا بقيّة العناوين: "الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع". وعند تعارض الأصلين نرجع إلى أصالة الحل.

 


[1] رد سماحة الأستاذ على التسمية بالشبهة الخارجية من احد الطلبة الافاضل: الجواب: بان هذه التسمية مشكلة لانه أحيانا يكون المصداق لا يزال كليا، فالمصاديق قد تكون كلية وقد تكون جزئية. فالتعريف بالخارجية تعريف بالاخص.
[3] مصباح الاصول، السيد الخوئي، ج1، ص359. ط، مؤسسة احياء آثار السيد الخوئي.
logo