< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بعض ثمرات دليل الانسداد العلميّة.

     استعراض بعض الفروع الناشئة من تماميّة دليل الانسداد.

     هل الظن المعتبر حجة في الأمور غير الشرعيّة؟ المسألة مبنائيّة.

     هناك مبنيان في معنى الحجيّة:

الأول: هو تتميم الكشف وهو ما نذهب اليه وذهب اليه السيد الخوئي (ره).

الثاني: هو المنجزية والمعذرية وهو ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره).

     دليل المبنى ا لأول وهو ان سيرة العقلاء على ذلك.

 

ومن الفروع: هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العمليّة المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها العمل بالجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحملّه والانقياد له، أو لا؟

وهنا لا بد من التفصيل بين ما تجب معرفته أي اليقين والقطع به وما لا تجب.

وما تجب معرفته كمعرفة الله عز وجل، يفّرق فيه بين الجاهل القاصر وهو الذي لا يستطيع الادراك، والجاهل المقصر. والكلام في ثلاث مقامات:

أولا: في وجود الجاهل القاصر: فالحق والانصاف ان نفس معرفة الله تعالى أو الايمان بخالق على نحو الاجمال مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه إلا من مجنون أو مكابر أو جاحد، وهو فطرة البشرية، ولذا تجد خطابات القرآن للناس تهتم بإعادتهم إلى فطرتهم مثل قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ﴾ [1] ﴿أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ﴾ [2] ﴿أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾ [3] ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾ [4] ﴿أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ [5]

نلاحظ أن القرآن يرجع الناس إلى فطرتهم، وكأنه يقول لهم: "لا داعي للاستدلال على وجوده تعالى، بل ارجعوا إلى فطرتكم وبديهياتكم ومسلماتكم".

ثانيا: حكمه فالأحكام تابعة لعناوينها، فإنه توجد عدّة عناوين: الجحود، والشرك، وأهل الكتاب، والمستضعفين.

ثالثا: أي لو كان الجاهل القاصر موجودا: فإن الجاهل القاصر لا يستحق العقاب وجدانا فإنه ظلم.

وفي نهاية بيان هذه المقامات الثلاثة أذكر أمرا حصل في إحدى محاضراتي في الجامعة اللبنانية، وقد سألتهم وكان الحضور خليطا من طوائف شتى، هل يحاسب أهل أدغال افريقيا والامازون وغيرهم ممن لا يعرف محمدا ولا عيسى ولا موسى (عليهم السلام)؟

كانت الإجابات مختلفة، واجبتهم في حينها، أنهم يحاسبون على قدر ما أعطاهم الله من المعرفة، فكما لا يسعهم إنكار وجود خالق على نحو الاجمال، فكذلك لا يسعهم إنكار أن العدل حسن والظلم قبيح.

وأما ما لا تجب معرفته كتفاصيل يوم القيامة والصراط وأنواع الثواب والعقاب، فهذا يرجع إلى الدليل، والظن المطلق – أي الظن الذي لا دليل على حجيّته بما هو – المستدل على حجيّته بدليل الانسداد فهو حجّة، لكن في مقامنا لا يمكن ان يلزم الانسان باليقين، بمعنى أنه لا معنى من عقد القلب عليه، لأن يبقى ظنيا ولو مع اعتبار الظن.

ومنها: هل يكفي دليل الانسداد في إثبات حجية الظن في عالم الامتثال والتطبيق؟ أي أن الظن المطلق حجّة في إثبات الحكم، فلو شككت في الامتثال فهل يكفي الظن؟

ونقول: إن مقدمات الانسداد لا تتم هنا، ولذا لا بد من الخضوع لحكم العقل من أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

نعم، لو دار الأمر في التطبيق بين أمرين، وكان لا بد من أحدهما، وكان لا يمكن إدراك أحدهما على نحو اليقين ولا يمكن الجمع بينهما احتياطا، فلا يبعد كون الظن حجة هنا ولا يبعد أن يحكم العقل بذلك، كما لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة، فلا يمكن الجمع بينهما ولا يمكن الاحتياط، ولا بد من ذلك، حتى نحن يمكن القول بان الظن حجّة هنا لأنه ارجح عقلا: "خذ بالمظنون ولا تأخذ بالموهوم".

إذن الظن يمكن أن يكون حجّة فقط في عالم الترجيح، سواء كان في الدليلين المتعارضين، أو في عالم التطبيق.

إلى هنا نكون قد انتهينا من بحث الانسداد، ولا داعي لأكثر من ذلك بعد أن بيّنا عدم تماميته.

وقبل أن ننهي الكلام عن الكواشف أي الامارات فلا بد من بيان أمور مهمّة ولها ثمرات عمليّة.

ومنها: هل الظن الحجّة المعتبر سواء كان ناشئا من خبر أو شهرة أو غيرها المتعلّق هل يشمل اعتباره الأمور التكوينيّة والتاريخيّة؟ مثلا أن الأرض محمولة على قرن ثور، أو أنه يوجد حياة على سطح المريخ، أو أن الفراعنة فعلوا كذا وكذا، أو ما كان من تواريخ الأنبياء وأهل البيت (ع) أو السلاطين ووردت روايات في ذلك، الخ ؟.

فنقول باختصار إن المسألة مبنائية، فإنه يوجد مبنيان في معنى حجيّة الامارات:

المبنى الأول: ان معنى الحجيّة هو تتميم الكشف، فالخبر ظني ناقص الكشف، اعتبره الشارع بمنزلة العلم الكشف التام، وهو ما اختاره السيد الخوئي (ره) وغيره، وما نذهب إليه أيضا، لان دليل حجية الخبر هو سيرة العقلاء والعقلاء يعملون بأخبار الثقة ككاشف، وهذا كاف، فعندما اعتبرها الشارع اعتبرها أيضا ككاشف عن واقع.

نعم، لو كان دليل الحجيّة النصوص امكن ان يكون مجرّد منجز ومعذّر كالمبنى الثاني.

المبنى الثاني: ان معنى الحجيّة هو المنجزيّة والمعذرية، وهو مبنى صاحب الكفاية (ره) وقد قلنا سابقا أن المنجزية والمعذرية من لوازم حجيّة الخبر والامارات وليس نفس الحجيّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo