< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/12/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

 

     ومن الروايات التي استدل بها على أصل البراءة الشرعية حديث الحجب. السند معتبر.

     ملاحظتان: "ما" الموصولة لم تتكرر هنا، بخلاف حديث الرفع، ولا مانع من شمول الحديث الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية.

     اسناد الحجب إلى الله لا إلى الناس، فتخرج الرواية عن الاستدلال بها على اصل البراءة.

 

ومن الروايات التي استدل بها على أصل البراءة الشرعية حديث الحجب:

ما في الوسائل: ح 28 - الصدوق عن أحمد بن محمد بن يحيى (مقبول)، عن أبيه (ثقة)، عن أحمد بن محمد بن عيسى (ثقة) عن بن فضال (ثقة فطحي)، عن داود بن فرقد (ثقة)، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى ( الظاهر أنه الواسطي ثقة، وثقه النجاشي والعلامة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما حجب الله علمه عن العباد ، فهو موضوع عنهم. ورواه الكليني عن محمد بن يحيى والذي قبله عن الحسين بن محمد. [1]

من حيث السند: الرواية معتبرة، فان سند الكليني (ره) صحيح، وسند الصدوق فيه احمد بن محمد بن يحيى وهو ممن عملت الطائفة برواياته وعدّ العلامة وغيره احاديثه صحيحة، وهو يقتضي توثيقهم له، فهو مقبول.

لكن أيا من قواعد التوثيق التي ثبتت عندنا مثل قاعدة مشايخ الثقات لا تنطبق عليه، ولذا لم يوثق عندنا، والقرائن عبارة عن مؤيدات، تكفي إذا أدّت إلى اطمئنان.

وقبل الاستدلال بها ومحاكمتها نبيّن:

أن الحديث: "ما حَجب الله" أسند الحجب لله، أي ان الله عز وجل لا يريد ان يصل الحكم للمكلّف، ولم يرد" ما حُجِب علمه" أي أن الناس بسبب المشاكل والظالمين حجب.

فرق بين ما حُجب علمه وما حَجبه الله عز وجل، هذا الفرق توقف عنده الباحثون.

وأن اسم الموصول المبهم "ما" أي الذي حجب علمه عن العباد، لم يتكرر في هذه الرواية، بخلاف رواية حديث الرفع التي تكرر فيها: "ما" وتعلّق معظمها بالشبهات الموضوعية مما دفع البعض إلى توهم كون الرواية خاصة بالشبهات الموضوعية. وقلنا انه لا مانع ان تكون ما المتكررة بمعناها المبهم وتشمل الجميع.

 

فاسم الموصول "ما" في قوله (ع) "ما حُجِب" يشمل الشبهات الحكمية والموضوعية، ولا يقتضي هذا استعمال اللفظ في أكثر من معنى كي نذهب إلى دلالة الحديث على أحدهما فقط [2] : إما الحكمية وإما الموضوعية، لما ذكرناه سابقا من أن الموضوع له اسم الموصول "ما" والمستعمل فيه واحد، وهو مطلق المبهم المجهول، والشبهات الحكمية والموضوعية تطبيقات له. وتقريب الاستدلال بها: رفع آثار المحجوب بلسان رفع موضوعه، كما لو قلنا "لا علم بلا عمل" العلم واقعا موجود ورفعنا الآثار والاحكام، نوع من الحكومة.

إشكال: إن كلامنا في أصل البراءة هو فيما إذا كان عدم العلم بالحكم الواقعي مستندا إلى الناس والظروف والظالمين، بعبارة أخرى محل الكلام بسبب ما لو كان الجهل به بسبب العوامل الخارجية، لا من الله عز وجل.

أما في هذا الحديث فاستناد عدم الحكم فهو إلى الله، فيكون المراد أن الله أخفاه عن الناس لمصلحة. فيكون وزانه وزان قوله (ع) في الحديث الشريف: "اسكتوا عما سكت الله عنه".

وقد اجيب عن هذا الاشكال ببعض الأجوبة:

منها: أن هذه الرواية خاصة بالعقائد.

وفيه: انه تبرّع بلا دليل.

ومنها: انه تعالى يمكنه أن يطلب من الامام المهدي (عجل فرجه) بيان ما حجب علمه عن العباد بعد انقضاء زمن مصلحة الاخفاء أو التدرج في الاحكام. فليس كل الفروع بيّنت في زمن رسول الله (ص) ففي الآية الكريمة: "اليوم أكملت لكم دينكم" أي اكمل الدين بولاية علي (ع)، أي ان علي بن ابي طالب (ع) سيبيّن لكم هو وذريته من أهل البيت عليهم السلام ما خفي من الاحكام. ولذلك الشافعي وهو احد أئمة المذاهب الأربعة عند أبناء العامّة قال: "لولا عليّ ما عرفنا احكام البغاة" في القرآن ورد ذكر البغاة لكن لم يبيّن احكامهم هل حكمهم كحكم قتال الكافرين كاحكام الرق والغنائم وغيرها، القرآن لم يبين احكامهم بيّنها امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) في حرب الجمل.

لكن الانصاف أن الاحتمال المذكور للرواية بأن الحجب هو من الله لوجود مصلحة في الاخفاء، فلا يكون المكلّف مسؤولا عنه. هذا الاحتمال وارد، فلا تكون الرواية دليلا على أصل البراءة وتكون اجنبيّة عن المقام، وهو الشبهات الحكمية بعد الفحص وحجب علمها بسبب فعل الناس، والاحتمال يبطل الاستدلال.


[2] تذكير: نحن ذكرنا ايضا انه لا يجوز استعمال اللفظ في اكثر من معنى لانه لا يجوز الفناء مرتين واستعمال اللفظ بعد الوضع للمعنى فناء. والجواب على عدم جواز الاستعمال هو انه هناك فرقا بين التطبيق واللحاظ والاستعمال. الاستعمال عبارة عن فناء لا يمكن ان يفنى مرّة اخرى بعد استعماله فالفناء مرتين محال، والفناء الاعتباري كالفناء الحقيقي، اما في اللحاظ ككونه علامة لأمرين، فتعدد اللحاظ وتعدد التطبيق لا اشكال فيهما، نعم تعدد الفناء الذي يكون في الاستعمال لا يجوز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo