< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية/البراءة/

 

     من إشكالات الحر العاملي (ره) على دلالة رواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي"، بعد عرض ما ذكر امس من الإشكالات مختصرا.

     اختصاصها بالموضوعات دون الاحكام، وفيه: انه لا دليل على هذا التخصيص مع ظهور اللفظ بالعموم.

     النهي يشمل النهي العام والنهي الخاص، وقد ورد النهي العام في روايات وجول الاحتياط، وهذا يكفي لرفع التعارض.

     جوابه: روايات الاحتياط لا تشمل المشكوك، بل خاصة بالمعلوم حرمته أو وجوبه.

     ان هذه الرواية مختصة بما قبل تمام الشريعة، وجوابه.

     هذه الرواية مختصة بما تبلغه احاديث النهي، وجوابه. هذه الرواية مختصة بما علمت اباحته وشك في تحريمه، وجوابه.

 

نعود لبعض الإشكالات التي ذكرها الحرّ العاملي (ره) [1] : الذي كان يقول بالاحتياط بالشبهة التحريمية، -كونه كان اخباريا حسب التصنيف الذي لا نعترف به-، فأنه عندما وجد أن الرواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى". [2] وهي واضحة في البراءة وليس في الاحتياط، وأن ادلة الاحتياط في الشبهة التحريمية تعارضها في الظاهر ادلة روايات البراءة، كرواية: "اخوك دينك فاحتط لدينك" هذا دليل على الاحتياط، ومقابلها رواية: "رفع عن امتي ما لا يعلمون" والرواية السابقة وامثالها.

حاول الحر العاملي (ره) رفع التعارض ببعض الوجوه، منها: ان الرواية وردت تقيّة، ومنها: انها خاصّة بالخطابات الشرعية وليست عامة. وكان الجواب ان هذا من باب تقديم الخاص على العام، وكأن هذه الروايات ترشد إلى ما عند الناس كيف يتعاملون بلغاتهم وهو تقديم الخاص على العام، خصوصا ان الأمثلة التي أعطاها كذلك أي من باب تقديم الخاص على العام.

وكان جوابنا بالنتيجة ان هذه الروايات ليست ناظرة لتقديم الخاص على العام، الكلام في الأصل العملي عن الشك.

ومن الوجوه التي ذكرها أن أيضا ان بيان الرواية هو لما قبل تمام التشريع وكماله.

والجواب: هذا حمل بلا دليل.

ومنها: إنها تختص بالموضوعات دون الاحكام، كما إذا شك في جوائز الظالم أنها مغصوبة أو لا.

كما ورد ذلك في بعض الروايات في سؤال الامام (ع) عن حليّة مال الوالي الظالم، الذي ليس كل أمواله حلالا أو حراما، كان جواب الامام: لك المهنأ وعليه الوزر. السؤال كان عن الموضوع وليس عن الحكم.

والجواب: أن هذا الوجه ممكن محتمل لكن عند حمل شيء على معنى غير ظاهر فيه نحتاج للدليل، وهنا حمل الرواية على الموضوعات دون الاحكام، أين الدليل؟ الرواية مطلقة تشمل كل شيء مجهول.

ومنها: أن النهي يشمل النهي العام والخاص، والنهي العام وصلنا وهو النهي عن ارتكاب الشبهات في نفس الاحكام، والأمر بالتوقف والاحتياط فيها وفي ما لا نص فيه. كرواية: "اخوك دينك فاحتط لدينك" و رواية "قف عند الشك فان الوقوف عند الشبهات...." وهذا نهي عام وهو يشمل هذه الحالة، مثلا: إذا شككت في عرق الجنب من الحرام نجس أو طاهر؟ بذاته مشكوك، تارة يأتي رواية فيه بالخصوص، وتارة تأتي رواية باجتنابه بشكل عام، من قبيل رواية: "اخوك دينك فاحتط لدينك" أي قف عند الشبهة، وإذا كان عاما فهذا يكفي للجم ورفع اطلاق رواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي"، فالنهي الوارد ليس من الضروري أن يكون بخصوصه بل يكفي ان يرد بشكل عام. ولعلّ هذا الوجه افضل الوجوه التي ذكرها الحر العاملي (ره) في مقام الردود.

لكن قلنا: سنبيّن روايات الاحتياط وكيف نرفع التعارض بين روايات البراءة وروايات الاحتياط، ملخصا قلنا ان روايات الاحتياط لا تدل على وجوب الاحتياط عند الشبهة، لا تدل على الحرمة، مثلا: "خذ الحائطة لدينك" تعني ان تجعل لحفظ دينك حائطا وسورا تحفظه به لأنه حياتك، أما الشيء الذي لا تعلم انه دين فلا يضمه هذا السور وهذا الحائط، لان الاحكام تابعة لعناوينها، والمشكوك لم يثبت كونه دينا فلا تكون الرواية دليلا لوجوب تجنب الشبهات في المشكوك انه من الدين.

وفيه: أننا قلنا بأن روايات التوقف عند الشبهة لا تدّ على حرمة المشتبه.

ومنها: أن يكون مخصوصا بما قبل كمال الشريعة وتمامها، فأما بعد ذلك فلم يبق شيء على حكم البراءة الاصلية. أي ان الاطلاق في الرواية خاص بزمن النبي والائمة (ع) ، لكن ما الدليل، ورد أن "حلال محمد حلال إلى يوم القامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة"، فالحمل على ما حملوا عليه حمل تبرعي لا دليل عليه.

وفيه: أنه لا دليل على التخصيص، فالشريعة والروايات ليست خاصة بزمن نزولها على النبي (ص) وآية: "اليوم اتممت لكم دينكم" ليس معناها انه تمّت التشريعات، بل معناها أكملت لكم دينكم بولاية على بن ابي طالب (ع) الذي سيبيّن ما تبقى من التشريعات في زمن الأئمة (ع). والدليل على ذلك ان التشريع لم ينته بوفاة النبي (ص)، فنفس الشافعي وهو من كبار أبناء العامة كان يقول: "لولا علي ما عرفنا أحكم البغاة"، ذلك في معركة الجمل مع عائشة. إذن احكام البغاة لم تنزل في زمن النبي (ص)، أي ان زمن التشريع مستمر إلى آخر زمن الأئمة (ع). فأمير المؤمنين علي (ع) كان يقول: "علمي رسول الله (ص) الف باب من العلم ينفتح لي من كل باب الف باب"، وهذا بالطبع شريعة الله عز وجل لان محمد (ص) نبي الله وهو الرسول.

ومنها: أن يكون مخصوصا بمن لم تبلغه أحاديث النهي عن ارتكاب الشبهات والأمر بالاحتياط لما مرّ، ولاستحالة تكليف الغافل عقلا ونقلا.

وفيه: حتى لو خصصنا بما لم تبلغه، تبقى الروايات على تعارضها.

ومنها: أن يكون مخصوصا بما لا يحتمل التحريم، بل خصوص ما علمته إباحته وحصل الشك في وجوبه.

وفيه: ان لا دليل على هذا التخصيص.

ومنها: أن يكون مخصوصا بالأشياء المهمّة التي تعمّ البلوى بها [3] ، ويعلم أنه لو كان فيها حكم مخالف للأصل لنقل، كما يفهم من قول علي (ع): "واعلم يا بني أنه لو كان إلها آخر لأتتك رسله، ولرأيت آثار مملكته"، وقد صرّح بذلك المحقق في المعتبر وغيره (أي لو كان بيان).

إلى هنا ننتهي من الرواية التي عبّر عنها الشيخ الانصاري انها اظهر الروايات الدالة على البراءة في الشبهة التحريمية، لانها اخص من غيرها، من باب تقديم الخاص على العام.


[1] اكرر انما ذكرت اشكالات الحر العاملي (ره) في الوسائل لمعرفة الذهني ونمط التفكير بين المحقق الاصولي وبين المرتبط بكيفية رؤية الحديث.
[3] ذكرنا سابقا رأينا في الشروط في عقد النكاح، ونقول ان الشرط بيني عليه العقد، فلها أو له حق الفسخ عند التخلف وعدم الالتزام كبقية العقود، رغم انه لا احد من الفقهاء يقول بحق الفسخ في هذه المسألة ويجمعون انه يأثم فقط لعدم الوفاء بالشرط.واحد الاشكالات المهمّة على رأينا انه لو كان لبان، فلا تجد ولا رواية رودت على الأئمة (ع) في الجواب على هذه المسألة رغم ان المسألة شائعة. والمشكلة عندنا ان هناك اجماع من الصعب مخالفته وانه لم ترد ايّة رواية. جوابنا أن الكثير من الروايات قد اندثر ولم تصلنا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo