< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/10/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بعض ثمرات دليل الانسداد العلميّة.

     استعراض بعض الفروع الناشئة من تمامية دليل الانسداد.

 

بعد أن اثبتنا عدم تماميّة دليل الانسداد الذي أقاموه لإثبات حجيّة مطلق الظن، وقلنا ان المراد من الظن المطلق ليس الظن الخاص المعتبر بل كل ظن مهما كان منشؤه. وذكرنا دليل صاحب القوانين (ره) على دليل الانسداد، وذكرنا أيضا المقدمات الإنسدادية الأربعة أو الخمسة على الخلاف، وقلنا ان الدليل على الانسداد غير تام، وهو المشهور حاليا.

بعد أن اثبتنا عدم تماميّة هذا الدليل وذلك لسقوط بعض مقدماته خصوصا المقدّمة الثانية، والتي تتضمّن انسداد باب العلمي، فلم يثبت حجيّة الظن المطلق، لا بنحو الحكومة ولا بنحو الكشف، وعليه، فيسقط كثير من المباحث والمسائل التي تتفرّع على تمامية الانسداد التي ذكرها الشيخ الانصاري (ره) وصاحب الكفاية (ره) وغيرهم، لابتنائها على ثبوت دليل الانسداد، فلا داعي لذكرها، لعدم ثبوت ثمرة علمية لها بالنسبة إلينا، ولكل من سقط عنده دليل الانسداد.

نعم، لا شك ان في بيانها بعض الثمرات العلميّة، ولا باس بالتعرض لها لمن أحبّ، فتكون من باب التوسعة العلميّة والثقافية الاصوليّة، والاطلاع على ما عند الآخرين، نذكر منها:

منها: هل مقدمات الانسداد تؤدّي إلى حجيّة الظن بالواقع، أو حجيّة الظن بالطريق، أو الأعّم منها؟

فلو حصل الظن بصحّة السند دون حصول الظن بالحكم الوارد في الرواية فهل يكون حجّة، فتكون الرواية معتبرة بناء على حجيّة الظن بالطريق؟ وهكذا.

مثلا: ورود رواية "ان الفقاع خمر إستصغره الناس"، فلو ظننت بحجيّة الطريق وعدم اعتباره، كما لو كان هناك بعض القرائن فيه دون ان يصل إلى حد الاعتبار، هل الظن بالطريق يكفي لإثبات حجيّة الطريق.

أو أن حجيّة الظن تكون في خصوص المؤدى؟ أو أن حجية الظن فتشمل كل ظن فيشمل الطريق والمؤدى؟

وهذا فرع من أصل دليل ثبوت دليل الانسداد، فإذا ثبت دليل الانسداد أمكن البحث في هذا الفرع.

مثال ذلك عدم وجود قرائن لا تصل إلى حد الدليلية وتكون كمؤيدات في الكثير من الرواة لعدم وجود قاعدة تامّة كقاعدة ابن ابي عمير لا يروي إلا عن ثقة، فمجرد القرائن لا تكفي عندنا، نعم هي تؤدي إلى ظن بالوثاقة، فهل هذا الظن حجة بناء على تمامية دليل الانسداد؟ فمثلا في عبد الله بنان ابن محمد بن عيسى هناك قرائن تؤيّد الوثاقة كونه بن عائلة علميّة وهم الثقات، وروى عنه الاجلاء عير الذين لا يروون إلا عن ثقة، هذه القرائن عندنا لا تصل إلى مرحلة الدليليّة إلا إذا حصل اطمئنان كما لا يبعد في "ماجيلويه"، فهل الظن في التوثيق صار حجّة؟

البحث في هذا الفرع ساقط من أساسه عند من لا يقول بثبوت دليل الانسداد لعدم تماميّة مقدماته.

ومنها: البحث عن تقدم الظن المانع على الظن الممنوع، فإذا قام ظن على حكم من الأحكام، وقام ظن آخر على عدم حجيّته، فهل يقدّم الأول أو الثاني؟

مثلا: اظن برواية غير معتبرة بأن الفتاة يجب أن يكون أمر زواجها في يد وليّها وليست مستقلّة في قرارها، وقام ظن آخر بعد هذا الظن على عدم حجيته منع الظن الاول، فهل يقدم الأول أو الثاني؟

وهذا يتصوّر على ثلاثة انحاء:

النحو الأول: أن يقوم ظنان على نفس الحكم، أحدهما يثبت والآخر ينفي، وهذا محال أن يتحقق، لأن اجتماع الظنين محال كاجتماع القطعين.

النحو الثاني: أن يقوم ظن على الحكم، ثم يتغيّر ليصبح ظنا بعدمه، وهذا ممكن الحصول.

النحو الثالث: أن يكون متعلق الظن الأول غير متعلّق الظن الثاني، كأن يكون الأول متعلّقا بالواقع، والثاني متعلّق بالطريق، وهذا أيضا ممكن. مثلا: ورد في الروايات: "أن الجدّة إذا ارضعت الحفيد حرم الأب على الأم" هذه الرواية تظن بعدم متعلقها وكانت الرواية مظنونة سندا فيوجد ظن بصحة سند الرواية من دون ظن بالمؤدى.

ولكن البحث ساقط من أساسه لعدم حجيّة الظن المطلق.

ومنها: إذا كان الظن حجة فكيف نصنع بالظن القياسي؟ أي الظن الناشئ عن القياس، فقد ورد النهي عن العمل به.

قد يقال: ان كل ظن مطلقا حجّة إلا الظن الناشئ من قياس، أمكن التخصيص. فلا مانع ولا اشكال من ورود النهي عنه.

فنقول حينئذ، إنه بناء على الحكومة أي حكم العقل بحجيّة الظن، لا يمكن تخصيصه، لأن حكم العقل غير قابل للتخصيص، والامثلة كثيرة على ذلك كما في "العدل حسن" لا يخصص، ومقدمة الواجب واجبة بناء على ان الوجوب حكم عقلي، لا يخصص، وهي أكثر امتناعا عن التخصيص من العمومات غير القابلة للتخصيص كما في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [1] ، هل يمكن القول: "عاشروهنّ بالمعروف إلا في مورد خاص يصح الظلم فيه"؟ وكما في قوله تعالى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [2] ، هل يمكن القول: "اعدلوا إلا في المورد الفلاني"؟! وكذلك أيضا في اللوازم العقليّة مثلا في الحديث: "ما خالف قول ربنا لم نقله، زخرف، باطل، اضرب به عرض الجدار"، هل يمكن ان يقال: "ما خالف قول ربنا باطل إلا هذا القول"؟ محال التخصيص في كل هذه الأمثلة.

نعم، بناء على الكشف لا مانع من التخصيص.

وعليه، هذا البحث أيضا ساقط من أساسه لعدم تماميّة دليل الانسداد.

ومنها: هل الظن يجبر ضعف الرواية سواء كان الضعف من جهة السند أم من جهّة الدلالة؟

مثلا: الراوي وهب بن وهب المعروف انه كذاب، وروى رواية اخلاقيّة، يكون هناك ظن بالدلالة، هنا فهل الظن يجبر ضعف السند؟

وهذا البحث أيضا ساقط لعدم حجيّة الظن.

وهنا نتساءل هل فقد الظن قيمته الدلالتيّة؟ وهل يبقى مجرّد مؤيّد؟ وهل يمكن ان يكون معتبرا؟

قلنا ان الظن ليس مطلقا لا قيمة له، بل نستفيد منه في الخبرين المتعارضين فلا مانع من كونه أحد المرجحات، بناء على ما نذهب إليه نحن إذا كان منشأ الظن عقلائيا، وقد ذكرنا سابقا من ان المنصوصات في الترجيح هي عبارة عن تطبيقات، لان حجية الخبر أساسها سيرة العقلاء على العمل بالخبر الثقة، فكذلك نرجع للعقلاء إذا تعارض الخبران، فانهم يعملون بالأرجح، ومن جملة المرجحات العقلائية الظن بأحدهما.

ومنها: هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العمليّة المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها العمل بالجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحملّه والانقياد له، أو لا؟

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo