« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

     المراد من روايات "خذ بالحائطة لدينك" هو العمل لاحراز نفس الدين، لا ان يصح المشكوك ممنوعا.

     جواب الأصوليين عليها: أولا: هذا امر ارشادي بدليل وجود عقاب واحد لا عاقبان.

     ثانيا: هذه الروايات آبية عن التخصيص والتقييد، فكيف خصصت الشبهات الوجوبية والموضوعية.

     توجيه كلام الشيخ الانصاري (ره) ، الاحتياط حسن عقلا وشرعا بعد الاشكال عليه.

 

أدلة الاحتياط التي ذكروها: الروايات ومن جملتها: " اخوك دينك فاحتط لدينك". وذكرنا ان المراد من الرواية -التسوير، والحائطة، والانتباه لحماية الدين كعدم فعل المقدمات عند عدم احراز الامتناع عن المعصية - وهذا لا يعني ان المشكوك يصبح حراما أو ممنوعا لانه لم يثبت كونه من الدين.

اجاب الاصوليون عن هذين الدليلين واشباهه: "اخوك دينك فاحتط لدينك" بوجهين:

الأول: انها أوامر إرشادية إلى حكم العقل، فإن العقل يحكم بحسن الاحتياط، -وسيأتي التوجيه والتعليق على كلام الشيخ الانصاري (ره) حيث قال: في تنبيهاته: الاحتياط حسن عقلا وشرعا، كلام صحيح لن نرفضه- وهو من المستقلات العقلية، وبالتالي يختلف الأمر بحسب الموارد ويكون تابعا لما يرشد إليه، فأحيانا يكون الاحتياط واجبا كما في الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي لوجود المخالفة القطعية. وتارة يكون مستحبا كما في الشبهة البدوية -أي غير المقرونة بعلم اجمالي- بعد الفحص والعجز عن الحصول على دليل، والتي هي محل الكلام. وهذا حكم عقلي ارشادي من دون جعل شرعي مولوي كما هو محل الكلام. بدليل انه هناك عقابين واحد وليس عقابان كما ذكرنا.

اما قبل الفحص فالعقل يحكم بلزوم الاحتياط، من باب "دفع الضرر المحتمل واجب"، أو من باب تنجيز الاحتمال.

الثاني: لا بد من رفع اليد عن ظهور صيغة الأمر في هذه الاحاديث على الوجوب لوجود صيغة الامر الظاهرة في الوجوب من الحديث: "اخوك دينك فاحتط لدينك" ، والسرّ في ذلك:

ان هذه الروايات تشمل بإطلاقها الشبهات: الموضوعية -مما يشمل موضوع الاحكام والمصاديق- والشبهة الحكمية الوجوبية [1] ، وهذه مما اجمع العلماء من الاخباريين والاصوليين على عدم وجوب الاحتياط فيها، وحينئذ فإما أن نحمل الصيغة على استحباب الاحتياط أو على مطلق الرجحان الشامل للوجوب والاستحباب.

واما ان نلتزم بالتخصيص، أي ان ادلة عدم وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية الوجوبية تخصص اطلاقات روايات: "احتط لدينك" الشاملة لكل الشبهات. والتخصيص محال لان هذه الروايات مطلقة آبية عن التخصيص كما بيّنا، إذ لا معنى للقول: "احتط لدينك" إلا في هذه الموارد، أي هذه الموارد لا تحافظ على دينك فيها -في الشبهات الموضوعية والوجوبية- ولا يكون دينك اخاك فيها". وهو كما ترى.

إذن لا صحة للتخصيص، وهو ما ذهب اليه "الاصوليون" عندما قالوا كما في احد تنبيهات الاحتياط (الشيخ الانصاري (ره)) " الاحتياط حسن عقلا وشرعا "، والحسن هنا بمعنى الاستحباب أو مطلق الرجحان.

وحينئذ فإما ان نحمل روايات "الحائطة" على ما ذهب اليه الاصوليون من الاستحباب أو مطلق الرجحان أو تبقى على اطلاقها ولا نقول لا بالاستحباب ولا بالوجوب.

هنا لا بأس بتعليق مختصر على كلام الشيخ الانصاري(ره): في فرائد الأصول قال: "الاحتياط حسن عقلا وشرعا"، حيث أرسلها ارسال المسلمات.

أقول: إذا ثبت المؤمن والمرخص، -ادلة البراءة- فلا يوجد عقاب أصلا، وحينئذ العقل لا يحكم بالاحتياط بعد الفحص للقطع بعدم وجود العقاب، لان الحكم لم يصل إلى مرحلة الفعلية او التنجيزية لعدم وصول الحكم إلى المكلّف، فلا دليل على الاستحباب أو مطلق الرجحان. وبالتالي لا يكون الاحتياط حسنا، فهل نرفض كلام الشيخ الانصاري (ره) ؟ أم نرى توجيها آخر له، بحيث نبحث عن منشأ لحسن الاحتياط؟

كلام الشيخ الانصاري (ره) له توجيه، حيث قالوا ان هناك مراحل للحكم: الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجيز.

الاقتضاء هي مرحلة المصالح والمفاسد والملاكات، بعدها عند وجود المصلحة يأتي الجعل والامر بالفعل" الانشاء"، بعد الانشاء تأتي حالة الفعلية وهي مرحلة التحريك، وعند العلم به يتم التنجيز أي يصبح مسؤولا.

ونحن ذهبنا إلى ان الحكم له مرحلة واحدة وهي الجعل والانشاء، والمراحل الباقية هي حالات المكلف.

ولتوجيه كلام الأصوليين: نقول: نعم، بالنسبة للإنشاء، فإننا نحتمل انشاء الحكم فيحسن الامتثال لما انشأه المولى عند الوصول ولو احتمالا، تعظيما لشأن المولى، لأنه إذا كان الامتثال القطعي لما انشأه المولى تعظيما وطاعة وحسنا، فما بالك بالامتثال الاحتمالي، أي الامتثال لمجرّد احتمال كونه صادرا من المولى؟!

لا شك انه أشد تعظيما وطاعة. ومن هذا القبيل روايات: " من بلغه عن رسول الله ثوابا على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب كان له ذلك وان كان رسول الله لم يقله "، بهذا العنوان يصبح حسنا.

وعند الشك تكون هناك مرحلة احتمال الانشاء فقط، لا فعلية ولا عقاب ولا تنجيز قطعا.

 


[1] الشبهات ثلاث: الشبهة التحريمية، والشبهة الوجوبيّة، والشبهة الموضوعية أو المصداقية.
logo