< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية، البراءة.

 

     البراءة العقلية: عناوينها، ومفادها، ومنشؤها.

     في مقابلها اصالة الاشتغال.

     عناوين اصالة الاشتغال.

     مسلك حق الطاعة.

     ﴿أطيعوا الله﴾ امر ارشادي ولو كان مولويا لتسلسل.

     منشأ حق الطاعة ونتيجته.

 

قلنا أن البراءة عبارة عن أصل عملي أي أنها وظيفة عمليّة، وذكرنا ان هناك براءتان: براءة عقلية وبراءة شرعية.

البراءة العقليّة: وهي التي يعبّر عنها "بقبح العقاب بلا بيان"، وقد تعنون بعنوان: الأصل العملي العقلي عند الجهل بالتكليف.

ذهب المشهور إلى البراءة العقلية، حتى ظن بعضهم ان هناك اجماعا عليها، ببيان: أن التكليف ما دام مجهولا فهو غير تام البيان، فيقبح على المولى أن يعاقب على المخالفة، وهذا يلزمه عقلا أن حقّ الطاعة للمولى مختص بالتكاليف المعلومة دون المجهولة من مشكوكة وموهومة ومظنونة.

والجهل بالتكليف وهو ما عبّر عنه عادة بالشك بالتكليف، وهل الجهل في التكليف هو موضوع لحق الطاعة أو لا؟ والمشهور أنه ليس من مسلك حق الطاعة.

والجهل في التكليف يشمل الشك في التكليف الاستقلالي والتبعي، والنفسي والغيري، وفي العبادات والمعاملات، وفي الشبهة الحكميّة والموضوعيّة. والشبهة قد تكون تحريمية وقد تكون وجوبيّة.

اما نحن فسنأخذ الشك في التكليف بكل نواحيه مهما كان التكليف، سواء كان طريقيا، نفسيا، وغير ذلك من كل ما ذكروه. وإذا كان تكليفا فهل هو مجرى حق الطاعة أو مجرى "قبح العقاب بلا بيان" أي ان الأصل العقلي هو الاشتغال والاحتياط؟

ومنشأ الشك في الشبهات الحكمية قد يكون لفقد النص، وقد يكون لإجمال النص، وقد يكون لتعارض النصين، وقد يكون لتعارض الدليلين.

ومنشأ هذا الحكم العقلي بالبراءة أو الدليل على هذه القاعدة "قبح العقاب بلا بيان" أمورا ذكرها الأصوليون، وإن كان مردّها إلى أمر واحد.

- فذكر بعضهم أن العلم بالشيء له مدخليّة في التحرّك نحوه، لا نفس واقعه، مثلا: فالأسد إنما يحرك الإنسان نحو الفرار بوجوده المعلوم، لا بوجوده الواقعي، وعليه فلا مقتضي للتحرك مع عدم العلم.

وبالتالي، لما كان حق الطاعة ناشئا من التكليف، فإن التكليف هو الذي يقتضي طاعة المولى المكلّف، كأن حق الطاعة مختصا بالمعلوم. ومن الواضح أن العقاب على عدم التحرّك مع أنه لا مقتضي للتحرّك قبيح.

     وذكر غيرهم أن العقلاء يستقبحون المعاقبة على غير الواصل.

     وذكر آخرون أن القاعدة الكبرى في حكم العقل العملي هي حسن العدل وقبح الظلم، وهذه القاعدة أي "قبح العقاب بلا بيان" من تطبيقات تلك الكبرى.

في قبال البراءة العقلية يوجد مسلك آخر وهو الاشتغال العقلي، أو الاحتياط العقلي، أو مسلك حق الطاعة، أو منجزية الاحتمال، أو دفع الضرر المحتمل واجب عقلا. وكلّها تعبيرات تشير إلى معنى واحد وهو عند الشك والجهل بالتكليف يحكم العقل بلزوم الاحتياط دفعا للضرر.

وقد ذهب هذا المذهب السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ره) وعبّر عن ذلك بمسلك حق الطاعة.

توضيح أصالة الاشتغال العقلية، أو مسلك حق الطاعة:

ذكر السيد الشهيد الصدر (ره) في "دروس في علم الاصول" ما محصّله: إن الإنسان يدرك بعقله أن لله سبحانه حق الطاعة على عبيده، وعلى أساس حق الطاعة هذا يحكم العقل على الإنسان بوجوب إطاعة الشارع لكي يؤدي إليه حقّه، فنحن نطيع الله تعالى ونمتثل أحكام الشريعة لأن العقل يفرض علينا ذلك، لا لأن الشارع أمرنا بطاعته، وإلا لأعدنا السؤال مرّة أخرى: ولماذا نمتثل أمر الشارع لنا بالطاعة؟ وما هو المصدر الذي يفرض علينا امتثاله؟ وهكذا حتى نصل إلى حكم العقل بوجوب الاطاعة، الاطاعة القائمة على أساس ما يدركه من حق الطاعة لله سبحانه على الإنسان. فقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾[1] حكم ارشادي إلى حكم العقل ولو كان مولويا لتسلسل.

وإذا كان العقل هو الذي يفرض حق اطاعة الشارع على أساس مدركه لحق الطاعة، فيجب الرجوع إلى العقل في حالة الشك في حكم من الأحكام الشرعية لكي تعرف الوظيفة العمليّة تجاه هذا الحكم المجهول، فيتحتم علينا عندئذ أن ندرس حق الطاعة الذي يدركه العقل وحدوده.

فهل هو حق لله سبحانه في نطاق التكاليف المعلومة فقط بمعنى أن الله سبحانه ليس له حق الطاعة على الإنسان إلا في التكاليف التي يعلم بها، وأما التكاليف التي يشك فيها ولا علم له بها فلا يمتدّ إليها حق الطاعة؟

أو أن حق الطاعة كما يدركه العقل في نطاق التكاليف المعلومة يدركه أيضا في نطاق التكاليف المحتملة، بمعنى أن من حق الله على الإنسان أن يطيعه في التكاليف المعلومة والمحتملة، فإذا احتمل تكليفا كان من حق الله أن يحتاط، فيترك ما يحتمل حرمته أو يفعل ما يحتمل وجوبه؟ [2]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo