« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

الموضوع: الأصول العملية، اصالة الاحتياط.

     الآيات التي استدل بها على الاحتياط مردودة بأمور:

أ- هي ارشادية لوجود عقاب واحد.

ب- لا بد من إثبات عناوينها مثل عنوان الهلكة لإثبات وجوب التوقف.

ج- هي آبية عن التخصيص.

 

الطوائف الثلاث – الآيات- التي استدلوا بها على اصل البراءة

الطائفة الأولى: كقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾ [1] أي توقف ولا تقتحم المشكوك، بل يجب الاحتياط به وقوله تعالى: ﴿ان الظن لا يغني من الحق شيئا﴾[2] لا يجوز العمل بالظن إذن يجب ان تحتاط.

اما الطائفة الثانية: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [3] فإن الاحكام تابعة لعناوينها.

وبيّنا الردّ على الطائفة الأولى بورود أدلة الترخيص والعمل بها حينئذ عمل بعلم وكذلك الثانية، والطائفة الثانية ان ادلّة البراءة المؤمّن حاكمة عليها، وان التوقف واجب فيما لو ثبت عنوان التهلكة، لان الاحكام تابعة لعناوينها.

وذكرنا كيف نميّز المولوي من الارشادي: ان الحكم المولوي تكليف ودفع، المولى يستخدم مولويته بما هو مولى وهذا يعني ان هناك ثواب وعقاب، اما الارشاد فهو ارشاد إلى مصلحة أو مفسدة، أو شرط أو جزء ليس فيه الزام وتكليف وليس فيه لا ثواب ولا عقاب، ولذا استطيع التمييز، الميّز بينهما بنحو الإن، وذكرنا مثالا على ذلك أمر الطبيب فلو فرضنا انك عصيت الطبيب لم يعاقبك ليس له صلاحية العقاب ولا الاثابة.

فالارشادي ارشاد إلى واقع، ارشاد إلى جزئية وشرطيّة أو لمصلحة أو لمفسدة، بعكس المولوي المولى يستخدم صلاحيته بما هو مولى.

قلنا ان الطائفتين ارشادياتين لأنه ليس هناك عقابان وليس هناك ثوبان، فلو كانت: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ [4] مولوية ، وقلنا اننا نستكشفها بنحو "الإن" أي انتقال من المعلول إلى العلّة ومن اثار الارشادية انه لا يوجد إلا عقاب واحد. ونحن نرى ان في المعصية لا يوجد إلا عقاب واحد.

ثم ان شيء آخر هل يمكن التخصيص؟ الأمر المولوي يخصص بعكس الأمر الارشادي فانه لا يخصص، فلا يمكن ان يقال ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ إلا في الأمر الفلاني، هذا محال، فلو كان الأمر مولويا لامكن تخصيصه.

واما الطائفة الثالثة: الآيات الآمرة بالتقوى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ [5] بطلاقها يشمل المعلوم ويشمل المشكوك فيجب الاحتياط. وفيها:

أولا: إنها أوامر ارشادية فليس هنالك حكمان مجعولان، وعقابان، بل نهي واحد وعقاب واحد عند ارتكاب المحرم.

مثلا: إذا شربت الخمر العقاب مرّة واحدة على شرب الخمر ولا اعاقب أيضا على اني خالفت قوله تعالى: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾، أو ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ فلو كانت الأمر في الآية مولويا لكان عليه عقاب، أي يوجد عقابان: عقاب على شرب الخمر، وعقاب على: ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾، بينما نرى بالوجدان ان الموجود عقاب واحد وثواب واحد.

لذلك نقول ان هذه الآيات إرشاد إلى حكم العقل.

وثانيا: إن ارتكاب ما دلّ الدليل على ترخيص العمل به لا ينافي التقوى.

وبدليل، من يقول بوجوب الاحتياط، وتقولون ان الاحتياط لأجل التقوى فيشمل المشكوك كما يجب الاحتياط في المعلوم، نسأل سؤال: انتم أيها "الاخباريون" الم تقولوا بعدم الاحتياط في الشبهة الوجوبية؟

الاخباريون قسمان: في الشبهة التحريمية قاطبة قالوا بوجوب الاحتياط، اما في الوجوبية المحدّث الاسترآبادي (ره) ولعلّه غيره أيضا قال بوجوب الاحتياط في الوجوبية أيضا دون الآخرين.

يأتي السؤال: في الشبهة الوجوبية إذا شككت في الوجوب مثلا هل يجب الوفاء باليمين أو لا؟، وهل يجب الصوم أو لا؟ إذا لم اف بالواجب، يكون هذا بناء على رأيكم يخالف التقوى أيضا. فانتم أيها الاخباريون أيضا تقولون بجواز المخالفة في الشبهة الوجوبية. وما الفرق بين الواجب والحرام في مسألة التقوى؟!

ولعلّ دليلهم ان معظم الروايات الواردة في الاحتياط هو في الشبهة التحريمية، لكن هذا ليس بدليل، نعم قد تؤدي إلى انصراف او ظن أحيانا.

لكن نقول اننا إذا كانت الأمثلة على أمر معيّن كأكرم العلماء من هذه العائلة، هل تكون النتيجة فقط اكرم علماء هذه العائلة.

أو قد يستدل لهم بانصراف الآيات او الروايات إلى التحريمية بالخصوص، كما في ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ أو ان القدر المتيقن من أدلة الاحتياط هو ما كان خصوص الشبهة التحريمية، فنقتصر عليه.

ونكرر انه اتفق الاصوليون والاخباريون على جواز الرجوع إلى البراءة في الشبهات الموضوعية، والشبهات الحكمية الوجوبية، عدا المحدّث الاسترآبادي (ره) وهو من الاخباريين، الذي ذهب إلى الاحتياط في الشبهات الوجوبية فضلا عن التحريمية.

ونلخص الجواب على هذه الاستدلال: اول: بان هذه الآيات ارشادية. ثانيا: مع وجود المرخّص التهلكة ارتفعت موضوعا، وادلة جواز العمل مقدمة عليها.

الأمر الثاني الذي استدل به الاخباريون على الاحتياط عند الشك: الأخبار.

والاخبار التي استدل بها على طائفتين:

الأولى تأمر بالتوقف عند الشبهة يعني الاحتياط.

مثل أخبار التثليث: 23 - محمد بن علي بن الحسين باسناده عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن الحارث ابن محمد بن النعمان الأحول، عن جميل بن صالح، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في كلام طويل: الأمور ثلاثة: أمر تبين لك رشدة فاتبعه وأمر تبين لك غيه فاجتنبه، وامر اختلف فيه فرده إلى الله عز وجل. ورواه في ( الخصال ) عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق التاجر، عن علي ابن مهزيار مثله. وفي ( المجالس ) عن علي بن عبد الله الوراق، عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي مثله. [6]

" الرد إلى الله" يعني التوقف وليس الاقتحام.

ومثل قوله (ع): 35 - في كتاب ( الاعتقادات ) سعيد بن هبة الله الراوندي. بالإسناد عن ابن بابويه (الصدوق)، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الله (الاعرج الكوفي، "السمان" الذي يروي عنه الصدوق كثيرا (ثقة عن النجاشي والعلامة، وله اصل عن الشيخ)، عن يعقوب بن يزيد (ثقة وثقه النجاشي، وقال الشيخ يعقوب بن يزيد الكاتب هو ابوه ثقتان)، عن محمد ابن أبي عمير (ثقة)، عن جميل بن دراج (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة، إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه. [7]

والجواب على هذين النوعين بوجهين تشتركان فيهما:

الوجه الأول: ان عنوان الشبهة المأخوذ في الحديث لا يشمل ما ثبت فيه الترخيص، فتختص بما قبل الفحص. فانه يوجد حالتان: حالة قبل الفحص وحالة بعد الفحص. قبل الفحص هل يختلف عن ما بعد الفحص؟

قبل الفحص عند الشك قد يقال بالتوقف، لكن بعد الفحص بالطريقة العقلائية العقلاء لا يجدونه قبيحا ولا خلاف التقوى ولا خلاف الهلكة.

التمييز بين حالة ما قبل الفحص وما بعد الفحص: فعنوان الشبهة المأخوذ في الحديث لا يشمل ما ثبت فيه الترخيص عند الشبهة، مثلا في حكم التدخين حرام او حلال. قبل الفحص نتوقف، لكن بعد الفحص وثبت فيه الترخيص والمؤمّن من العقاب، فلا تشمله الروايات: " خبر من الاقتحام في الهلكة" و " ووجوب التوقف".

إذن: أولا هذه لا تشمل ما بعد الفحص بالطريقة العقلائية وثبوت الترخيص، والمراد من الرواية واضح، إذا لم تعلم الحكم فبداية لا تقتحم حتى تفحص، فإذا فحصت فافعل ما يوصلك اليه الدليل.

إذن أولا ان هذه الروايات ناظرة إلى ما قبل الفحص وليس إلى ما بعد الفحص.

لا يقال: كما قال الاخباريون: إن المراد حكم مولوي بوجوب التوقف عند الشبهة، وهذا الحكم مخصص بالشبهات الموضوعية والوجوبية.

فانه يقال: أولا: انه ارشادي. ثانيا: لا تدل على الحكم بالاحتياط بعد ورود أدلة الترخيص.

ثالثا: ان التخصيص غير ممكن، لسان الحديث آب عن التخصيص، إذ لا معنى لان يقال: الوقوف عن الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة إلا في الشبهة الموضوعية والوجوبية، فلا بأس في الشبهة الحكمية بالاقتحام في الهلكة، فهذا أمر ينافي ما يحكم به العقل من وجوب حفظ النفس من الهلكات.

 


[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ح23، ص118.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ح35، ص84.
logo