< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     الجواب على الآيات التي استدل بها على أصل البراءة.

     الروايات التي استدل بها على اصل البراءة.

     الاستدلال برواية: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى".

     الشيخ الانصاري (ره) يقول انها اظهر روايات البراءة، والوجه في ذلك.

     إشكال صاحب الكفاية (ره) على الرواية.

 

ومن الآيات التي استدل بها على أصل البراءة، قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [1] ، وتقريب الاستدلال بها انه انيط الاضلال ببيان ما يتقون، فاذا لم يبيّن ليس هناك اضلال، وغير الواصل والمجهول ليس بيانا.

وقد نوقشت هذه الدلالة بأن بيان ما يتقون يصدق بمجرّد بيانه للجميع فان بيّن للناس يكون قد بيّن، وان لم يصل إلى شخص خاص منهم، وليس من الضروري ان يبيّن لكل فرد فرد، وهذا يكفي في البيان.

وعليه، فلا يتمّ دلالة الآية على نفي العذاب عن مثل هذا الشخص الجاهل.

والجواب: إن وصول التكليف للآخرين لا يعني وصوله إلى الشخص الجاهل، والعذاب حينئذ من مصاديق الظلم القبيح، ومن مصاديق الظلم أخذ الفرد بالمجموعة.

ولكن الانصاف أن الآية ليست واضحة في الدلالة على أصل البراءة، بل يحتمل ان تكون أجنبيّة عما نحن فيه، إذ يحتمل أن المراد من الآية أن الله يمتحن الإنسان بعد الهداية، وفي نفس الوقت يبيّن سبيل الثبات على الحق، فالكلام في مسألة تبليغية وليس في مسألة رفع الحكم، وقبح العقاب بلا بيان، ليس هذا المراد من بيان الآية. فهذا أجنبي عن أصل البراءة.

الاستدلال على البراءة الشرعية بالروايات:

استدل بروايات عديدة على البراءة وهي العمدة في الاستدلال، وهي التي نأخذ منها فروع أصل البراءة .

منها: ما في الوسائل: ح 60 - محمد بن علي بن الحسين قال: قال الصادق عليه السلام: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى. [2]

من حيث السند: الرواية من مرسلات الصدوق (ره) التي هي على قسمين: قسم يقول روي عن الصادق (ع)، وظاهر هذا التعبير انه لا يتبناها، وقسم يقول قال الصادق (ع) وهذا يعطي سندها نوعا من تبني الصدور بها.

ومع ذلك ذكرنا في كتابنا "الوجيز في علم الرجال" ان مرسلات الصدوق (ره) عندنا ليست حجّة، فإننا لا نبني في كلا القسمين، وان كان القسم الثاني أقوى لان الصدوق هو شيخ المحدثين، ولقرب عهده، فتبنيه هل يعتبر دليلا واعتبارا؟

هناك من اعتبر مرسلات الصدوق وكثيرون قالوا انه إذا قال قال: رسول الله (ص)أو قال: الصادق (ع) هذا تبنٍّ من الصدوق (ره) للمرسلة. قلنا ان كل هذه مؤيدات لا نتبناها وليست دليلا على الاعتبار، لان الصدوق نفسه قد روى في كتاب "من لا يحضره الفقيه" من الروايات الضعيفة السند التي لا نعتبرها، والتي اسقطها بعض الفقهاء، بالرغم ان الصدوق (ره) يقول: " قد اخذت هذه الروايات من كتب عليها المعوّل واليها المرجع " أي ان الكتب برأيه معمول بها، وهذا لا يعني ان نلتزم ونعمل بها تفصيلا، نعم في الكتب المحترمة إجمالا..

وتقريب الاستدلال بها على أصل البراءة: فقد يقال: إن الاطلاق يساوق السعة والتأمين من العذاب، والشك يصدق بشأنه أنه لم يرده النهي، فيكون مؤمنا عن التكليف المشكوك، وهو المطلوب.

ملاحظة: أننا نتكلم هنا في تأمين العقاب، ورفع الحكم. يأتي السؤال: ما هو أصل البراءة؟ هل هو رفع الحكم المجهول في عالم الظاهر عند الشك، او عند العقاب، بتعبير آخر: هل الكلام في اللازم أو في الملزوم؟

فعندما يقال: "قبح العقاب بلا بيان" و "رفع الضرر المحتمل" يكون الكلام في اللازم في العقاب والثواب. اما عند القول: "رفع عن امتي ما لا يعلمون" الكلام في رفع الحكم والمؤاخذة.

فالإطلاق يساوق السعّة والتأمين والشاك يصدق بشأنه انه لم يرده النهي فيكون مؤمنا، فمع الشك في الحكم يعني أنه لم يرده فأنا في اطلاق، أي حر مؤمن، وهذا هو اصل البراءة.

وقد وردت عدة ردود على هذا الاستدلال، منها:

أن الرواية مختصة بالشبهة التحريمية، فلا نستطيع الاستدلال بها على البراءة في الشبهة الوجوبيّة.

وفيه: لو سلمنا باختصاصها بالشبهة التحريمية بالاقتصار على اللفظ، فلا مانع من الاستدلال على البراءة حينئذ أيضا في الوجوبية، بضميمة أن الأصحاب قد اجمعوا على البراءة في الشبهة الوجوبيّة بما فيهم الاخباريون، عدا المحدّث الاسترآبادي (ره) فإنه المتفرد من بين الاخباريين بوجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة، فتكون اصالة البراءة شاملة للشبهتين الوجوبية والتحريمية.

وتمتاز هذه الرواية عن بقيّة الروايات المستدل بها على أصالة البراءة بأنها أخصّ من روايات الاحتياط، "اخوك دينك فاحتط لدينك" فإن روايات وجوب الاحتياط تشمل الشبهات الوجوبية والتحريمية، وهذه تشمل التحريمية فقط، فتقدم من باب تقديم الخاص على العام، ولذلك ذكر شيخنا الانصاري (ره) في الرسائل "فرائد الأصول" أنها أظهر روايات الباب في الدلالة على البراءة.

ومن الإشكالات على هذه الرواية: ما ذكره صاحب الكفاية (ره): من احتمال أن يكون المراد من الورود هو الصدور من الله عز وجل، لا الوصول إلى المكلّف، فيكون المعنى "كل شيء مطلق" واقعا حتى يجعل فيه حرمة، الكلام في عالم الانشاء عالم الواقع، من قبيل جعل أحد الضدين حدا للآخر كما لو قلت: "كل شيء ساكن حتى يتحرّك"، فتكون الرواية دالة على عدم الحكم في عالم الواقع وليس في عالم الظاهر الذي نحن فيه عند الشك.

وحينئذ تكون الرواية اجنبيّة عما نحن فيه، فأن أصل البراءة معناه إثبات حكم ظاهري عند الشك في الحكم الواقعي من دون نظر إلى عالم الواقع.

قلنا ان الأصل العملي هو وظائف عمليّة، الأصول بحث عن كواشف فان لم نجد بحث عن وظائف. والوظيفة العمليّة تكون عند الشك أي في عالم الظاهر، أما أن نبحث في عالم الواقع فهو ليس من أصل البراءة.

ومن ناحية أخرى للإمام (ع) له الحق ان يتحدث عن الواقعيات فقوله: "كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" يعني في عالم الوقائع، وحينئذ هذه الرواية تدل على رفع الحكم واقعا، وليس في عالم الظاهر والوظيفة العملية عند الشك، حينئذ نكرر تكون اجنبية عما نحن فيه. تكون من قبيل جعل أحد الضدين حدا للآخر كما لو قلت: "كل شيء ساكن حتى يتحرّك"، فتكون الرواية دالة على عدم الحكم في عالم الواقع، وليس في عالم الظاهر الذي نتكلم فيه عند الشك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo