46/06/07
الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
• الاستدلال على الاحتياط بحكم العقل: العلم الاجمالي بوجوب تكاليف الزامية مما يقتضي الاحتياك.
• الجواب: نقضا وحلا.
• اما نقضا: فان هذا الكلام بعينه يأتي في الشبهات الوجوبية التي لم تقولوا فيها بالاحتياط.
• اما حلا: فالتفصيل بين العلم الإجمالي الكبير الذي ينحل إلى علم تفصيلي بعد قيام الامارات على بعضها التكاليف، وشك بدوي في الباقي، فتجري فيه اصالة البراءة.
• علم اجمالي صغير كالشك بين صلاة الظهر والجمعة فهذا باق لا ينحل فيجب فيه الاحتياط.
بعد التذكير بالوجوه التي استدل بها على الاحتياط.
نعود للرد على الوجه الأول، تنجز العلم الإجمالي بوجود تكاليف الزامية:
قالوا ان العلم الإجمالي لا ينحل ويبقى منجزا، ويجب الاحتياط في المشكوكات حتى لو قامت الامارات على بعض المواضيع في بعض المسائل، فأصالة البراءة لا تجري.
والجواب: اجيب على هذا الاشكال نقضا وحلا:
اما نقضا: فذلك في الشبهات الحكمية الوجوبية والشبهات الموضوعيّة، فتنجيز العلم الإجمالي لو كان مانعا من الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية، لكان مانعا أيضا من الرجوع إليها في الشبهات الحكمية الوجوبية والشبهات الموضوعية. فان نفس الكلام يجري فيها أيضا.
بتعبير آخر: عند حصول العلم الإجمالي الكامل في التكاليف بأكملها وعلمت ببعضها فهذا يقتضي الاحتياط في الجميع، ثم نقضتم، هذا الكلام؟ لماذا نقضتم في خصوص التحريميات اما في الوجوبيات فلم تنقضوها؟!. الاخباريون لا يقولون بالاحتياط في الشبهة الوجوبية ولا في الموضوعية إلا الاسترآبادي (ره). نفس الاستدلال على الاحتياط الذي ورد في الشبهات التحريمية أيضا يرد في الشبهات الوجوبية والموضوعية.
لكن ناقشوا بذلك وقالوا بان هناك دليل خاص، أي ان ادلة الاحتياط لا تشمل الشبهات الوجوبية، لان اكثر الروايات وردت في التحريميات، واللسان قد ينصرف ظهورا في التحريميات.
وقد اجيبوا بان الروايات مطلقة: "اخوك دينك فاحتط لدينك" عند الاشتباه بالحرمة يجب ان احتاط وكذلك إذا اشتبهة بالوجوب يجب ان احتاط، ورغم ذلك ادعوا ان الاحتياط يشمل التحريمية دون الوجوبية، واستدلوا بما سبق وذكرناه: وقلنا انه ليس كافيا لاخراج الشبهات الوجوبية عن اصالة الاحتياط.
وشيء آخر: من استدل على الاحتياط بالعلم الإجمالي لا دخل للروايات حينئذ في الاستدلال، فلماذا خصص الاحتياط في الشبهة التحريمية فقط؟!.
اما حلاّ: فقد اجيب بأجوبة ترجع اجمالا إلى انحلال العلم الإجمالي إلى امرين: علم تفصيلي في بعض الأطراف، وشك بدوي في الباقي.
فلو كان عندي قطيع من الغنم فيه عدّة شياه محرّمات، ولا أدري عددها، والقدر المتيقن من الغنم المحرّم هو خمسة مثلا وقد يكون المحرّم أكثر من ذلك، وقد شخصتها وعرفتها، أي خمسة محرّمة معيّنة وفي الباقي اشك في وجود محرّمات، فينحل العلم الإجمالي الكبير إلى علم تفصيلي بحرمة بعض الأطراف وشك بدوي في الباقي، فتجري اصالة البراءة فيه، أي في الشبهات غير مقرونة بالعلم الإجمالي الذي انحل.
هنا نقول: ان هناك علم اجمالي بالتكاليف أي ان هناك احكاما علمتها واشك بالأحكام الأخرى، فلماذا التفصيل بين الأبواب، وسياتي الجواب بالتفصيل بين العلمين: العلم الإجمالي الكبير الذي انحل، والعلم الإجمالي الصغير وهو ضمن الكبير ولم ينحلّ.
يقول السيد الخوئي (ره) بعد بيان طويل: "والمتحصل مما ذكرناه في المقام أنه على جميع الأقوال في باب الامارات تكون أطراف العلم الاجمالي من غير مواردها موردا لأصالة البراءة. أما على القول بالطريقية، فلان العلم الاجمالي ينقلب إلى الشك البودي والعلم التفصيلي. وأما على القول بالمنجزية، فلان قيام الامارة يكشف عن تنجز التكليف في بعض الأطراف من غير جهة العلم الاجمالي في أول الامر. وأما على القول بالسببية، فلان الأمارة تكشف عن اشتمال مؤدياتها على مصلحة أو مفسدة مستلزمة لثبوت الحكم على طبقها من أول الامر ". [1]
بيانه: قوله من باب الامارات -كالخبر الواحد هل هو على نحو السببية أو على نحو الطريقية أو المنجزية-:
على نحو السببية أي قيام الخبر على امر يؤدي إلى وجود مصلحة فيه او في تعلقه. هذه السببية التي تؤدي إلى تصويب، والتصويب باطل باجماع علمائنا.
والقول بالطريقية الكاشفية بان الامارة المعتبرة كاشف تعبدي عن الواقع.
والقول بالمنجزية بان اعتبار الامارة ليس سوى التنجز عند الإصابة فاجر وثواب، والعقاب عند الخطأ.
ونحن قلنا ان الخبر مأخوذ على نحو الطريقية كاشف عن واقع، لم يلتفت إلى السببية ولا إلى الاجر والثواب ولا إلى العقاب، نعم العقاب والثواب يكون للمولى من لزوم الطريقية في حالات خاصّة. [2]
كلامه السيد الخوئي (ره) كلام متين.
لكن الانصاف: كلامه (ره) مختص بانحلال العلم الإجمالي الكبير الناشيء من أصل الايمان بوجود تشريعات، فلا داعي للاحتياط في الأطراف الأخرى لأنها صارت من الشبهة البدوية غير المقرونة بعلم اجمالي ببركة هذا الانحلال، فلا دليل على الاحتياط فيها.
اما لو بقي العلم الإجمالي -الاصغر- في مورد خاص كما في مثال التردد بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر يوم الجمعة، فلا يتمّ الانحلال، بل يبقى العلم الإجمالي - الأصغر- بينهما، لأننا نعلم بوجوب احدى الصلاتين من خارج، فلا بد من الاحتياط حينئذ.
لذلك نقول: ان القاعدة العامة عند كل شك البراءة، في العلم الإجمالي الكبير المنحل، الباقي وهو الشك البدوي تجري فيه البراءة.
اما لو كان العلم الإجمالي في خصوص طرفين او ثلاثة -محدود جدا- يمكن القول ببقاء العلم الإجمالي حينئذ وجدانا. فيجب الاحتياط في خصوص العلم الإجمالي الصغير.
بعبارة أخرى: يوجد علمان اجماليان:
علم اجمالي كبير يشمل جميع التكاليف المشكوكة في جميع الأبواب، ومع قيام الامارات على بعضها ينحل إلى علم تفصيلي بالتكاليف التي قامت الامارات المعتبرة عليها، وشك بدوي في باقي المشكوكات، فتجري في هذا الباقي اصالة البراءة لعدم اقترانها بما يوجب الاحتياط فيها.
وعلم اجمالي صغير من ضمن العلم الإجمالي الكبير، مثل الشك في الصلاة الواجبة ظهر الجمعة في زمن الغيبة، هل هي صلاة الظهر اليومية او صلاة الجمعة، فهذا علم اجمالي صغير من ضمن الكبير، ونهو باق لا ينحل بانحلال الكبير، فحينئذ يجب الاحتياط فيه لكونه شبهة بدوية مقرونة بعلم اجمالي.
الوجه الثاني من وجوه الاستدلال بحكم العقل على أصالة الاحتياط:
من ان الأصل في الأشياء هو الحظر - التوقف- لا الاباحة، - الشيخ الطوسي (ره) وغيره ذهبوا إلى ذلك- وذلك في غير المعلوم حرمته. وهذا يعني وجوب الاحتياط عقلا.
مثلا: المولى صاحب الدار لم يبين لخادمه عند استخدامه وقدومه إلى الدار اي شيء، هل يحق لهذا الخادم ان يتصرف بالدار كما يشاء ويقول للمولى انت لم تبيّن لي الاشياء؟ هل "قبح العقاب بلا بيان" لانه لم يبيّن يشملها؟ لا يبعد القول بقبح تصرّف الخادم قبل البيان.
لذا قالوا بان الأصل هو الحظر، فهذا الأصل يستمر، وعليه يجب الاحتياط. وهذا دليل عقلي على الاحتياط.
لكن ذكرنا ان هناك فرقا: بين اصالة البراءة واصالة الحظر. اصالة الحظر تكون قبل الفحص، اما بعد الفحص تجري قاعدة: " قبح العقاب بلا بيان" اصالة البراءة العقلية. إذن مورد القاعدتين مختلف تماما، لذلك نقول بأصالة الحظر قبل الفحص واصالة بالبراءة العقلية بعد الفحص.
والنتيجة: نحن نقول بأصالة الحظر قبل الفحص، وبأصالة البراءة بعد الفحص وعدم الحصول على دليل.