< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مقدمات الأصول العملية.

 

     الأصول العمليّة من جهة الموارد أربعة بالحصر العقلي.

     وقوع الكلام في عدة أمور: هل هي مسائل أصولية أو فقهية، وهل هي امارات أو أصول؟

     رجوع اصالة العدم إلى الاستصحاب.

     عدم رجوع اصالة الحلية إلى البراءة.

في نهاية هذه المقدمات قبل البدء بأصل البراءة ذكرنا ان الامارة ما كانت تكشف عن حكم واقعي، والاصل العملي هو ما كان دليلا لوظيفة عمليّة.[1]

ولبيانه لا بد من التذكير في الفرق بين الامارة والأصل:

الامارة ما كانت تحكي عن واقع، وعبّروا عن ذلك ما كان لسانها لسان كشف عن واقع، كالأخبار والشهرات وبقيّة الظنون.

الأصل العملي: ما لم يكن كذلك، بل لسانه لسان حكم ظاهري ومجرّد وظيفة عملية.

وقد وقع الكلام في عدة قواعد منها: أصالة الطهارة، وأصالة الحليّة، وأصالة العدم، قاعدة الفراغ، وحتى الاستصحاب، فالكثير من القدماء اعتبر الاستصحاب امارة وليس أصلا، واكثر من اعطى زخما لكونه أصلا هو الشيخ الانصاري (ره) عندما اتكل على حجية الاستصحاب بالأخبار "لا تنقض اليقين بالشك" كان أصلا عمليا، فلو اتكل على حجية الاستصحاب ببناء العقلاء كما ذهب كثير ممن قبله اليه لكان امارة وكاشف.

إذن الدليل هو الذي يوصلنا إلى نوعية المعتبر.

هذه القواعد اختلفوا فيها هل هي امارة او اصل، ثم هل هي مسألة فقهية أم مسألة أصوليّة؟

فإذا أخذنا أن الأصل يشترط فيه ان يكون الشك دخيلا في موضوعه، فأصل الطهارة أي إذا شككت في شيء فابن على الطهارة، أصبح أصل الطهارة أصلا عمليا، مع العلم انهم يعاملونه معاملة الامارة، واصل الطهارة أيضا قد يؤدي إلى تنقيح الحكم الكلي فصار مسألة أصوليّة.

أن أصل الطهارة لم يبحثه احد في علم الأصول، بحث في الفقه، مع لحاظ انه يمكن ان يكون مسألة أصولية.

لذلك نتج عندنا نقطتان: هل هذه المسائل أصولية أو أنها مسائل فقهية؟ وهل هي امارات أو أصول؟

والحل المسألة ان نرجع إلى نفس المسألة، فإذا وقعت نتيجتها كبرى في قياس استنباط الحكم الفرعي تكون مسألة أصولية، أما إذا كانت مجرّد تطبيق تكون مسألة فقهيّة.

وقد ذكر المحقق الكرباسي (ره) ولعلّه نقلا عن استاذه المحقق أغا ضياء العراقي (ره): قال: أن هذه الأصول الثلاثة ليست قائمة بذاتها، لان أصالة العدم ترجع إلى الاستصحاب، والاستصحاب اصل عملي، وقاعدة اصوليّة تبحث في علم الأصول، إذن اصالة العدم قاعدة أصولية واصل عملي.

وهذا صحيح، كما بيّنا في أبحاثنا السابقة، وقلنا انه ليس عندنا شيء اسمه أصالة عدم كما اشتهر عند الأصوليين، فهو عبارة عن استصحاب العدم. ذكرنا ان هناك استصحاب عدم الحادث، واصالة عدم الحادث، اصالة عدم الحادث غير سليمة وغير صحيحة بالرغم انها اشتهرت عند الأصوليين، لان الحادث أمر ممكن، وقد عرّفوا الممكن بانه ما تساوى فيه طرفا الوجود والعدم، فليس هو واجب الوجود ولا ممتنع الوجود، حيث قسّمت الوجودات إلى ثلاثة: واجب الوجود، وممتنع الوجود، وممكن الوجود. الامتناع طرف كشريك الباري، ومثل اجتماع النقيضين لا يجتمعان. واجب الوجود الذي هو الله عز وجل وحده لا شريك له. وممكن الوجود الحوادث ونحن منها، فالممكن ما تساوى فيه طرفا الوجود والعدم، وفيه سلب الضرورتين، فمن أين أتت أصالة العدم؟

الصحيح: "كان الله ولم يكن شيء" ثم بدأت الحوادث بالظهور، فانا استصحب "لم يكن شيء"، وليس الأصل العدم، استصحب العدم ثم تأتي الحوادث.

ومن ثمرات هذا التصحيح:

ذكر السيد الخوئي (ره) في استصحاب الشبهة الحكمية أنه يعارضه أصالة العدم، لذلك لم يقل بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لأنه أصبح هناك أصلان متعارضان. فإذا قلنا بعدم وجود اصالة العدم يبقى استصحاب الحكم الثابت في السابق بلا منازع.

وذكر الكرباسي (ره) أيضا أن أصالة الحليّة ترجع إلى أصل البراءة.

وفيه نظر، حيث إن أصل البراءة هو نفي التكليف، لأن البراءة هي براءة من التكليف، أما أصل الحليّة فظاهر لسانها هو جعل التكليف، بمعنى جعل الحكم، وإن كان قد يقال أنه لا يوجد تكليف بالحليّة.

قالوا ان الاحكام خمسة: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والاباحة. ونحن لاخظنا في درس سابق أن هناك أيضا السنن التي هي ليست واجبه لكن يعاقب على عدم فعلها دائما كما في الحديث المروي عن النبي (ص) لجيران المسجد ان من تخلف عن الصلاة في المسجد هدده، قد يكون المناط في الرواية ليس صلاة الجار في المسجد، بل المناط هو الإهانة للمسجد بهجرانه، وهذا الهجران لا يؤدي إلى ان صلاة في المسجد أصبحت واجبة، اصبح هجران المسجد هو المحرّم. واعرف بعضهم يقول ان نفس صلاة الجماعة هي الواجبة ولو لمرّة في العام.

وذكروا ان الاحكام مراحل: مرحلة الملاكات، ثم مرحلة الانشاء، ثم مرحلة الفعليّة، ثم مرحلة التنجيز. والسيد الخوئي (ره) جعلهما اثنين: الانشاء والفعليّة. الشهيد الصدر (ره) جعلهم ثلاثة: الملاكات، والانشاء، والفعلية. وقلنا نحن ان الحكم مرحلة واحد وهي مرحلة الانشاء والباقي حالات للمكلّف او للتكليف.

هذا الانشاء يجب ان يكون ما قبله مرحلة الملاكات عبّر عنها بمرحلة الاقتضاء، تنشأ على أساسها حكما، أي مصلحة ملزمة ينشأ الوجوب منها.

السؤال: هل هناك مصلحة اقتضائية للاباحة أو لا؟ هل الاباحة تنشأ من عدم الاقتضاء أو أنها تنشأ من الاقتضاء؟

والظاهر ان الحليّة نوع من الاباحة الاقتضائية، لوجود مقتضٍ ان يكون هناك مصلحة في الاباحة وليس محرّد نفي الحكمين، الوجوب والحرمة.

هل الاباحة حكم وتكليف؟

ولا مانع من كونها كذلك، فإن الاباحة على نحوين:

تارة لانتفاء اللزوم والرجحان، أي انتفاء مقتضي الوجوب والاستحباب من جهة، وانتفاء مقتضي الحرمة والكراهة من جهة أخرى.

وتارة لوجود المقتضي لجعل الاباحة، وهذا يمكن تصوّره، فتكون الاباحة والحليّة حكما وجوديا مجعولا في عرض الوجوب والحرمة.

وهذا يمكن تصوره في الحليّة: "كل شيء لك حلال" وجود مقتضٍ للحلية، أي الحليّة الاقتضائية.

من هنا لو كانت الحليّة لوجود المقتضي للحكم، فإنها تختلف عن اصل البراءة، فاصل البراءة ينفي الحكم عند الشك في التكليف، واصل الحليّة حينئذ يثبت التكليف.

لاحظ مقبولة مسعدة بن صدقة، ح 4 - وعن علي بن إبراهيم عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال، سمعته يقول: كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم.[2]

من حيث السند: موثقة عندنا، والفقهاء قبلوا رواية مسعدة بن صدقة. .

ومن حيث الدلالة: مفادها توسيع العلم إلى ما يشمل العلم الوجداني والعلم التعبدي، وهو من قبيل الحقيقة الادعائية عند السكاكي في توسعة العلم لتشمل حجيّة ما نقطع بحليته وما نشك، فصار حكم بالحلية لتوسعة الموضوع.

وسياتي الكلام عليه إن شاء الله في الادلّة على اصل البراءة الشرعية.

فإذا قلنا انها ترجع إلى اصل البراءة كانت اصالة الحلية مسألة أصولية وليست امارة، وسنتعرض لذلك بعد قليل.

وذكر أيضا الكرباسي، أن أصالة الطهارة يمكن ارجاعها إلى البراءة أيضا بحسب الآثار، لو قلنا بأنها احكام وضعيّة (أي الطهارة) منتزعة من الاحكام التكليفية. نكمل غدا ان شاء الله.


[1] تذكير: إما الأصول العمليّة العقليّة فهي من حيث الموارد بالحصر عقلي أربعة، أما من جهة الاستقراء لا مانع من زيادتها على الأربع.أما من جهة الموارد: فإن الأمر يدور بين النفي والاثبات فهو حصر عقلي. فإما أن يكون له حالة سابقة فهو الاستصحاب، وإلا: فأما أن يكون شكا في التكليف وإلا فلا. وان كان شكا في المكلف به فإما أن يمكن الاحتياط وإلا فالتخيير. اما من جهة الاستقراء فقد قالوا أنها أربعة، والحق أنها يمكن أن تكون أكثر من ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo