46/06/05
الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.
• ذكر ما أورده المحدث الحر العاملي في تعليقه على روايتين تدلان على البراءة.
• توجيهات الحرّ العاملي في الوسائل لحديث: " كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي". والجواب عليها أو التعليق عليها.
أولا نبارك لكم ولادة الامام زين العابدين (ع) [1]
نعود لاستعراض رد الاخباريين لما أورده المحدث الحر العاملي في تعليقه على روايتين تدلان على البراءة.
وبعد التذكير بما مرّ، يقول الحر العاملي (ره) في ح 60 - محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى.
من حيث السند: الرواية مرسلة من مرسلات الصدوق (ره)، وذكرنا سابقا ان الكثيرين قالوا باعتبار مرسلات الصدوق، واما عندنا فليست معتبرة، نعم هي من باب المؤيدات.
ذكر الحر العاملي عدّة أوجه: الوجه الأول انه محمول على التقيّة، وقلنا ان هذا الحمل غير سليم.
الوجه الثاني: انه محمول على الخطاب الشرعي واجبنا عليه، الوجه الثالث: التخصيص بالموضوعات دون الأحكام، وقلنا ان هذا ممكن ولكن لا دليل عليه.
الوجه الرابع قال (ره): ورابعا- أن النهي يشمل النهي العام والخاص، والنهي العام بلغنا وهو النهي عن ارتكاب الشبهات في نفس الاحكام، والامر بالتوقف والاحتياط فيها وفي كل ما لا نص فيه.
الحر العاملي (ره) اعتبر ان هذه الأدلة تدل على وجوب الاحتياط، فهذا نهي عام، حينئذ تكون رافعة لموضوع الحديث: " كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي" وقد ورد النهي، أي ان الحديث ارتفع موضوعا. وجوابنا ان هذه الادلّة لا تدل على وجوب الاحتياط الذي هو محل الكلام.
وثانيا: لو دل على وجوب الاحتياط كان هناك تعارض، فأيهما نقدّم؟ ذكرنا الجواب مفصلا يراجع من الدرس السابق في بحث عدم وجود تنافي بين حكمي العقل، وقلنا انا نقدّم ادلة البراءة على ادلة الاحتياط العقلية لان منشأ "وجوب دفع الضرر المحتمل" ليس هو نفس انشاء الحكم، بل هو وصول الحكم، ولذلك الحكم لم يصلني فتكون "قبح العقاب بلا بيان" بلا منازع.
بيان اخر لكلام الحر العاملي: سبق ان بيّنا وثبتنا قاعد عامة: " كل ما كان لغة مع شراشيره فهو شرعا إلا ما خرج بدليل" أي اننا نحمل المعنى على معناه اللغوي، والاجزاء والشرائط تحتاج إلى دليل وللشارع حق التدخل، والتدخل في الشرائط لا يعني تدخلا في المفهوم لان التدخل هو لأجل بيان موضوع الأحكام، أي المطلوب، وفرق شاسع بين المطلوب والمفهوم.
وهنا نفس الشيء قال الحر العاملي ان هناك نهيا عاما وهناك نهيا خاصا "كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي"، تارة يرد النهي في الشيء بخصوصه، وتارة يرد نهي عام وهو: "اخوك دينك فاحتط لدينك" و "لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" كالروايات الكثيرة التي مرّت معنا في وجوب الاحتياط والتوقف، هذا عام وهذا يكفي.
اجبنا ان كل هذه الروايات لا تدل على وجوب الاحتياط وبيّنا ذلك.
الحر العاملي: وخامسها - أن يكون مخصوصا بما قبل كمال الشريعة وتمامها، فأما بعد ذلك فلم يبق شيء على حكم البراءة الأصيلة.
جوابنا ان هذا عبار ة عن توجيه لا دليل عليه، تبرعي إلى حد كبير، "فحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة". هذا الحديث "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى" ورد عن الامام الصادق (ع) بناء على صحة مرسلات الصدوق، قلنا اننا نعتبرها مؤيدا كما ذكرنا. هذا ما ذكره الصادق (ع) وهل ما ذكره الامام خاص بزمنه؟ اين الدليل؟ ولو ادّعي ان روايات بالاحتياط دليل، فانا نقول: أولا: هي صادرة من نفس الزمن، وثانيا: لا دليل فيها على وجوب الاحتياط كما بيّنا.
الحر العاملي: وسادسها - أن يكون مخصوصا بمن لم تبلغه أحاديث النهي عن ارتكاب الشبهات والأمر بالاحتياط لما مرّ، ولاستحالة تكليف الغافل عقلا ونقلا.
هنا إشارة إلى ان الاخباريين يأخذون بحكم العقل " وجوب دفع الضرر المحتمل" حكم عقلي استدل به على وجوب الاحتياط. وعقاب الغافل قبيح، لكن فلنا ان منشأ العقاب ليس نفس انشاء الحكم بل العقاب على وصول الحكم ولم نمتثل. حينئذ تصبح البراءة العقلية بلا منازع.
الحر العاملي: وسابعها - أن يكون مخصوصا بما لا يحتمل التحريم، بل علمت اباحته وحصل الشك في وجوبه، فهو مطلق حتى يرد فيه نهي عن تركه (الشبهة التحريمية)، لأن المستفاد من الأحاديث هنا عدم وجوب الاحتياط بمجرد احتمال الوجوب (في الشبهة الوجوبية) وإن كان راجحا حيث لا يحتمل التحريم.
بيانه: ان الشبهة الوجوبية خارجة، فالإخباريون قالوا بالاحتياط في الشبهة التحريمية اما الشبهات الوجوبية والموضوعية فلا احتياط فيها، أي ان " اخوك احتط لدينك" لا تشملها. بتوجيه الحر (ره) هذه الرواية خرج منها الشبهة الوجوبية والموضوعية. ذكرنا كجواب ونكرر ان ادلّة الاحتياط ليست تامّة وتوجيهه مصادرة على المطلوب. والاحتياط راجح عنده بناء على ان الاحتياط حسن شرعا وعقلا كما ذكره الشيخ الانصاري (ره).
وجوابنا ان الاحتياط بالنسبة للأمور الأخروية ليس حسنا ولا راجحا، نعم امتثال الاحتياط في المشكوك حسن من باب "من بلغه ثواب على عمل وان كان رسول الله لم يقله" وليس من باب الاحتياط، لانه مع " وقبح العقاب بلا بيان" فالضرر غير محتمل أصلا، وقطعا ليس هناك أي عقاب، ومع القطع بعدم الضرر لا وجود لحسن الاحتياط.
الحر العاملي: وثامنها - أن يكون مخصوصا بالأشياء المهمة التي تعم بها البلوى ويعلم أنه لو كان فيها حكم مخالف للأصل لنقل، كما يفهم من قول علي عليه السلام: "واعلم يا بني أنه لو كان إله آخر لأتتك رسله، ولرأيت آثار مملكته"، وقد صرح بنحو ذلك المحقق في المعتبر وغيره.
بيانه: ان الشيء الحرام الذي تعم البلوى فيه، لا بد ان يصل الينا فان لم يصل فلا بد من الاحتياط، اما الشبهات الأخرى فلا احتياط فيها. الاحتياط مخصوص في الأمور التي تعم البلوى فيها باعتبار انه لو كان لبان. فـ" كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" خاصة في الأمور التي لا تعم فيها البلوى. [2]
وجوابنا على الحر والمحقق ان هذا ممكن ولكن اين الدليل، الرواية صحيحة ومعتبرة ومطلقة، كيف هي مقيّدة ومخصوصة؟!