< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

     أصالة الاحتياط عقلا لها مسلكان: مسلك حكم العقل العملي بلزوم دفع الضرر المحتمل، ومسلك حق الطاعة للسيد الشهيد الصدر (ره).

     نقاش مسلك حق الطاعة، وهو مبحث كلامي انتقل فيه السيد الشهيد الصدر (ره) من صفات الله إلى اثبات منجزية الاحتمال وعدم قبح العقاب بلا بيان.

     النقاش: كما للخالق حق الطاعة كذلك للمخلوق حق الرحمة وقد وصف الله نفسه بانه ارحم الراحمين.

     ليس من الرحمة العقاب على المجهول.

 

تمهيد: الكلام في ان الأصل العملي العقلي هل هو "قبح العقاب بلا بيان" أو الاشتغال والاحتياط، ما يسمّى بمسلك حق الطاعة. فالأصل العملي العقلي هو الاحتياط من باب دفع الضرر المحتمل، والسيد الشهيد الصدر (ره) خرجه بعنوان مسلك حق الطاعة، أي ان الأساس هو حق الطاعة ويلزمه الاشتغال.

بتعبير أوضح لبيان الفرق بين القولين: من قال ان اصل البراءة العقليّة "قبح العقاب بلا بيان" كان التركيز على العقاب أو رفع الحكم الشرعي، أما الذين قالوا بالاشتغال قالوا أن أصل الاحتياط نتيجة وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا.

فايهما مقدم على الاخر؟ هل رفع العقاب مقدم على دفع الضرر؟ لذا وقع التنافي، لان دفع الضرر المحتمل يؤدي إلى وجوب الاحتياط.

اما السيد السهيد (ره) فقد ارجع المسألة إلى المناشئ بالسؤال: هل يجب حق الطاعة للمولى؟

بلا شك انه يجب، وكلّما كبر وعظم المولى كلما عظم حق طاعته. في المولى العادي الأمور المعلومة يجب طاعته فيها، وإذا كان المولى هو الأعظم في الكون هو الله عز وجل يصبح حق الطاعة أوسع واعظم فيشمل كل الاحكام المعلومة - وهي القدر المتيقن-، والمظنونة والمشكوكة بل والموهومة إلا في حالة كون الشيء قليل الاهمية. السيد الشهيد (ره) انطلق من حق الطاعة حتى يثبت وجوب الاحتياط، فصارت اصالة الاحتياط باللازم. أي انه انطلق بالأساس من فكر عقائدي، وليس من الاحكام من ثبوت حكم ورفع الحكم، ولا من العقاب والثواب، انطلق من صفات الله عز وجل حتى يصل لأصل الاشتغال.

أذن ذهب السيد الشهيد الصدر (ره) حينئذ إلى أن العقل يدرك أن للمولى على الإنسان حق الطاعة في التكاليف المعلومة والتكاليف المحتملة، لأنه كلما عظم المولى عظم الحق فصار يشمل حتى التكاليف المجهولة وهذا بالوجدان، ما لم يثبت بدليل أن المولى لا يهتم بالتكليف المحتمل إلى الدرجة التي تدعو إلى عدم إلزام المكلّف بالاحتياط، فالاحتياط واجب عقلا في موارد الشك. ويعتبر ما ذهب اليه السيد الشهيد (ره) من مسلك حق الطاعة من منجزاته وابتكاراته، لان اصالة الاحتياط لم يعبّر عنها بمسلك حق الطاعة قبله على حدّ علمي.

السيد الشهيد وصل إلى اصالة الاشتغال عن طريق حق الطاعة لا عن طريق دفع الضرر المحتمل الواجب عقلا. فصار لأصالة الاشتغال العقلي طريقان: اما دفع الضرر المحتمل الواجب عقلا، وهذا ما عليه بعض القدماء الذين قالوا بالاحتياط، وهذا أيضا ما عليه الاخباريين. وأما حق الطاعة.

وإذا كان حق الطاعة يشمل التكاليف المشكوكة فلا يكون عقاب الله للمكلّف إذا خالفها قبيحا، لأنه بمخالفتها يكون قد فرّط في حق مولاه فيستحق العقاب، فلا تجري قاعدة "قبح العقاب بلا بيان" لان حق المولى بالطاعة الذي يستلزم تنجيز الاحكام المحتملة مبتن لوجوب الاحتياط الذي يلزمه الالتزام بالتكاليف المشكوكة والمحتملة المظنونة.

وأما ما استشهد به من سيرة العقلاء فلا دلالة له في المقام، لأنه إنما يثبت أن حق الطاعة في الموالي العرفيين يختصّ بالتكاليف المعلومة، وهذا لا يستلزم أن يكون حق الطاعة لله تعالى فقط في المعلوم لأنه أعظم، فلا بد من التفكيك بين الحقين والالتزام بأن أحدهما أوسع من الآخر. فالقاعدة الاوليّة العقلية هي الاحتياط.

إذن نستفيد أولا انه ليس هناك اجماع على ان اصالة البراءة مسلّمة عقلا، ثانيا: ان الأساس لحق الطاعة كلامي عقائدي يلزم منه وجوب الاحتياط.

وخلاصة كلام السيد الشهيد (ره): أن حق الطاعة كلي مشكك بحسب المولى، فان كان المولى عرفيا صغيرا يكون حقّه على قدره، فان عظُم عظُم حق الطاعة عنده وقدره، فإذا وصل إلى الخالق عظم أكثر. وأن قبح العقاب بلا بيان هو في الأحكام المحتملة، ولصغر الموالي العاديين لا يشمل حق طاعتهم المحتملات، بل يقتصر على الحقوق المعلومة، أي الأحكام المعلومة، أما بالنسبة إليه تعالى فيشمل حقّه الجميع، أي التكاليف المعلومة والمشكوكة.

التحقيق: أن ما ذكره بالنسبة لحق الطاعة وسعة شموله وانه كلما كبر المولى توسع حق الطاعة صحيح، ولكن ما نحن فيه يختلف عن حق الطاعة، فإن ما نحن فيه هو بيان القاعدة التي تؤدي إلى الوظائف العمليّة للمكلّف في ثبوت الاحكام ورفعها بحيث يعاقب على تركها في الواجبات ويعاقب على فعلها في المحرمات، المسألة تشريعيّة.

بعبارة أخرى: السيد الشهيد انطلق من مسألة عقائدية كلاميّة مسألة صفات الله عز وجل، وليست مسألة أصولية وثبوت احكام، نعم إذا اردنا البحث في اللوازم فلنبحث في المسألة الكلامية في صفات الله والبحث في الاختلاف بين المولى العادي والله عز وجل، وأيضا هناك نقطة أخرى أن العبد له حق على المولى وان يكون مرحوما من المولى العظيم العادل الرحيم الكريم وغيرها من الصفات.

بيان معنى حقّ الطاعة: إن طاعة العبد لمولاه أمر يحكم به العقل العملي، واعلاه طاعة المخلوق لخالقه، وهذا مما لا شك فيه، ومنشؤه وجوب احترام الخالق وشأنيته عقلائيا، وعدم الاستهتار به والاعراض عنه، من قبيل شكر المُنعِم، فإن على المنعَم عليه عقلائيا أن يشكر المنعِم، ويختلف مقدار الشكر بمقدار العطاء وقدر المنعِم.

من هنا كانت الأمور الواردة في النصوص الشرعية من القرآن والسنّة في الإطاعة والشكر أوامر إرشادية إلى حكم العقل العملي.

ونلاحظ أيضا: كما أن للخالق حق الطاعة على المخلوق كذلك للمخلوق حق على خالقه، فيحكم العقل العملي بوجوب الرحمة واللطف والعطاء والرزق وغير ذلك، فإن الله هو خلقني فعليه أن يرحمني ويلطف بي. وهل من الرحمة العقاب على المشكوكات؟

من هنا لا نجد أبدا تنافيا بين حق الطاعة لله بأعظم صوره وبين كونه ارحم الراحمين وخير الغافرين، ولذا ورد في الحديث الشريف بما معناه: " إن لله رحمة يشرئب لها إبليس عنقه يوم القيامة" ولذا قلنا بأن عدم فعل أي شيء من المستحبات ادبارا واستخفافا بها قد يكون من المحرّمات لأنه قد يصل للاستهتار بالمولى، وهكذا في تفسير العقاب على ترك بعض المستحبات. ذكرنا سابقا أن هناك سنن وبعض المستحبات الغير الواجبة في تركها عقاب، كترك صلاة الجماعة وترك المسجد مطلقا لوجود بعض الروايات تهدد بهم الدار.

ولو أردنا إعطاء الله حقّه لفعلنا كما قال الامام زين العابدين (ع): "لسجدت سجدة واحدة"، أي فعل كل ما يستحقه من تقدير وتعظيم وتبجيل، وهذا ما لا يقدر عليه بشر.

ولو قلنا بأن هذه الصفات التي يحكم بها العقل العملي للخالق والمخلوق لطبقنا كونه ارحم الراحمين، إن الله عز وجل في قمّة الرحمة، وهل من الرحمة المحاسبة على حكم محتمل مجهول غير معلوم؟!

ملخص: قلنا ان هناك مسلكين لإثبات اصالة الاشتغال والاحتياط، المسلك الأول حق الطاعة الذي هو للشهيد الصدر (ره) وهو الانتقال من الملزوم إلى اللازم، والمسلك الأخر العقلي وهو دفع الضرر المحتمل.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo