< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/12/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     هل تشمل البراءة العقلية التكاليف غير الإلزامية كالمستحب والمكروه؟

     لا شك في عدم الشمول لعدم العقاب على المخالفة فضلا عن الشك.

     هل تشمل البراءة الشرعية التكاليف غير الإلزامية كالمستحب والمكروه؟

     دليل من قال بالشمول إطلاق الحديث.

     التفريق بين التكاليف الاستقلالية والتكاليف الضمنية.

     دليل من قال بعدم الشمول كون الحديث واردا مورد المنّة.

     شمول المنّة للتكاليف الضمنية فضلا عن الاستقلالية.

 

التنبيه السابع: هل تشمل البراءة العقلية التكاليف غير الإلزامية كالمستحب والمكروه؟

أي هل يحكم العقل برفع غير الالزاميات.

البراءة العقلية دليلها قبح العقاب بلا بيان، أي حكم العقلاء.

لا شك أنها تشمل التكاليف الالزامية بالفعل أو الترك، ولا شك في عدم الشمول لغيرها كالمستحب والمكروه بل والمباح، والمباح له معنيان: تارة نفي التكليف لنفي المقتضي، وتارة الحكم بنفي التكليف لاقتضاء الاباحة.

فاذا شككنا في كون الشيء مستحبا أو مكروها فان البراءة العقلية لا تشمله، لان ملاكها قبح العقاب بلا بيان، ولا عقاب على ترك المستحب ولا على فعل المكروه المقطوع باستحبابه أو بكراهته، فما بالك بالمشكوك؟!. فموضوع البراءة العقلية منتف كليا في غير الالزاميات.

التنبيه الثامن: هل تشمل البراءة الشرعية - التي هي جعل شرعي، ينتج عنه العقاب او الثواب - التكاليف غير الإلزامية كالمستحب والمكروه؟

فهل يشمل حديث "رفع عن امتي ما لا يعلمون" جعل المستحب او المكروه؟

وقع الخلاف بين الأصوليين، وما يمكن أن يكون دليلا على الشمول هو إطلاق المرفوع في قوله (ع): "رفع عن امتي ما لا يعلمون"، المجعول من الشارع، هذا العموم يشمل التكاليف الإلزامية وغيرها وهذه هي البراءة.

إذن هناك فرق في البحث بين البراءة العقليّة، وبين البراءة الشرعية.

وفيه: أن هذا صحيح في التكاليف الاستقلالية كحرمة الخمر ووجوب أو الصلاة، وكما لو شككنا في استحباب الغسل عند السعي للنظر إلى المصلوب، أو عند قتل الوزغ أو غير ذلك من الاغسال التي ورد فيها روايات ضعيفة السند.

اما في التكاليف الضمنية كالشك في جزئية السورة في الصلاة المستحبة وبعبارة أخرى: المقدّمة الداخليّة، فلا وجود لحكم بالجزء، كما ذكرناه في بحث مقدمة الواجب من عدم وجوب المقدمة الداخلية، فالجزء لا يتصف بالوجوب لا بالوجوب الغيري ولا بالوجوب النفسي، نعم العقل يحكم بالإتيان بها عند الامتثال، وليس هناك جعل كي يشمله حديث الرفع، الجعل متعلّق بالكل وليس بالجزء، نظر الشارع إلى ذي المقدمة دون المقدمة التي ذكر في وجوبها الغيري الجعلي العديد من الاقوال.

بعبارة أخرى: هناك مقدمات داخلية وهناك مقدمات خارجية. المقدمات الداخلية تعني الأجزاء، والمقدمات الخارجية هي ما يتوقف عليه الشيء من خارج الماهية كالشرائط أو مقدمات الوجود.

وبهذا، فلو لم أأت بالجزء، أشك في الامتثال بالباقي، فلا يكون الامتثال بالباقي مجزيا، ولذا قلنا بوجوب الاحتياط في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين لعدم وجود جعل في رفع الجزء لعدم وجود جعل وجوبي لكي يشمله حديث الرفع. مثلا: الشك في الترتيب في غسل مطلوب، غسل الرأس أولا ثم الجزء الأيمن ثم الايسر، هذا شك في الشرط. هل وجوب الترتيب في الغسل عند الشك في الاشتراط يرفعه "رفع عن امتي ما لا يعلمون"؟ نعم لو قلنا بالوجوب يرتفع الترتيب.

اما لو قلنا بعدم الوجوب الغيري للشرط، يكون الوجوب الشرطي غير موجود فلا يشمله حديث الرفع وليس هناك مؤمّن، احتمال الترتيب يبقى موجودا، وعليه فيكون عند الاتيان بالغسل من دون ترتيب شك في الامتثال، لذا نذهب للاحتياط. نعم من استدل على البراءة بالاستصحاب يشمله حديث الرفع كما سيأتي.

وبهذا يظهر الخلل في ما ذكره السيد الخوئي (ره) حيث قال في المقام: "الوجوب التكليفي وإن لم يكن محتملا في المقام (أي الأجزاء والأمور الداخلية)، إلا ان الوجوب الشرطي – المترتب عليه عدم جواز الاتيان بالفاقد للشرط بداعي الأمر – مشكوك فيه، فصحّ رفعه ظاهرا بحديث الرفع". [1]

ووجه الخلل أنه لا يوجد وجوب شرطي ولا استحباب شرطي، لعدم وجوب المقدمة الداخلية وعدم جعل فيها سواء كان ذلك في الجزء أو الشرط.

الدليل الثاني على عدم شمول الحديث للمستحبات والمكروهات أي غير الالزاميات:

ما ذكرناه من أن الحديث وارد مورد المنّة، ولا شك في عدم شمول الحديث للتكاليف غير الإلزامية الاستقلالية، فليس من المنّة رفع المستحب ولا المكروه ولا المباح.

ولا يبعد ذلك في التكاليف الضمنية أيضا، فلو شككنا في اشتراط دعاء خاص في صلاة الغفيلة، أو نسينا هذا الدعاء، فهل نكون قد امتثلنا للأمر الإستحبابي بالإتيان بالصلاة الخالية منه؟

فالاشتراط قيد زائد، فكلما خففنا من القيود تكون المنّة أكثر. [2]

نقول: إن تمّ صدق العنوان على الخالي، طردنا الاشتراط بأصالة الاطلاق.

وإن لم يتمّ صدق العنوان عليه – وتحقيق ذلك يؤخذ من لسان الادلة على تشريع صلاة الغفيلة والمستفاد منها- فلا يبعد عدم الإجزاء، ولا شمول لحديث الرفع لهذه الحالة، أي حالة الشك في صدق العنوان، فلا بد من الاحتياط بالإتيان بالدعاء إن ارادنا امتثال الأمر الاستحبابي.

ومن الروايات التي استدل بها على أصل البراءة الشرعية حديث الحجب:

 

 


[2] اشار سماحة السيد الاستاذ: إلى أن تعقيد المعاملات وكثرتها في دولنا الغاية منها تعذيب وعرقلة أمور الناس. في زمن الاستعمار كانت تأخذ ضريبة مالية عن كل رأس من افراد العائلة إذلالا وتعذيبا لهم. فالتعذيب مقصد هؤلاء المشرعين كي لا يتفرغ المجتمع والناس لتطوير انفسهم، ففي العالم الثالث مئآت الملاين من الناس يجب ان يعذبوا كي لا يتفرغوا للأمور المهمّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo