< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     فقه الحديث: "رفع عن أمتي ما لا يعلمون".

     المراد رفع الأثر بلسان رفع موضوعه.

     "ما" اسم موصول يشمل كل الشبهات.

     الفرق بين الرفع والدفع كالفرق بين الوقاية والعلاج.

 

فقه الحديث: الظاهر أن المراد منه رفع الآثار بلسان رفع الموضوع، وذكرنا مثالا على ذلك: "لا علم الا بعمل" العلم موجود ونفيت آثار العلم بنفي موضوعه، ففي مثل: "رفع عن أمتي ما اضطروا اليه" ظاهره رفع نفس الإضطرار، وهو غير مقصود قطعا، لانه ليس بيد الشارع وضعه أو رفعه، فهو أمر خارجي، بل المراد رفع الآثار الشرعية ولوازمها. وهكذا بقية الفقرات، ومن الفقرات "ما لا يعلمون" فالمراد منه رفع الآثار الشرعية ولوازمها بلسان رفع الموضوع، فيكون المراد من الحديث هو: رفع الالزام الناشيء من الوجوب أو الحرمة ظاهرا عند الشك وليس رفع الحكم واقعا الموجود في عالم الانشاء، والا وقعنا في التصويب، ولم تعد الاحكام مشتركة بين العالم والجاهل. ورفع أثر الالزام العقلي وهو المؤاخذة أيضا، التي يستطيع المولى رفعها تفضلا.

ورفع المؤاخذة ورد صريحا في الحديث الثاني حين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفع عن أمتي أربع خصال: خطؤها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك قول الله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" وقوله: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان. [1]

طبّق الآية: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [2] فرفع المؤاخذة وان كان لازما عقليا إذ لا يقبح على المولى المؤاخذة عند المعصية، لكن بيد الشارع اسقاط الآثار تفضلا.

يقول الشيخ الآخوند (ره) في كفايته: " فالالزام المجهول "مما لا يعلمون"، فهو مرفوع فعلا وإن كان ثابتا واقعا، فلا مؤاخذة عليه قطعا ". [3]

بعبارة أخرى فكك الشيخ الآخوند (ره) بين عالمين: عالم الواقع في اللوح المحفوظ فالحكم موجود في عالم الانشاء، وثابت، لم يرتفع، وبين عالم الظاهر المشكوك الحكم مرفوع.

ومقصوده (ره) من الفعلية التي لها اصطلاحان: اصطلاح في علم المنطق وهو التحقق.

واصطلاح اصولي وهو إحدى مراحل الحكم الأربعة التي ذكرها بعضهم: الاقتضاء والانشاء والفعلية والتنجيز. فعند الانشاء وتحقق الموضوع وعدم المزاحم يصبح الحكم فعليا.

ليس مقصودة من الفعلية مراحل الحكم بل ما هو المطلوب في حال الشك وانعدام الكواشف.

وما المراد من الموصول المبهم "ما" في قوله (ع) "ما لا يعلمون"، المراد هو كل حكم مجهول سواء كان منشأ الجهل بالحكم وصوله إلى المكلف كما في الشبهات الحكمية أي الشك في جعل الحكم كالشك في نجاسة الفقاع أو حكم الدخان، في الواقع له حكم ولم يصلنا فيحصل الجهل لعدم الوصول، أو سبب الجهل بالحكم الأمور الخارجية كما في الشبهات المصداقية الموضوعية كالشك في أن هذا السائل الأحمر الخارجي هو دم أو عصير رمان أو ماء ملوّن.

ولذلك نقول ان المراد هو فقد الاحكام سواء كان شبهة حكمية أم شبهة موضوعية، حتى وان قال بعضهم ان المراد هو الشبهة الموضوعية المصداقية فقط، لان هناك فقرات خاصّة بالموضوعات كالاضطرار والاكراه والحسد والوسوسة في الخلق، فلجعل السياق واحدا بين ما كان في الاحكام وبين ما كان في الموضوعات فلنجعلها كلها في الموضوعات، وإلا اصبح من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى.

جوابنا: ان هذا ليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل من باب التطبيقات، وذكرنا مثالا على ذلك: ان فلان يرثه أبناؤه، منهم من يرث المال ومنهم من يرث الأرض، ومنهم من يرث العقار إلى غير ذلك مما يملك، فلا يكون لفظ الإرث استعمال لفظ في أكثر من معنى، بل اختلفت تطبيقاته، فلا اشكال فلذلك نقول ان المراد من"ما" مطلق الالزام المجهول وهو برفع الأثر بلسان رفع موضوعه.

تنبيه: وردت أبحاث متعددة في فقه الحديث، من قبيل الغاية من التعبير بالرفع دون الدفع، وغيرها، والاشكالات على ذلك، ونشير إلى بعض ذلك:

الفرق بين الرفع والدفع:

الرفع: هو إعدام الأمر الثابت.

الدفع: هو منع الأمر من الثبوت والوجود، وبعبارة أخرى: منع المقتضي من والتأثير.

ذهب النائيني (ره) - إلى موضوع فلسفي لغوي-: إلى عدم الفرق بينهما: من أن الأشياء ثلاثة: اما واجب الوجود واما ممكن الوجود الذي هو من باب سلب الضرورتين: الوجوب والامتناع، واما ممتنع الوجود: والممكن كما يحتاج إلى المؤثر في حدوثه كذلك يحتاج إليه في بقائه، وأن مجرد الحدوث لا يكفي في البقاء بحيث يكون البقاء غنيا عن المؤثر، إذ الممكن لا ينقلب إلى الواجب بعد حدوثه، بل باق على إمكانه، وإلا لو استغنى الممكن بعد حدوثه عن العلّة للاستمرار لأصبح واجب الوجود، وعليه فرفعه هو منع تأثر المقتضي للبقاء، وهذا هو الدفع. لذلك لا فرق بين الدفع والرفع.

وهذا بحث فلسفي لا ينفعنا في المقام، فقد بيّنا أن المراد رفع الآثار بلسان رفع الموضوع فما كان من الآثار للحكم المجهول الثابت في عالم الانشاء الذي لو صار فعليا لثبتت هذه الآثار فهو مرفوع، فلا شك ان هناك فرق بين الدفع والرفع. وكمثال تقريبي: الوقاية دفع والعلاج رفع للمرض. وقد اشتهر المثال الشعبي الطبي: "درهم وقاية خير من قنطار علاج". فالوقاية منع حصول المرض من أساسه، فهو دفع، والعلاج إزالة المرض بعد حصوله فهو رفع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo