46/05/09
الأصول العملية، البراءة.
الموضوع: الأصول العملية، البراءة.
• خاطرة.
• من الأدلة على البراءة الشرعية: الإجماع.
• الدليل العقلي على البراءة:
خاطرة: بعد استعراض هذه الروايات وقبل ان نبدأ بالأدلّة الأخرى، كالإجماع والعقل كأدلة على البراءة. خاطرة لأنها ليست بما هي دليل، بل أمر نستطيع استفادته من أجواء الروايات.
الملاحظ ان الجوّ العام لكل هذه الروايات وامثالها هو جوّ إعطاء الحرية [1] للمكلفين وعدم التشديد عليهم، سواء كان في الاحكام أم في الموضوعات، وهو المناسب مع ما ورد في الحديث من ان الشريعة سهلة سمحاء، إذا لاحظنا هذه الروايات هل هو إعطاء الحرية وجعل، فسحة للمكلفين، بعبارة أخرى: يريد ان يقول: ان الإسلام ليس عبارة عن قيود ولا عن سجن.
وفرق بين الحريّة والفوضى: الحرية لا تتنافى مع القوانين والضوابط مثلا: هل اللإلزام بالسير على الجانب الأيمن في قانون السير هو قيد يخالف حرية الانسان؟
تجد العقلاء لا يمانعون لوجود مصلحة كبرى وهي الحفاظ على النظام العام.
فالقوانين التي هي لمصلحة البشر لا تنافي الحريّة، نعم هي تنافي الفوضى. وما نجده في العالم من صرخات بالمطالبة بالحرية هم يريدون في الواقع الفوضى، كالمطالبة بالشذوذ الجنسي أو بان يكون مستكلبون، أو ان يكونوا عبيدا، هذه فوضى لا مصلحة للبشرية فيها. الغرب خلط بين مفهومي الفوضى والحريّة وهذا الخلط انطلى على الناس.
هذه الحرية أساسية، الله عز وجل يريد ان يقول: انا كشارع اريد ان اسن قوانين لمصالحكم، ولذلك اشتهر "ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد" سواء كانت في متعلقاتها ام في الجعل، وقلنا انه لا مانع من ان تكون في كليهما، تكون في الجعل كما في القصاص، او في المتعلّق كما في شرب الخمر أو الزنى.
كأن الله عز وجل يريد ان يقول لنا ان الإسلام حرية، وراحة، وعدم التشديد على الناس، سواء كان في الاحكام ام في الموضوعات، وهو المناسب مع ما ورد في الحديث من ان الشريعة سهلة سمحاء، حينئذ نيل الجنة كثواب يصبح سهلا بأقل كلفة، فالجو العام لهذه الروايات إعطاء الحريّة.
وما نصّ عليه القرآن الكريم: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْر﴾َ. [2] فيجب ان يكون موضوع اليسر موجودا في حياتنا وليس فقط نفي العسر، ليس فقط العسر رافع للأحكام، بل يجب ان يكون مثبت الاحكام ان يكون يسرا، نحتاج للطرفين لتثبيت الحكم. وما يناسب اوصاف الله عز وجل وهو الشارع الأقدس من التخفيف على المكلفين والرأفة بهم، ولا شك في ان اعطاءهم مساحة واسعة من الحريّة في التحرك والأفعال وفي الحياة تناسب ذلك. [3]
ومن الأدلة التي استدلوا بها على البراءة الشرعية: الإجماع.
طبعا المراد هو الاجماع الحجّة وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع) [4] ، أي عن جعل شرعي من المولى، وهو يتصوّر على نحوين:
النحو الأول: دعوى اتفاق العلماء من اصوليين واخباريين، بل ومن أبناء العامّة، اتفاق على قبح العقاب بلا بيان على التكليف غير الواصل إلى المكلف.
وفيه: أولا: إن هذا الاتفاق غير ثابت، أي أن الصغرى غير ثابتة، فان هناك من ذهب إلى وجوب الاحتياط في المشكوك في الشبهة التحريمية المشكوكة، كمعظم الإخباريين أو وجوب الاحتياط مطلقا سواء كان في الشبهة التحريمية أم الوجوبية كالاسترآبادي (ره)، بل وبناء على مسلك حق الطاعة، او ما يسمى بتنجز الاحتمال عند السيد الشهيد الصدر (ره).
ثانيا: لو سلّم هذا الاتفاق، فإنه اتفاق على الكبرى، أي: "كل عقاب على غير الواصل قبيح"، أما الصغرى أي "هل المشكوك واصل"، فهو محل كلام، بل ان الاخباريين ادّعوا وصولها بطريقها، وذلك في روايات وجوب الاحتياط، أو بحكم العقل في العلم الإجمالي بوجود نصوص صحيحة صادرة، فتكون بيانا، إما مطلقا سواء كان في الشبهة الوجوبية أم التحريمية كما عليه المحدث الاسترآبادي، أم بخصوص التحريمية كما عليه معظم الاخباريين.
وبدون الاجماع على الصغرى لا يثبت الاجماع على أصل البراءة فينهار الدليل.
وثالثا: هذا الاجماع - لو تمّ – فهو على أمر عقلي لا حاجة للإجماع لثبوته، فلا يكون كاشفا عن رأي المعصوم (ع) ورأي المعصوم جعل شرعي وهو محل الكلام.
النحو الثاني: دعوى الاتفاق على ان الحكم الظاهري المجهول في موارد الجهل والشك بالأحكام الواقعية، عند عدم وصولها إلى المكلّف هو البراءة والاباحة والترخيص. وهذا الاجماع كاشف عن راي المعصوم (ع) أي عن حكم جعلي.
وفيه: الاشكال في الصغرى، فإن هذا الاتفاق لم يثبت، كيف وقد ذهب "الاخباريون" ومنهم من هم من أجلاء العلماء والكبار إلى ان الحكم الظاهري في الشبهة التحريمية هو الاحتياط.
النتيجة: ان الاجماع المدّعى ليس دليلا.
الدليل العقلي على البراءة:
ومن الأدلة على البراءة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، أي حكم العقل العملي، وهو حكم العقلاء بما هم عقلاء، وما حكم به العقل حكم به الشرع. وهذا الامر وجداني وفيه امر مهم وهو كيفية التخلص من التعارض بين قاعدتين عقليتين: العقل يقول بوجوب "دفع الضرر المحتمل"، وشككت في الضرر إذن يجب الاحتياط. والتناقض بين "قبح العقاب بلا بيان"، فكيف نتخلص من هذا التعارض؟