< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية

 

     هل أصالة الطهارة واصالة الحليّة من المسائل الفقهيّة أم من المسائل الأصولية؟ ثم هل هي امارات أو أصول؟

     ان تصنيف كل مسألة بانها أصولية أو فقهية يتبع المبنى في تعريف المسألتين.

     ولا مانع من كون مسألة واحدة تندرج تحت العلمين لأنها تخدم الغايتين.

     هل اصل الطهارة امارة أو أصل عملي؟

     تحديد القذارة الشرعية، وهل تشمل المجهول؟

     المشهور عدم شمولها للمجهول.

     استدل صاحب الحدائق على شمول القذارة الشرعية للمجهول بأمرين: حديث" من ركب أمر بجهالة فلا شيء عليه"، وحديث: "كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قذر، فإذا علمت فقد قذُر".

 

هل أصالة الطهارة واصالة الحليّة واصالة قاعدة الفراغ واصالة الصحّة من المسائل الفقهيّة أم من المسائل الأصولية ثم هل هي امارت أو أصول؟

نقول: ان تصنيفهما يتبع حسب مبنى تعريف المسألتين وشروطهما، ونطبقها، ولا مانع من ان تكون قاعدة واحدة ينطبق عليها تعريف المسألة الفقهيّة وتعريف المسألة الأصوليّة. وذكرنا سابقا ان العلوم انما تنشأ من الحاجات، والمائز بين العلوم هو الغايات وليس الموضوعات ولا المحمولات، لان العلم عبارة عن جمع مسائل تخدم هدفا ما، فكل ما يخدم الهدف يندرج تحت العلم، فلذلك لا مانع من ان تكون مسألة واحدة تخدم علمين وهدفين، لذلك نجد بعض القواعد الفقهية أو الاصوليّة تخدم علم الأصول وتخدم علم الفقه، مثلا الاستصحاب تارة يكون في الشبهات الحكميّة فيكون مسألة اصوليّة في أصل الجعل، وتارة يكون في مسألة مصداقيّة موضوعيّة مثل: "هذا الشيء كان طاهرا واشك في طهارته فاستصحب الطهارة" هذه المسألة من المسائل الفقهية.

نفس المسألة قد تكون مسألة اصوليّة إذا خدمت علم الأصول، وقد تكون مسألة فقهية إذا خدمت علم الفقه، فترجع المسألة إذن إلى تعريف المسألة الاصوليّة مثل التي تقع نتيجتها كبرى في القياس الذي يستنتج منه المسألة الفقهية، او القواعد العامّة المشتركة بين أبواب الفقه، وغير ذلك من التعاريف.

لكن الملاحظ أن أصالة الطهارة تدرس في الفقه ولا تدرس في الأصول.

قالوا أن أصالة الطهارة أصل عملي، وقالوا أيضا أنها أمارة، وادرجت اصالة الطهارة في علم الفقه.

من قال بأن أصالة الطهارة مسألة أصولية قال: لأنها كبرى تقع نتيجتها في المسألة الاصوليّة مثلا: اشك في أن الفقاع مثلا طاهر أو نجس؟

فإذا طبقنا أصالة الطهارة أصبحت مسألة أصوليّة، وهي كيفية الوسيلة في اثبات الطهرة للفقاع، وهذه المسألة كما لو جاءنا خبر عن الفقاع، فكما أن حجيّة الخبر مسألة أصوليّة أيضا الاستصحاب مسألة اصوليّة لأنها تقع كبرى للقياس الذي يؤدي إلى حكم شرعي فرعي.

فإذا شككت في شيء طاهر أو نجس نستصحب الطهارة ونقول الأصل الطهارة. وكذلك الأمر في أصالة الحليّة، مثلا: "لحم الكنغرو" حلال أو حرام؟ فالأصل الحليّة. إذا في الطهارة والحليّة قد تكون المسألة فقهية وقد تكون المسألة اصوليّة.

ثم هل هي امارة؟ أو اصل عملي لان الشك اخذ فيها، حيث قلنا ان الميزان في الأصل العملي والامارة، ان الامارة لا يؤخذ في موضوعها الشك، والاصل العملي يؤخذ في موضوعه الشك.

الفرق بين الموضوع والمورد: الشك في الامارة مورد أي مجرّد ظرف، اما الشك في الأصل العملي فمأخوذ في موضوعه، فالأصل لا يجري فيه بدون الشك، مثلا: "اوفوا بالعقود" فيها اصالة الاطلاق فاستطيع ان أقول: "ان كل عقد يجب الوفاء به" فاصالة الاطلاق قاعدة عند الشك اجريها، ومع ذلك فهي أمارة.

واخرى إذا قلت: "انه إذا شككت في عقد انه يجب الوفاء به او لا" أقول: "إذا شككت فابنِ على وجوب الوفاء، صار الشك جزءا من الموضوع فتصبح أصلا عمليا.

إذن اصل الطهارة إذا كان من الأصول العمليّة -كما قال بعضهم- لأنه مأخوذ في موضوعه الشك، ولذلك اعاده بعضهم إلى البراءة، فلماذا يدرس في علم الفقه ولا يدرس في علم الأصول؟

ولماذا نعتبرها قاعدة ؟

الثمرة تكون بالآثار بين الأمارة والاصل، الامارة تثبت آثارها الشرعيّة وغير الشرعية، أي تثبت اللوازم، اما الأصل فلا يثبت لوازمه إلا الشرعية.

يأتي السؤال اين تقع أصالة الطهارة ؟

ولا بأس بلي العنان قليلا ولو مختصرا للبحث عن أصل الطهارة، وماذا نستفيد منه؟ هل هو قاعدة أصوليّة أم قاعدة فقهيّة، وهل هي أمارة أو أصل عملي؟ وهل هي حكم كليّ كـ " اوفوا بالعقود" اطلاق بالوفاء بكل عقد.

لما كانت الطهارة والنجاسة أمرا اعتباريا وليسا مسألة حقيقيّة، وجعلت موضوعا لأحكام شرعية، فمفهوم النجاسة لغة يختلف تماما عن مفهوم النجاسة شرعا، أي اصبح هناك حقيقة شرعيّة في الطهارة والنجاسة، أي هناك جعل شرعي، فليسيا كالنكاح والطلاق وغيرها التي هي نفس المعاني اللغوية العرفية.

حينئذ فلنرجع للروايات المعتبرة لتحديد ماهيتها:

     ففي تهذيب الاحكام: في الحديث الموثّق: ح (832) 119 - محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الكوز أو الاناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء. ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر، وعن ماء شربت منه الدجاجة قال: إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه ولم تشرب وإن لم تعلم أن في منقارها قذرا توضأ واشرب. وقال كل ما يؤكل لحمه فليتوضأ منه واشربه. وعن ماء يشرب منه أو صقر أو عقاب ؟ قال: كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما فان رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب، وقال اغسل الاناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات. وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فارة أو خنزير؟

قال تنزف كلها فان غلب عليه الماء فلتنزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت. وسئل عن الكلب والفارة إذا اكلا من الخبز وشبهه؟ قال يطرح منه ويؤكل الباقي. وسئل عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: إن كان محتاجا إليه يتداوى به شربه وكذلك بول الإبل والغنم. وعن الدقيق يصيب فيه خرؤ الفارة هل يجوز اكله؟ قال: إذا بقي منه شئ فلا باس يؤخذ أعلاه فيرمى به، وسئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه؟ فقال: كل ما ليس له دم فلا بأس، وعن العظاية تقع في اللبن؟ قال: يحرم اللبن، وقال إن فيها السم، وقال: كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قَذُر وما لم تعلم فليس عليك. [1]

من حيث السند: الرواية معتبرة موثقة.

ومن حيث الدلالة: فهي تدل على أن القذارة أمر اعتباري يشمل حال العلم بسببها، ولا تشمل حال الجهل به أيضا، حيث قال (ع): "فإذا علمت فقد قذر" العلم جزء من القذارة. العلم له مدخليّة في القذارة المعتبرة، أي في الحكم الجعل الوضعي، والعلم جزء منه. فالقذارة تتحقق بأمرين: الأمر الخارجي كالدم، والعلم بوقوعه مثلا في الماء.

وهذا خلاف المشهور، من ان العلم بالقذارة لا دخل له بتحققها، ومن ثمرات هذا القول: لو فرض ان شخصا توضأ بماء نجس جهلا ولم يعلم، ثم صلّى، وبعدها علم ان الماء الذي توضأ به نجس. المعروف والمشهور بل نقل الاجماع عليه على وجوب الإعادة.

لكن الظاهر من الرواية أنه لا تجب الإعادة.

نلاحظ أن عنوان القذارة امر اعتباري لا يتم إلا بحصول أمرين: بوجود الدم النجس، وبالعلم به.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد: أن حكم القذارة الموجودة قد أصبح منجزا بحق المكلف عند العلم به.

هذه الرواية المعتبرة، وهناك رواية أخرى أوقعت مشكلة بين الفقهاء وهي: انه هل تبدأ القذارة من حين العلم بها أو تبدأ ما قبله؟

صاحب الحدائق (ره) يذهب إلى عدم وجود قذارة اعتبارية قبل العلم، فإذا توضأ بماء نجس فالوضوء صحيح إذا لم يعلم، تبعا لظاهر الرواية المعتبرة.

فبحث هذه المسألة في درسنا الأصول بالرغم انها مسألة فقهيّة، لانه إذا كانت القذارة امرا اعتباريا والطهارة تشمل حال الجهل وحال العلم، أصبحت المسألة مسألة فقهيّة محضة لأنها تبيّن حكما وضعيا، لذلك درست في علم الفقه.

فالكلام في العلم بالقذارة هو شرط واقعي أو شرط علمي، هل يشترط العلم بها حتى تترتب الآثار.

ظاهر الرواية انها لبيان موضوع، عبرّ عنه بان العلم جزء من الموضوع، وكلام صاحب الحدائق (ره) كلام متين.

ذكر في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى: عن الحدائق: لا إشكال ولا خلاف في وجوب الاعادة أو القضاء فيما إذا توضأ بالماء المتنجس مع العلم بنجاسة الماء حال الوضوء، كما أن الظاهر من كلماتهم أن من علم بنجاسة الماء قبل الوضوء ونسيها حال الوضوء فتوضأ بالماء النجس أيضاً كذلك، وأن الناسي للنجاسة يلحق بالعالم بالنجاسة حال الوضوء لوجوب التحفظ في حقه، ولعلهم استفادوا ذلك مما دلّ على بطلان صلاة الناسي للنجاسة في ثوبه أو بدنه، لاستناده إلى ترك التحفظ عن النجاسة لا محالة.

وأمّا إذا توضأ بالماء النجس جاهلاً بالنجاسة فالمشهور بين المتأخرين إلحاقه بالقسمين المتقدمين والحكم عليه بوجوب الاعادة أو القضاء، والمفهوم من كلام الشيخ في المبسوط ـ على ما في الحدائق ـ وجوب الاعادة في الوقت خاصة دون وجوب القضاء خارج الوقت، وبه صرح ابن البراج (المهذب 1: ) كما أنه ظاهر ابن الجنيد (المختلف 1: 76). (الحدائق،ج2:ص 370).

وخالفهم في ذلك صاحب الحدائق (قدس سره) وذهب إلى عدم وجوب الاعادة والقضاء، حيث إنه بعدما نقل كلام العلاّمة والشهيد (قدس سرهما) قال ما مضمون كلامه: إن ما ذكروه من وجوب الاعادة والقضاء فانما يسلم في القسمين الأوّلين، وأما في حق الجاهل بنجاسة الماء فلا، لعدم توجه النهي إليه لجهالته، فلا تجب عليه الاعادة ولا القضاء. وعمدة ما استند (قدس سره) إليه في حكمه هذا أمران: [2]

الاول: عمومات: "من ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه" تشمل الحج والصوم والطهارة وغيرها.

الثاني: هذه الرواية التي ذكرناها.

السيد الخوئي (ره) سيجيب على الامرين، ليذهب إلى المشهور من ان العلم ليس جزءا من الموضوع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo