« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

ما يمكن ان يستدل به على اصالة الحليّة في اللحوم.

الموضوع: ما يمكن ان يستدل به على اصالة الحليّة في اللحوم.

- الدليل اللفظي من الآية الكريمة: " قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ".

نكمل الكلام في ما يمكن ان يستدل به على اصالة الحليّة في اللحوم، وذهبنا إلى ان قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿ قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[1] هذه تؤدي إلى اصل لفظي في حليّة اللحوم نرجع اليه، والاصل العملي ايضا اصل البراءة والحليّة، فإذا اخذناهما معا تكون النتيجة ان الاصل الحليّة في اللحوم.

ما يمكن ان يستدل به على اصالة الحرمة في اللحوم:

ذهب بعضهم إلى اصالة الحرمة في اللحوم لاي سبب كان الشك سواء كان في قابلية التذكية أو وقوعها أو في شرطها، فقالوا ان الاصل في اللحوم الحرمة !.

ما يمكن ان يستدل به اولا قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ " [2] اي ان كل ما ذكر حرام والتحليل هو الذي يحتاج إلى اثبات عنوان " ذكيتم " حتى يحلّ، اي ان الاصل التحريم.

و " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ " أي فعلتم فعل التذكية التي هي فري الأوداج الاربعة مع قابلية التذكية في ما كانت بقيّة حياة يدل عليها مثل حركة الذنب أو اثر التنفس أو رمشة العين، كما في الروايات كما ذكره السيد الطبطابائي (ره) في تفسيره.

الدليل الاول " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ " استثناء، فالحلية اصبحت استثناءا وليس التحريم، فالاصل والقاعدة هي التحريم.

لكن مع ملاحظة الآية القرآنية: بسم الله الرحمن الرحيم، " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ " فكيف تكون حرمت "الميتة" إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ " وكذلك حرم عليكم " الدم " إلا ما ذكيتم، الدم لا يتذكّى، وكذلك لحم الخنزير إذا ذكيته مئة مرّة لا يحلّ ويبقى حراما، وهكذا "ما أهل لغير الله به".

إذن هل يمكن ارجاع " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ " إلى الكلّ؟ لا معنى للإرجاع، إذن هناك قرينة على عدم الرجوع إلى الكل. إذن يرجع للبعض.

إذن يدور أمر الاستثناء بين ردوعهللخمسة الاخيرة " وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ " إذا كان فيه رمق حياة تأتي " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ ".

وقد درسنا في الاصول في الاستثناء، إذا ورد بعد الاستثناء عدّة قضايا وشككنا انه يرجع للأخير أو للجميع، والمثل المعروف المتداول في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [3] ،

استثناء " إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا " هل يرجع إلى الأخير او يرجع للجميع؟

ذهب البعض بالرجوع إلى الجميع، وذهب بعض آخر بالرجوع للأخير. ولكن نقول ان هناك ظهور، فإذا كان هناك قرينة بالرجوع للجميع ذهبنا إلى ذلك، وكذلك بالرجوع إلى الأخير ذهبنا إلى ذلك، فإذا لم توجد قرينة نقتصر على القدر المتيقن وهو الأخير.

النتيجة: اننا نقول ان هذه الآية يمكن رجوعها للأخير، ويمكن رجوعها للخمس الأخيرة مثلا: المنخنقة او المتردية أو النطيحة وما اكل السبع، إذا كان فيها رمق اخير بالحياة يمكنة تذكيتها. لكن القدر المتيقن الاخيرة وهي " ما اكل السبع".

إذن هذه الآية لا تدل على ان " كل لحم حرام إلا ما ثبت حلّيته "، لا تدل على عموم اصالة الحرمة في اللحوم. وبالتالي: لا تنافي بين الآيتين، آية: "قل لا اجد فيما اوحي إلي محرما" و بين آية: " حرمت عليكم ..." فهما يدلان على اصالة الحليّة في اللحوم، والتحريم يحتاج إلى دليل كاثبات إحدى العناوين المحرّمة.

الدليل الآخر الذي يمكن ان يستدل به ايضا، استصحاب الحرمة ما قبل التذكية:

هذا الحيوان كان محرّما اكله لكونه حي، ثم ذكيته بالامور الأربعة التي تحقق شروط التذكية. قبل افعال التذكية كان محرما واشك الآن في حرمته، فاستصحب الحرمة. هذا ما استدل به بعضهم على الحرمة.

وفيه: ان اركان الاستصحاب غير تامّة، الاستصحاب هو: يقين سابق وشك لاحق، واتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة موضوعا وحكما. في استصحابنا هذا هل يوجد اتحاد قضيتين؟

القضية المتيقنة: لحم هذا الحيوان الحي حرام.

القضية المشكوكة: لحم الميتة التي وقع عليها الذبح بشروطه مشكوك الحرمة.

في القضية الاولى لحم حيوان حي، وفي القضية الثانية لحم ميتة. فاننا نجد ان الحياة جزء من موضوع الحرمة. فلا شك ان هذا الحيوان يحرم اكله إذا كان حيا، فالحياة جزء من موضوع القضية وليس حالة من حالاته، موضوع القضية في التحريم هو الحيوان الحي وليس مطلق الحيوان .

فلو كان لحم مطلق الحيوان حرام اكله اصبحت القضية واحدة، لكن عندما قال ان لحم الحيوان الحي حرام، الحرمة منصبة على الحي، فالحي اصبح جزء الموضوع، وبذلك اختلفت القضيتان موضوعا وعليه لم تتم أركان الاستصحاب، فلا يتم هذا الدليل.

ومما يمكن أن يستدل به على أصالة عدم قبول التذكية موثق ابن بكير: الوسائل ح 1- محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد الله (ع) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله أن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي وقد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد، وذكاه الذبح أو لم يذكه. [4]

وتقريب الاستدلال بالرواية هو في فقرة: " إذا علمت انه ذكي وقد ذكاه الذبح " إذا كان المراد من "ذكى" قبول التذكية، او بمعنى ان افعال التذكية قد جرت عليه ويكون تأييدا على الثاني. فيكون شرط صحة الصلاة العلم بقبول التذكية، ومفهومها هو عدم صحة الصلاة عند عدم العلم بالتذكية.

وفيه: مع غضّ النظر عن التدافع الموجود في متن الرواية لو فسرّنا قوله (ع) " انه ذكي" بوقوع التذكية وتكون جملة "وقد ذكاه الذبح" تأكيدا لا تاسيسا، فان السؤال هو عن صحة الصلاة، ولا ملازمة بين صحة الصلاة وقبول التذكية، فهذه امور تعبدية محضة.

والنتيجة: الأصل اللفظي والأصل العملي في اللحوم هو الحليّة، وادلّة الحرمة لا تواجهها ويمكن تفنيدها.

إذن عندنا مقدمتان:

المقدمة الاولى: ان الموت امر وجودي وليس امرا عدميا.

المقدمة الثانية: ان الاصل حليّة اللحوم، سواء كان الاصل اللفظي، أو الاصل العملي.

ما هو حكم مشكوك الحرمة:

الشك في الحرمة إما ان يكون في الشبهة الحكمية أو الشبهة المفهومية أو الشبهة المصداقيّة ولا رابع لها.

مثلا: لحم الدجاج جائز، فقبول التذكية تام، لكن اشك في هذه الدجاجة أهي دجاجة أم أرنب؟ انا اشك ولا اعلم. أو أشك ان هذا الحيوان الكنغر هو كنغر أو شاة؟ هذه الشبهات شبهة مصداقية.

احيانا يكون الشك في المصداق وأحيانا الشك في المفهوم، واحيانا الشك في الحكم.

أما الشبهة المفهومية فهي ما إذا ورد نص في حرمة حيوان أو شيء ولا أدري معناه، فلا يكون له ظهور، وحينئذ أقتصر على القدر المتيقّن لثبوت الحرمة. لانه في الشبهة المفهومية اولا اطرق باب الشارع، فان لم اجد اطرق باب العرف، فان لم اجد أخذ بالقدر المتيقن، وإلا اصبح الدليل مجملا فارجع للأصول.

اما الشبهة المصداقية وقد يعبر عنها احيانا بالشبهة الموضوعية – انا اصر على المصداقية – خلافا للشيخ الانصاري (ره) الذي قال: ان الشبهة إما حكمية أو موضوعية. وقلنا ان هذا التقسيم غير تام. وذهبنا إلى تقسيم آخر للشبهات.

الشبهة اما حكمية او مفهومية او مصداقية وقد مرّ الكلام في سبب العدول عن التقسيم الثنائي.

الشبهة المصداقية، وقد يعبّر عنها بالشبهة الموضوعيّة، فانها حالتان:

     إما مع العلم بوقوع التذكية بشروطها الشرعية المعتبرة، أي الذبح بآلة من حديد وقطع الاوداج الأربعة، والتوجه للقبلة، وكون الذابح مسلما.

     واما لا نعلم بوقوع التذكية ولا وجود لامارة تدل عليها.

والحالة الاولى على أقسام.

 


[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج3، باب2، ح1، ص250.
logo