< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     أصل البراءة في المجهول حكم ظاهري، وفي بقية الفقرات حكم واقعي ثانوي:

     ثمرة الفرق بين الرفع والدفع.

     في الحديث: المسند هو الرفع.

     الفرق بين الجهل والاضطرار.

     عند الجهل يكون الحكم ظاهريا، وعند الاضطرار يكون الحكم واقعيا ثانويا.

     إذا قلنا بالدفع ذهبنا إلى ان القاعدة هي الأجزاء.

     إذا قلنا بالرفع وكون الحكم ظاهريا ذهبنا إلى عدم الأجزاء إلا بدليل.

 

بعد إعداة التذكير لمثال الدفع والرفع بالوقاية والعلاج من المرض، نقول ان هناك ثمرة بالتفريق بين الدفع والرفع، في الدفع يكون الحكم من أساسه غير موجود لمنع المقتضي من تأثير أثره، أي يرتفع الحكم بالواقع وتكون ثمرته في الأجزاء وعدمه، فلا أداء في الوقت ولا قضاء في خارجه للواجبات.

وبهذا، عند الأصوليين لا بد من ذهاب إلى خلاف ما اجمعوا عليه من ان الخطأ في الامارات لا يؤدي إلى الإجزاء، نعم يكون المكلّف معذورا عن الله عز وجل، لكن الامارة لو أخطأت فيجب الإعادة في الوقت والقضاء خارج الوقت لكل الاعمال السابقة. أما في الرفع فلا يجزي.

اما نحن وقد ذهبنا إلى الرفع، لحل هذا الاشكال فصلنا بين ان تكون اعتبار الامارة من الشارع كما في حجية الاخذ بخبر الواحد، فالامارة تجزي لانه هو الذي يتحمّل المسؤولية، اما إذا كان جعل الامارة ليس من الشارع كما لو قطع المكلف وبان الخلاف، فهو الذي يتحمّل المسؤولية.

أصل البراءة في المجهول – أي الخطاب والنسيان وما لا يعلمون - حكم ظاهري، وفي بقية الفقرات حكم واقعي ثانوي:

فالخصال التسعة التي وردت في الرواية هناك فرق بينها: في "ما لا يعلمون والنسيان والخطأ" هذه الثلاث يمكن ان تكون في الشبهة الحكمية والموضوعية. ويكون أصل البراءة فيها حكم ظاهري.

والخصال الستة الأخرى: "الحسد والطيرة والاضطرار وما لا يطيقون وما اكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق" تكون الشبهات فقط موضوعية. والحكم فيها حكم واقعي، وعبّر عنه بالحكم الواقعي الثانوي. فمثلا: في الميتة هناك حكمان حكم واقعي اولي بتحريم أكل الميتة وحكم واقعي ثانوي بجواز أكل الميتة في حال الاضطرار.

طبعا لهذا التفريق ثمرة، وهي انه في الحكم الواقي الثانوي: عدم وجوب الإعادة ولا القضاء عند ارتفاع العذر.

اما في المجهول: فقوله (ع): "رفع عن امتي ما لا يعلمون" يحتمل فيه أمران:

الأول: ان يكون رفع الحكم واقعا أي ألغِيَ في عالم الانشاء، أي يرتفع الحكم في عالم الواقع، ويكون الحديث من قبيل بيان حكم الضدين الواقعيين، مثلا: "كل شيء ساكن حتى يتحرّك" فالسكون أمر واقعي قبل الحركة والحركة كذلك أمر واقعي بعد السكون.

قلنا ان هذا مرفوض لامرين: الأول انه يستلزم التصويب المجمع على بطلانه –ذكرنا اقسام التصويب في هامش درس سابق-.

الاحتمال الثاني: ان يكون رفع الحكم ظاهريا، أي في مرحلة الظاهر، وبذلك يكون الحكم في مرحلة الواقع محفوظا، وباعتبار انك لم تصل اليه ولم تعرفه، مجهول، فتجري اصل البراءة، كاجراء حكم اكل لحم الميتة الذي هو حكم في عالم الظاهر وليس في عالم الواقع.

والحمل الثاني هو المتعيّن وذلك لأدلة الاشتراك في الاحكام بين العالم والجاهل، فإذا قلنا بان رفع الحكم في عالم الواقع فيختلف حكم العالم والجاهل، فتختص الاحكام بخصوص العالم، اما الجاهل فليس له حكم. وهذا عندنا باطل اجماعا.

والثمرة في هذا التفريق مهمة وهي:

أننا إذا عثرنا على الدليل المثبت للتكليف بعد العمل بحديث الرفع، يستكشف به ثبوت الحكم الواقعي من أول الأمر، مثلا: إذا شككنا في جزئية السورة أو شرطية عدم الضحك أو الاكل في الصلاة، وبنينا على عدمها لحديث الرفع، ثم بان لنا الخلاف، ودلّ دليل على الجزئية أو الشرطية، فلا يجوز الاكتفاء بالفاقد من ناحية حديث الرفع الانه رفع في عالم الظاهر، فلا يؤدي إلى الاجزاء، بل لا بد من إلتماس دليل آخر كحديث: "لا تعاد الصلاة إلا من خمس" في خصوص الصلاة وكذا بعض روايات الحج اجمالا، أو القول بثبوت الإجزاء في الأمر الظاهري.

ومثال آخر: غسل الجمعة أو غسل ليلة القدر أو غسل زيارة الامام الحسين (ع) البعض قال انها تجزي عن الوضوء، وبعضهم قال انها لا تجزي عن الوضوء فإذا صلى المكلف صلاة بدون وضوء تقليدا لمن يقول بإجزاء الغسل عن الوضوء، مع العلم ان الطهارة شرط واقعي لصحة الصلاة، فصلاته ظاهرا صحيحة. لكن لو تبيّن الخطأ تجب الإعادة، وحديث الرفع لا ينفع هنا بالاكتفاء بالماضي، فلا يكفي في عدم وجوب الإعادة والقضاء.

وهذا بخلاف ما لو كان الحكم واقعيا -كبقية الفقرات الست كما سنرى- فان الرفع فيها واقعي، فلو ارتفع الاكراه أو الاضطرار مثلا، تبدل الحكم واقعا من حين الارتفاع لذلك سميّ بالحكم الواقعي الثانوي، ويجزي المأتي به حال الاضطرار أو الاكراه أو غيرهما.

والفرق بين الاضطرار والجهل:

قد يقال ما الفرق بين الاضطرار والجهل، خصوصا ان السياق واحد في حديث الرفع؟

فانه يقال: رفعُ " ما لا يعلمون" رفع الحكم في عالم الظاهر، اما رفع "ما اضطروا اليه" فهو رفع في عالم الواقع، الاضطرار يؤدي إلى حكم واقعي ثانوي، ولذلك الثمرة في ما لو ارتفع الاضطرار فلا يجب عليّ إعادة الماضي فلا يجب علّي القضاء.

والفرق بين الاضطرار والجهل: هو قاعدة الاشتراك، فان الاحكام مشتركة بين العالم والجاهل، وهذه قاعدة وجدانية ومسلّمة عند الجميع.

أما اشتراك الاحكام بين المختار والمضطر فلا دليل على وجود هكذا قاعدة، بل الدليل على خلافه، كما في الآيات والروايات التي يكون موضوعها العنوان الثانوي.

وهكذا باقي الفقرات، فلا دليل على اشتراك الاحكام بين المكره والمختار، ولا بين الذي يطيق الفعل ومن لا يطيق.

النتيجة: أصل البراءة رفع الحكم في مرحلة الظاهر وليس رفعها واقعا. ولذلك عبّر الاصوليون عن الحكم عند الشك بالحكم الظاهري، وعبّروا عن الحكم عند الاضطرار بالحكم الواقعي الثانوي مقابل الحكم الواقعي الأولي حال الاختيار.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo