< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصول العملية.

 

     تسمية الكواشف بالدليل الاجتهادي، وتسمية الوظائف بالدليل الفقاهتي.

     وجه التسمية لدى الشيخ الانصاري (ره) وايده من تبعه.

     وجه التسمية عندنا.

     تقسم الانصاري (ره) لحالة المكلف: إما ان يقطع، وإما ان يظن، واما ان يسك. تقسيم صحيح ليس فيه تداخل للأقسام.

     القطع لا بد من اعتباره، الشك يمتنع اعتباره، اما الظن ممكن الاعتبار.

     الأصول العمليّة من جهة الموارد أربعة بالحصر العقلي.

 

وقد سمّي الدال على الحكم الواقعي بالدليل الاجتهادي، والدليل على الحكم الظاهري - أي الوظيفة العمليّة- بالدليل الفقاهتي، اصطلاح. وقد ذكر الشيخ الانصاري في رسائله ان اوّل من انشأ هذا الاصطلاح هو الوحيد البهبهاني لمناسبة في تعريف الفقه والاجتهاد.

أما وجه التسمية فقد ذكر السيد الخوئي (ره) نقلا عن استاذه الشيخ أغا ضياء العراقي (ره) ويشير اليه أيضا الشيخ الانصاري (ره)، قال السيد الخوئي: ووجه المناسبة في هذا التعبير والاصطلاح ما ذكروه في تعريف الفقه والاجتهاد، فإنهم عرفوا الفقه: بأنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية. ومرادهم من الأحكام هو الأعم من الأحكام الظاهرية والواقعية، بقرينة ذكر لفظ العلم (تعريف) ضرورة أن الأحكام الواقعية لا طريق إلى العلم بها غالبا، فناسب أن يسمى الدليل الدال على الحكم الظاهري بالدليل الفقاهتي، لكونه مثبتا للحكم المذكور في تعريف الفقه.

وعرفوا الاجتهاد بأنه استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي.

ومن الواضح أن المراد بالحكم هو خصوص الواقعي بقرينة أخذ الظن في التعريف، فإنه هو الذي قد يحصل الظن به للمجتهد.

وأما الحكم الظاهري فيعلمه المجتهد لا محالة، فناسب أن يسمى الدليل الدال على الحكم الواقعي بالدليل الاجتهادي، لكونه دليلا على الحكم المذكور في تعريف الاجتهاد.

ولا يخفى ان تسمية الحكم المجعول في ظرف الشك في الحكم الواقعي بالحكم الظاهري إنما هو لتميزه عن الحكم الواقعي المجعول للشيء بعنوانه الأولي لا بعنوان أنه مشكوك فيه، وإلا فالحكم الظاهري أيضا حكم واقعي مجعول للشيء بعنوان أنه مشكوك فيه. [1] انتهى كلامه رفع مقامه.

وردت هذا الكلام لمعرفة منشأ الاصطلاح، وبغض النظر عما قد يرد على هذا الكلام، لكن لي وجهة نظر أخرى، وهي ببساطة: وهي أن على المكلف أن يجتهد في البحث عن الحكم الواقعي.

هناك مسألة بين الأصوليين: ما هو المبحوث عنه بين المجتهدين؟ هل هو براءة الذمّة للنجاة يوم القيامة، وبعبارة: البحث عن المؤمّن. أو ان الذي يبحث عنه هو الأحكام الشرعية الواقعية؟

الذي أراه أن المجتهد أو المكلّف يبحث عن حكم الله أولا، وتأتي لاحقا براءة الذمة التي هي من اللوازم.

وذكرنا مرارا أن من آفات العلم التي وقعوا فيها في المنطق والفلسفة والأصول وغيرها من العلوم أن يعرّف الشيء بلوازمه لا بماهيّته، وذكرنا على ذلك مثال معنى الحجية، الشيخ الآخوند (ره) عرّفها بالمنجزية والمعذرية التي هي من الآثار واللوازم وليست تعريفا للحجيّة التي هي كشف، لأن الأمارة شأنها الكشف. والامثلة كثيرة على ذلك ذكرناها في تعريف الخبر وغيره.

فإذا وصل المكلف ببحثه كان الدليل اجتهاديا، لأنهم عرّفوا الاجتهاد بأنه استفراغ الوسع لتحصيل الحكم الشرعي الواقعي. فإذا فشل المكلّف وقف حائرا يبحث عن وظيفته العمليّة، فيرجع حينئذ إلى فقهه أي فهمه، فسمّي الدليل فقاهتيا.

إذن: الأصول العمليّة هي وظيفة المكلّف عند الشك والجهل بالحكم الواقعي، ولذا قالوا: " إن الأصل العملي أخذ في موضوعه الشك، دون الامارة. وحينئذ: إن كان الدليل عليها تعبديا من الشارع سميّت بالأصول العمليّة الشرعية. وعند اليأس من العثور على التعبّد في الأصول العمليّة، أي الوظيفة، وصلت النوبة إلى حكم العقل، فإذا كان الدليل عليها عقليا سميّت بالأصول العمليّة العقليّة. [2]

الاصول العمليّة العقليّة المشهور انها أربعة بالحصر العقلي، لأن الشك: إما أن تعلم له حالة سابقة اعتبرها الشارع أو لا.

فإذا كان له حالة سابقة كان مورد الاستصحاب.

وإذا لم تكن له حالة سابقة، فإن كان الشك في التكليف كان مجرى أصالة البراءة.

وإن كان الشك في المكلّف به مع العلم بأصل التكليف، فإن أمكن الاحتياط كان مجرى لأصل الاحتياط أو الاشتغال، كما في موارد دوران الأمر بين القصر والتمام، وإن لم يمكن الاحتياط كان مجرى أصالة التخيير، كما في مورد دوران الأمر بين محذورين الوجوب والحرمة.

لفت نظر: ما ذكرناه من الكواشف والوظائف يشمل الأحكام بجميع أقسامها، فتشمل الحكم التكليفي والحكم الوضعي، وتشمل الكفائي والعيني، والنفسي والغيري والتعييني والتخييري. لان الحكم امر مجعول واقعا ونحن نبحث عنه أيا كان.

تقسيم الشيخ الانصاري (ره): بدأ الشيخ مرتضى الانصاري (ره) في كتابه: "فرائد الأصول" بأن المكلف عندما يواجه مسألة فإما أن يقطع أو يظن أو يشك.

وقد اشكل عليه بتداخل الأقسام: بأن مِنَ الظن ما لا اعتبار له كالظن المطلق، فيكون كالشك في عدم الاعتبار. فمن حيث النتيجة تداخلت الأقسام، فما قيمة هذا التقسيم؟ لذلك صاحب الكفاية (ره) ذهب إلى تقسيم آخر حتى لا تتداخل الأقسام، واشكل على الشيخ الانصاري (ره) بلحاظ النتيجة.

الجواب: لكن الانصاف أن ما ذكر الشيخ الانصاري (ره) سليم ومتين جدا من جهتين:

الأولى: أنه بدا من جهة الحالة النفسيّة الاستكشافية للمكلف، وهي بداية صحيحة، لان تبدا من الجذور، وهي لا تتداخل بما هي هي، فبداية البحث صحيحة.

الثانية: أنها لا تتداخل من حيث المهم:

فإن القطع مما يجب ولا بد من اعتباره عقلا من حيث الكشف عن الواقع، لأنه كشف تام وجدانا، ومن حيث الحجيّة، فحجيته ذاتية.

والشك مما يمتنع اعتباره عقلا حيث انه لا كشف فيه، فلا حجية له.

والظن مما يمكن اعتباره وتتميم الكشف فيه، حيث انه له جهة كشف، فيمكن تتميمها اعتبارا، وبالتالي تتم حجيتها.

وبهذا لا تتداخل الأقسام وتقسيم الشيخ سليم صحيح.

هل الأصول العمليّة أكثر من هذه الأربعة؟

هناك بحثين:

الفرق بين القاعدة الاصوليّة والقاعدة الفقهيّة. والفرق بين الأصل العملي والامارة.

هناك أمور متأرجحة لا نعلم أنها أصول عملية أو امارة أو هل هي قاعد أصولية أم قاعدة فقهية؟

أصل الطهارة وأصل الحليّة وقاعدة الفراغ وأصالة الصحّة هل هي فقهية أو أصولية، امارة أو اصل؟ .

إما الأصول العمليّة العقليّة فهي من حجة الموارد بالحصر عقلي أربعة، أما من جهة الاستقراء لا مانع من زيادتها على الأربع.

أما من جهة الموارد: فإن الأمر يدور بين النفي والاثبات فهو حصر عقلي.

فإما أن يكون له حالة سابقة فهو الاستصحاب، وإلا:

فأما أن يكون شكا في التكليف وإلا فلا.

وان كان شكا في المكلف به فإما أن يمكن الاحتياط وإلا فالتخيير.

اما من جهة الاستقراء فقد قالوا أنها أربعة، والحق أنها يمكن أن تكون أكثر من ذلك.

ولبيانه لا بد من التذكير في الفرق بين الامارة والأصل:

الامارة ما كانت تحكي عن واقع، وعبّروا عن ذلك ما كان لسانها لسان كشف عن واقع، كالأخبار والشهرات وبقيّة الظنون.

الأصل العملي: ما لم يكن كذلك، بل لسانه لسان حكم ظاهري ومجرّد وظيفة عملية.

وقد وقع الكلام في عدة قواعد منها: أصالة الطهارة، وأصالة الحليّة، وأصالة العدم.

وقد ذكر المحقق الكرباسي (ره) ولعلّه نقلا عن استاذه المحقق أغا ضياء العراقي (ره): قال: أن هذه الأصول الثلاثة ليست قائمة بذاتها، لان أصالة العدم ترجع إلى الاستصحاب، وهذا صحيح، كما بيّنا في أبحاثنا السابقة.

 


[2] ردا على سؤال: الجواب: قيل ان الامارة حجّة من باب الظن أي أنه هناك احتمال اعتبار لوجد كشف لكنه كشف ناقص فتأتي الحجية لتكمل الكشف الناقص، وذهبوا انها تنشئ احكاما. في رأينا أن الامارت لا تؤدي إلى إنشاء حكم أصلا، هي وهم أي توهم حكم، وقد تخطئ وقد تصيب، وإلا اصبح من باب التصويب. الصحيح ان الاحكام الظاهرية هي خصوص احكام الاصول العمليّة، كـ "كل شيء لكل حلال وكل شيء لك طاهر" و"لا تنقض اليقين بالشك" كل هذه احكام كما سنرى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo