< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في ختام الكواشف

 

     من الامور التي ينبغي بحثها في نهاية أبحاث الكواشف: هل يشمل دليل حجية الامارة الأمور غير الشرعيّة من تاريخية أو تكوينيّة أو غير ذلك؟

     المسألة مبنائية، فان قلنا بكون معنى الحجيّة تتميم الكشف ذهبنا إلى الشمول، وان قلنا بكون معنى الحجية هي المنجزية والمعذرية قلنا بعد الشمول.

     ومنه: هل الظن بالخلاف يوهن الامارة المعتبرة؟ والمسألة أيضا مبنائية: فان كان دليل حجية الامارة له اطلاق ذهبنا إلى عدم اسقاط الحجيّة، وان كان دليل حجيّة الامارة سيرة العقلاء فلا بد من تحقيق من السيرة.

 

وقبل أن ننهي الكلام عن الكواشف أي العلم والامارات ونبدأ بالأصول العمليّة، وقلنا ان تعريف علم الأصول كلمتين تلخص كل الاصول: "بحث عن كواشف فان لم نجد فبحث عن وظائف".

بعد الانتهاء من الكواشف فلا بد من بيان أمور مهمّة ولها ثمرات عمليّة.

ومنها: هل الظن الحجّة المعتبر سواء كان ناشئا من خبر أو شهرة أو الظن المطلق أو غيرها بعد ان اعتبره الشارع يصبح حجّة في كل متعلقاته شرعية كانت أم غيرها، كالمتعلّق بالأمور التكوينيّة والتاريخيّة مثلا أن الأرض محمولة على قرن ثور، أو أنه يوجد حياة على سطح المريخ، أو أن الفراعنة فعلوا كذا وكذا، أو ما كان من تواريخ الأنبياء وأهل البيت (ع) أو السلاطين، والامثلة كثيرة على ذلك، أو أنه خاص بالأحكام الشرعيّة من خلال شأنية الشارع باعتبار ما هو من شأنه وصلاحياته؟.

فنقول باختصار إن المسألة مبنائية، فإنه يوجد مبنيان في معنى حجيّة الامارات:

المبنى الأول: أن معنى الحجيّة هو تتميم الكشف، فالأصل ان يعمل الانسان بقطعه ويقينه، والاصل عدم حجيّة الظن، فالظن يحتاج إلى دليل والدليل هو عبارة عن متمم للكشف الناقص، فالخبر كشف ناقص تتمه الشارع ليصبح كشفا تاما اعتبارا وليس حقيقة، انا اعتبرته علما ولذلك سميّ بالعلمي نسبة للعلم.

وهذا الرأي هو ما اختاره السيد الخوئي (ره) وغيره، وما نذهب إليه أيضا، والسبب في ذلك ان دليل حجية الخبر هو سيرة العقلاء بانهم يعملون بأخبار الثقة ككاشف، وهذا كاف، فعندما اعتبرها الشارع اعتبرها أيضا ككاشف عن واقع. وقلنا انه في كل المباحث يجب ان نرجع للجذور، فدليل حجيّة خبر الواحد هو سيرة العقلاء، والعقلاء يعملون بالأخبار سواء كانت حكما شرعيا، أو اعتباريا، أو طبيا أو فيزيائيا، أو تاريخيا أو تكوينيا، والشارع اعتبر هذه السيرة، لذلك نقول أن الخبر حجّة في كل شيء مهما كان المتعلّق.

نعم، لو كان دليل الحجيّة النصوص أمكن أن يكون مجرّد منجز ومعذّر كالمبنى الثاني.

المبنى الثاني: أن معنى الحجيّة هو المنجزيّة والمعذرية، ان أصاب تنجز الحكم والمتعلّق، وان اخطأ فالمكلف معذور، وهذا هو مبنى صاحب الكفاية (ره).

وقد قلنا سابقا أن المنجزية والمعذرية من لوازم الكشف عقلا وليس نفس الحجيّة، فإن أصاب كان الحكم منجزا وان اخطأ كان المكلّف معذورا.

وعليه، إن وردت بدليل شرعي كالخبر والوحد الحجّة أو المتواتر، أو المحفوف بالقرينة القطعيّة، فيكون الخبر حجّة، أي كاشفا عن واقع تعبدا.

فمن ثمار المسألة أستطيع أن أقول أن فلانا يملك البيت الفلاني وإن لم أر عقد البيع مثلا اتكالا على خبر الواحد، أو لثبوت يده عليه من دون معارض، وذلك لقاعدة اليد.

وكذلك أستطيع لو جاءت رواية اخرجها الطبراني من أبناء العامّة: "سترتدون من بعدي"، أو " تفعلون كما فعلت الأمم الماضية حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه" كاخبار مستقبلية..

هل لي الحق أن أقول: قال رسول الله (ص) كذا، لمجرّد صحة السند - لو تم - وان كان ظنيا؟. أو يجب ان أقول: روي عن رسول الله (ص)؟

إذا قلنا ان الخبر حجّة حتى في الاخبار التاريخية والتكوينية والمستقبلية استطيع ان أقول قال رسول الله (ص) هذا بناء على مسلكنا من ان الحجيّة بمعنى الكشف فنستطيع أن نأخذ بالخبر.

اما بناء على مسلك صاحب الكفاية (ره) من كون الحجية بمعنى المعذرية والمنجزيّة فلا استطيع ذلك، بل بد من أقول: روي عن رسول الله (ص) حتى لو كان السند صحيحا.

وكمثال أيضا: هناك رواية عند أبناء العامّة ان السيد صفيّة - ولعلها المدفونة في بعلبك -، هناك رواية انها من بنات الامام الحسين (ع)، والبعض يقول انها كانت معه في واقعة الطف وهي التي سلبت اقراطها. إذا كتبنا كتاريخ عن السيدة صفيّة هل أستطيع أن أثبت ذلك لو كان السند صحيحا، أو يجب ان أقول قيل أو رُوي.

إذن ما نذهب اليه ان الاخبار المعتبرة شرعا حجة في الشرعيات وغيرها.

ومنها: هل يشترط في حجيّة الخبر أن يكون متعلّقه أمرا شرعيا أو ذا أثر شرعي؟

قد يقال: أن صلاحيات الشارع المقدّس مخصوصة بخصوص التشريعات، فكل ما كان من جهّة التشريع كان حجّة لانه تعبّد، وإلا لم يكن حجّة، فالشارع المقدّس مشرّع له حق التشريع من جهة كونه مشرعا، لا من جهة كونه طبيبا أو مهندسا أو إداريا، أو سياسيا أو غير ذلك.

الجواب: المسألة مينائية، فإن قلنا بأن ادلّة حجيّة الخبر وامثاله نقليّة تعبديّة لفظية محضة، ذهبنا إلى المجزيّة والمعذرية، فلا يبعد ما ذكروه من كون الحجيّة مخصوصة بخصوص ما كان متعلّقه حكما شرعيا ذا أثر شرعي.

وان قلنا بأن دليل الحجيّة هو بناء العقلاء واقرارات الشارع لذلك فإن العقلاء يعملون بما هو اعمّ من ذلك، بل يأخذون بخبر كل ثقة.

إن قلت: ولكن دليلهم يرجع إلى التعبّد الشرعي، فتكون النتيجة واحدة باننا رجعنا للمنجزية والمعذريّة.

قلت: صحيح ولكن التعبّد إنما كان بإقرارات الشارع لما عليه العقلاء، فيرجع الأمر إلى سيرة العقلاء، التي يلزمها عقلا المنجزية والمعذرية.

ومنها: هل الظن بالخلاف يوهن الرواية المعتبرة؟

ونقول: المسالة مبنائية:

فكثير من الأصوليين يقولون بان الخبر حجّة من باب الظن، فإذا حصل الظن بالخلاف ارتفع موضوعا، فلا يبقى ظن.

اما إذا قلنا انه من باب التعبد الشرعي ولو ببناء العقلاء، يكون التعبد هو الحجّة، فحجية الخبر ليس من باب الظن لأنه ظن بالحكم ليكون موضوعا للحجية.

مثال على ذلك مسألة كنت احقق بها أمس: سن البلوغ عن البنت، هناك رواية معتبرة موثقة ان سن البلوغ ثلاثة عشرة سنة أو إذا حاضت، وهناك عدّة روايات أخرى بالتسع سنوات ليست بقوة سند الرواية الأولى ولكن الشهرة على الروايات الأخرى.

النتيجة انه هناك خبر ثقة معتبر على ثلاثة عشرة سنة أو إذا حاضت، واخبار أقل سندا على التسع سنوات، لكن الشهرة على العمل به. في هذه المسألة صار عندي ظن بالخلاف بناء على ان الشهرة تؤدي إلى ظن نوعي صار عندي خبر صحيح قام الظن على خلافه، فأيهما ارجّح؟

إذن خبر الواحد المعتبر ليس دائما يؤدي إلى ظن، نعم شأنه يؤدي إلى ظن على نحو المقتضي.

ومثال آخر من كتاب الله الآية الكريمة: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً﴾ [1] المشهور ويكاد يكون اجماعا انه حتى إذا لم يرد الاصلاح فالردّ صحيح حتى لو اراد الاضرار، فإذا كانت الشهرة حجّة وانا اظن على خلافها، بسبب ظهور الآية الكريمة بعدم ثبوت حق الردّ عند عدم ارادة الاصلاح.

فإذا قام الظن على خلاف الشهرة ماذا نفعل؟ هل الظن بالخلاف يسقط حجيّة الامارة سواء كان خبرا أو اجماعا منقولا أو شهرة أو قياس؟

ذهب بعضهم إلى ذلك ومن ذلك اسقاط إعراض المشهور للرواية المعتبرة.

مرّ معنا مسألة ان عمل المشهور يجبر ضعف الرواية، وأيضا مرّ ان اعراض المشهور أيضا يوهن الرواية المعتبرة، فاعراض المشهور يؤدي إلى ظن قوى بعدم الاعتبار.

إذن المسألة مبنائية:

فإن قلنا بأن حجيّة الخبر ناشئة من الادلّة اللفظية، فإن الأدلة اللفظية مطلقة تشمل ما قام ظن على خلافه وما لم يقم، فيبقى الخبر على حجيّته واعتباره ولو قام ظن بالخلاف. كما لو كان الدليل على حجيّة الخبر آية النبأ، فآية النبأ مطلقة لم تقيّد بعدم الظن بالخلاف، الآية غير مقيّدة فيكون الظن بالخلاف لا يسقط الخبر عن الحجيّة.

وإن قلنا بأن حجية الخبر من باب بناء العقلاء، فلا بد حينئذ من تحقيق مبنى العقلاء، هل يعملون بالخبر الذي يقوم الظن على خلافه؟

الظاهر أنهم يعملون بالخبر ولو قام الظن على خلافه، ألا ترى أن العقلاء يلومون من اخبره الثقة بأمر إذا لم يفعل ما يقتضيه، ولو قال أكثر الناس بخلافه؟

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo