« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الأصول

46/05/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الأصول العملية، البراءة.

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     النقطة الرابعة: العلاقة بين ادلة الاحتياط الشرعي والعقلي، وبين قاعدة" قبح العقاب بلا بيان" هي الورود، لان موضوع القاعدة هو عدم البيان، والأدلة بيان.

     من ادلة البراءة: الاستصحاب، الاشكال عليه من حيث انه يتم لو كان استصحاب العدم النعتي، واستصحاب العدم النعتي لم يتم اعتباره. وجوابه.

     لا تصل النوبة إلى الاستصحاب بعد ثبوت ادلة البراءة من النصوص وحكم العقل.

 

بعد التذكير بما مرّ امس في النقطة الثالثة والكلام كان في العلاقة بين قاعدة "قبح العقاب بلا بيان" و قاعدة " دفع الضرر المحتمل واجب " بعد ثبوتهما. ورفعنا التنافي بينهما بان منشأ القاعدتين مختلف.

النقطة الرابعة: العلاقة بين قاعدة " قبح العقاب بلا بيان" و "ادلة الاحتياط الشرعي أو العقلي " لو تمّت، الظاهر ان العلاقة علاقة ورود ليست تخصيصا ولا تخصصا ولا حكومة، أي ورود ادلّة الاحتياط على قاعدة: "قبح العقاب بلا بيان" أي رفع الموضوع. فأدلة الاحتياط لو تمّت تكون حينئذ بيانا فترفع موضوع البراءة العقلية واقعا وحقيقة، لان موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان.

بتعبير آخر: ادلّة الاحتياط مثل: "اخوك دينك فاحتط لدينك" بحجية خبر الواحد تمّت حجيتها فتوسع الواجب، فصارت حكومة، أي توسع دليل حق الطاعة من المعلوم إلى المشكوك. توسيع ادلّة وجوب الطاعة من المعلوم لتشمل المشكوك هذه حكومة. وبعد ما توسعت صارت بيانا، فحينئذ ترد على قاعدة "قبح العقاب بلا بيان" لان الموضوع قد ارتفع.

إذن أدلة البراءة أو الاحتياط أو التخيير عندما ترد امارة يكون تقديمها من باب الورود، لا أدلة البراءة العقلية " قبح العقاب بلا بيان" يرفع موضوعها وهو عدم البيان، عندما يصلنا البيان سواء كان حقيقة أم تعبدا. وهكذا الاحتياط العقلي، حيث إن موضوعه عدم المؤمن، فعندما تصل الامارة المعتبرة أو الدليل الشرعي على البراءة ، بل حتى العقلي يكون مؤمنا، فيقدم على الاحتياط من باب الورود، وهكذا الأمر في أصالة التخيير العقلي.

من الوجوه التي استدل بها على أصل البراءة: الاستصحاب.

ويمكن تصوره بالشكل التالي:

إن جعل الحكم أمر حادث، مسبوق بالعدم وعند الشك فيه أي إني أشك في حدوثه، فاستصحب العدم، أي عدم الجعل استصحاب عدم التكليف ظاهرا. مرحلة الانشاء أي تأسيس الحكم واشك في انشائه استصحب عدم الانشاء.

ذلك أن الحكم، كما بيّنا له مرحلة واحدة وهي الانشاء، إنشاء الحكم، اما الفعلية والتنجيز فهي من حالات الحكم والمكلّف، فإن الفعلية تتحقق بعد إنشاء الحكم عند وجود موضوعه وعدم وجود مزاحم له، والتنجيز يتحقق عند علم المكلّف به.

وهذا الاستصحاب ينفعنا في اثبات أصل الاباحة الذي هو جعل الحكم، كما ينفعنا في اثبات البراءة التي هي الوظيفة والمسؤولية عن الحكم وعدم العقاب عليه. [1]

وبهذا البيان يمكن دفع العديد من الإشكالات التي وردت على الاستدلال بالاستصحاب.

ولا باس باستعراض بعض الإشكالات:

منها: الاستصحاب لا يجري في الإعدام، بل هو مختص بالموجودات.

وفيه: ان الاستصحاب يجري فيهما معا كما سنيّنه في بحث الاستصحاب، فهذه المسألة مبنائية.

ومنها: ان الاستصحاب هنا على نحوين:

الأول: استصحاب العدم الازلي، وهو ما يسمّى بالعدم المحمولي الحمل على نفس العين، كاستصحاب عدم زيد وعدم وجود الاعيان مثلا .

الثاني: استصحاب العدم النعتي، أي استصحاب ان الشارع لم يجعل حكما.

وللتذكير في بيان الاستصحابين نذكر مثال المرأة القرشية:

فأصالة عدم وجود المرأة عدم محمولي، واصالة عدم قرشية المرأة الموجودة عدم نعتي.

ولم يثبت جريان الاستصحاب في العدم النعتي، لأن المرأة إما أن تولد قرشية أو غير قرشية.

وللاستصحاب ركناه: المتيقن السابق والمشكوك اللاحق. والمتيقن السابق هو عدم وجود المرأة، وهذا ليس هو المستصحب، اما عدم قرشية المرأة فليس متيقنا سابقا، فلا يجري الاستصحاب.

وهنا: عدم وجود الجعل لا ينفعنا لأنه عدم محمولي.

وعدم نسبة الجعل إلى الشارع تنفعنا، لكنه أمر غير متيقن سابقا، فلا يجري الاستصحاب.

وجوابه: نقول: كان الله ولم يكن شيء، ثم وردت الشريعة بالتدريج، هنا تأتي مسألة كلامية: كلام الله حادث أو قديم، عين ذاته أو لا؟

فإذا قلنا انه قديم ويكون الجعل قديما، حينئذ لا يكون لدينا يقين سابق بعدم الجعل.

وردت الشريعة بالتدريج وكل الاحكام المجعولة حادثة، وبهذا وقد مضى زمان لم يك الحكم المشكوك مجعولا يقينا، فتحقق المتيقن السابق، وهو عدم جعله، فنستصحب ذلك، والانتساب إلى الشارع يتحقق بنفس الاستصحاب.

في الواقع لسنا بحاجة لهذا الاستصحاب لعدم وصول النوبة إليه لان أدلة البراءة من الروايات والنصوص وحكم العقل كافية.

 


[1] تذكير: الفرق بين الاحكام الوضعية والاحكام التكليفية: الاحكام الوضعية هي كالبيع والشراء والزواج والطلاق وغيرها هذه أوضاع، والحكمة فيها ان هناك احكام كثيرة كجواز النظر ووجوب النفقة وغيرها تحتاج لتنظيم، فاحتجنا إلى إنشاء وضعية خاصة تصير مصبا للأحكام، فسموا الوضع حكما وضعيا، والتسمية بالحكم نوع من التكلف والمجاز. في الأساس هو ليس حكم بمعنى الحكم، لذلك وقع الاختلاف انها الاحكام الوضعية منتزعة من الاحكام التكليفية كما عند الشيخ الانصاري (ره)، وغيره من الاقوال. لكن في الواقع هو عبارة عن تنظيم الاحكام الفقهية بطريقة مستوعبة لها.
logo