< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

 

     إشكال الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية على رواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" ، باحتمال كون المراد من الورود هو الصدور، فيكون من قبيل جعل احد الضدين حدا للآخر.

     اشكال النائيني (ره) على الرواية من انها واردة لبيان عدم الحرج فبل التشريع.

     اشكال صاحب الوسائل (ره): الأول: ورودها مورد التقيّة، وجوابه.

الثاني: انها مختصّة بالخطابات الشرعية، وجوابه.

 

نعود للكلام في رواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى". [1]

ومن الإشكالات على هذه الرواية: ما ذكره صاحب الكفاية (ره): من احتمال أن يكون المراد من الورود هو الصدور من الله عز وجل، أي يدل على حكم واقعي في المشكوك، لا الوصول إلى المكلّف، فيكون المعنى "كل شيء مطلق" واقعا حتى يجعل فيه حرمة، الكلام في عالم الانشاء عالم الواقع، من قبيل جعل أحد الضدين حدا للآخر كما لو قلت: "كل شيء ساكن حتى يتحرّك"، فعند المقابلة بين الضدين لا يكون التحرك والسكون في عالم الظاهر، فأقول هو ساكن واقعا إلى ان يتحرّك واقعا.

فتكون الرواية دالة على عدم الحكم في عالم الواقع وليس في عالم الظاهر وهو ما نبحث فيه، أي الوظيفة العمليّة عند الشك.

فيكون هناك وجهان محتملان، أي مفادان محتملان للرواية: الأول: الحكم الواقعي للمجهول هو البراءة، وليس الحكم الظاهري من قبيل: "كل شيء ساكن حتى يتحرك" كما ذكرنا. وحينئذ تكون الرواية أجنبيّة عما نحن فيه، فأن أصل البراءة معناه إثبات حكم ظاهري عند الشك في الحكم الواقعي، لا اثبات حكم واقعي عند الشك، من دون نظر إلى عالم الواقع.

الوجه الثاني المحتمل: حكم ظاهري عند الشك، فتكون دليلا على اصل البراءة.

اما في الحكم الاضطراري وحكم الاكراه وبقية فقرات حديث الرفع، فان الحديث ينشئ حكما واقعيا ثانويا، بخلاف حال الجهل فانه ينشئ حكما ظاهريا.

وقد يستدل على أن المراد من الورود هو الصدور لا الوصول، بصدق الورود بمجرّد نزول الوحي على النبي (ص) وإن لم يصل إلى المكلّف.

وهو كما ترى، فليس هذا هو معنى الورود، إذا ما فائدة أن ينزل الوحي ولم يعلم به المكلّف، وأن يقول الصادق (ع): "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" مع العلم انه بيان لكل الناس.

ولذا فالإنصاف أن الرواية تدّل على أصل البراءة، إلا أن الذي يهوّن الخطب هو أن الرواية مرسلة. [2]

ومن الاشكالات على دلالة الرواية ما ذكره النائيني (ره): من أن مفاد الرواية هو اللا حرجية العقليّة الاصلية قبل الشريعة، فتكون أيضا اجنبية عن محل الكلام.

ولا بأس بذكر بعض الإشكالات التي ذكرها الحرّ العاملي (ره) [3] : الذي كان يقول بالاحتياط بالشبهة التحريمية، -كونه كان اخباريا-، فأنه عندما وجد أن الرواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى". [4] وهي واضحة في البراءة وليس في الاحتياط، إذن هناك تعارض بين رواية البراءة وروايات الاحتياط التي عمل بها وتبناها في الشبهة التحريمية، كرواية: "اخوك دينك فاحتط لدينك".

حاول تخريج التعارض ببعض الاوجه:

منها: الحمل على التقيّة، فأن العامة يقولون بحجيّة أصل البراءة، فيضعف عن مقاومة ما سبق من الروايات الدالة على وجوب الاحتياط. مضافا إلى كونها خبر واحد لا يعارض المتواتر.

وفيه: أننا سنبين لاحقا في بحث الاحتياط عدم التعارض بين روايات الاحتياط وروايات البراءة.

وملخّص ما سنبيّن لاحقا أن روايات الاحتياط تدّل على حسنه عقلا وشرعا لكونه طريقا إلى عدم الوقوع في المحرّمات، لا أن ارتكاب المشتبه محرّم بحدّ ذاته. ففي الحديث:" خذ الحائط لدينك" بعد ان تعلم انه من دينك، فالأشياء التي لم يعلم انها من الدين لا داعي للاحتياط فيها، فالأحكام تابعة لعناوينها، فالمشكوك ليس من المعلوم أنه من الدين.

ومنها: الحمل على الخطاب الشرعي خاصة -أي الالسنة الشرعية فقط- يعني أن كل شيء من الخطابات الشرعية يتعيّن حمله على إطلاقه وعمومه حتى يرد فيه نهي يخصّ بعض الأفراد ويخرجه من الاطلاق، مثاله: قولهم: "كل ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر"، فإنه محمول على إطلاقه، فلما ورد النهي عن استعمال كل واحد من الاناءين إذا نجس أحدهما والامر بإهراقهما -علم اجمالي بنجاسة احد الاناءين- لمّا ورد هذا النص بالإهراق خصص نص: "كل شيء لك طاهر" فلم يخصص أصل البراءة. ففي حال الشك تخصص الخطابات الشرعية، عبارة عن اطلاق وتخصيص واشتبها تعيّن تقييده يغير هذه الصورة.

وجوابنا: أن كلامنا في الوظيفة العمليّة بغض النظر عن الخطابات الشرعية أو غيرها من الالفاظ الشرعية، فلو فرضنا ان هناك سيرة عقلائية على الحليّة وأقرها الشارع، أو أنه هناك اصالة البراءة، واصالة الاحتياط، أو الاستصحاب في الشبهة الحكميّة، أو ثبوت الحكم بالملازمات العقليّة، وغير ذلك، ماذا يقول حينئذ صاحب الوسائل (ره)، هل يقدم السيرة وغيرها من الأصالات أو لا؟ فلماذا هذا التخصيص بالخطابات الشرعية فقط؟

وبالحمل على الخطابات الشرعية استدل الصدوق (ره) على جواز القنوت بالفارسية، لأن الأوامر بالقنوت مطلقة عامّة ولم يرد نهي عن القنوت بالفارسية يخرجه من اطلاقها.

جوابنا ان هذه قاعدة لفظية، فتمسك بالإطلاق عند انطباق العنوان، وتكون امارة كاشفة وليست أصل البراءة.

فالحر العاملي (ره) جعل هذه الاحاديث الواردة: "رفع عن امتي ما لا يعلمون" و "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" كلها من باب الاطلاق والتقييد، ولا علاقة لها بأصل البراءة.

وفيه: أن عبارة عن أصالة الظهور في الاطلاق، أي الاطلاق اللفظي والتقييد، فيكون إرشادا لما عند العقلاء في لغتهم. فيا صاحب الوسائل انت حملت الروايات على الاطلاق والتقييد، فأصالة الظهور والاطلاق موجودة عند الناس، فهل هذا هو المراد من الروايات؟ هل الروايات "كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهي" تقول ان اصالة الظهور هي المحكّمة؟

ثم إنه ما الدليل على تخصيص الرواية بالخطابات اللفظية الشرعية.

نقول: أن هذا الحمل مستبعد لعدم ظهور الرواية في ذلك.

 


[2] اما القول بالترجيح بالمضمون في الروايات المرسلة وغيرها نحن لا نقول به اجمالا، وكون الرواية تتوافق مع الروايات أو القواعد لا يدل على صدورها، نعم يدل على صحة المضمون، وليس كل مضمون صحيح يكون صادرا أو راويه ثقة، يمكن ان يقال ان الرواية تصلح للتأييد. لذلك في الترجحات السند هو الاهم، نعم المضمون ينفعنا في: "ما خالف قول ربنا لم نقله زخرف.. " أي ينفع في مقام الاسقاط أو التعارض. ونحن نرى ان الروايات من قبيل ادعاء التوسيع بلحاظ حكم معين، فصار الحلال ما يشمل ما نعلم بحليته وما نشك في حليته. كما في نفي المجاز في استعمال لفظ "زيد اسد" بناء مذهب السكاكي بان هذا الاستعمال حقيقي ادعائي، بمعنى توسيع معنى كلمة اسد لتشمل الرجل الشجاع، ثم يحمل، ولذا كان الحمل حقيقيا، ولكنه ادعائي من جهة المحمول.
[3] انما ذكرت اشكالات الحر العاملي (ره) في الوسائل لمعرفة الذهني ونمط التفكير بين المحقق الاصولي وبين المرتبط بكيفية رؤية الحديث.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo