< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

 

     محاكمة المقدمات الأربع والبحث فيها:

     انسداد باب العلم تام سواء على مسلك الشيخ الانصاري (ره) من بقاء مؤثرية العلم الإجمالي عند الاضطرار لبعض الأطراف أم على مسلك صاحب الكفاية (ره) من عدم مؤثريته.

     انسداد باب العلمي يتوقف على امرين: إما على سقوط حجية الخبر، وإما على عدم حجيّة الظواهر، من باب منع الخلو.

     سقوط حجية الخبر يكون بأحد ثلاثة أمور:

اما بالقول بعدم حجية الخبر:

2- واما بعدم توثيق احد الرواة.

3- واما بأمور أخرى كمخالفة الكتاب واعراض المشهور.

 

إعادة التذكير بما مضى ملخصا في محاكمة المقدّمة الأولى وهي انسداد باب العلم والعلمي.

ونتيجة المقدمة الأولى كانت عدم انسداد باب العلم ولا يؤدي إلى تنجيز التكاليف سواء كان على مبنى الشيخ الانصاري (ره) أم على مبنى صاحب الكفاية (ره).

قلنا أنه نشأت مسألة بين الأصوليين وهي: هل الاضطرار إلى أحد الأطراف يسقط العلم الإجمالي عن التأثير؟

ذهب الشيخ الانصاري (ره) إلى عدم السقوط وبقاء العلم الإجمالي في مؤثريته حتى لو اضطررنا للطرف الآخر، فلا بد من الاحتياط في الطرف الآخر غير المضطر إليه.

وهو الصحيح والمختار، فالعلم الإجمالي يبقى على المؤثرية إلا أن يسقطه أمر آخر.

وذهب صاحب الكفاية (ره) إلى سقوط العلم الإجمالي عن المؤثريّة، وبالتالي يصح جريان الأصول في الطرف الآخر.

اما بناء على مسلك الشيخ الانصاري (ره) من أن تأثير العلم الإجمالي لا يرتفع بالاضطرار إلى بعض الأطراف فيجب العمل به في الأطراف الباقية، وكما ذكرنا فالأمر واضح، فتتم المقدمة الأولى بالنسبة لانسداد باب العلم.

واما بناء على مسلك الشيخ الآخوند صاحب الكفاية (ره) من ارتفاع أثر العلم الإجمالي مع الاضطرار إلى بعض الافراد، وحينئذ يصبح مجرى للأصل كأصل البراءة، فالمفروض حينئذ ارتفاع التكاليف بأجمعها عن التنجيز فيسقط العلم الإجمالي عن الأثر، حينئذ يجوز ارتكاب كل محتمل وترك كل محتمل، فتسقط المقدمة الأولى.

النتيجة: على رأي الشيخ الانصاري (ره) يمكن تصحيح المقدمة الأولى لان العلم الإجمالي لا يسقط بالاضطرار عن التأثير، اما على رأي الشيخ الآخوند (ره) يسقط بالاضطرار عن التأثير أي انه لا يمكن العمل بالطرف الثاني فيجوز تركه.

اما نحن نقول: ان التكاليف لا تسقط حتى على رأي صاحب الكفاية (ره) وهي موجودة ويكون العلم الإجمالي بالتكاليف منجزا وتتم المقدمة الأولى بالنسبة لانسداد باب العلم.

وذلك ان التكاليف على قسمين:

قسم ارتفع التكليف به بالاضطرار.

وقسم غير مضطر إليه أرتفع بكونه مشكوكا بالشك البدوي بعدم كونه طرقا للعلم الإجمالي، فأصبحت كل التكاليف خارجة عن التكليف بناء على رأي صاحب الكفاية (ره)، وهذا وجدانا باطل، اصبحنا كالبهائم او المجانين او الأطفال من دون تكاليف وهي قطعا مطلوبة من الله عز وجل، وان قال الشيخ الآخوند ان العلم الإجمالي لا أثر له بالاضطرار إلى بعض الافراد.

وارتفاع جميع التكاليف على رأي صاحب الكفاية (ره) لإجراء البراءة في كل مشكوك أمر واضح البطلان، فإنه خروج عن الدين كما عبّر عنه الشيخ الانصاري (ره).

والمراد من الخروج عن الدين هو الخروج عن الفروع البديهيّة، لا إنكار الأصول.

النتيجة: المقدمة الأولى من جهة انسداد باب العلم تامّة وصحيحة ولا يمكن إنكارها، سواء كانت على مبنى الشيخ الانصاري (ره) أو الشيخ الآخوند (ره)، لكن يمكن النقاش في النتيجة الأخيرة: وهي هل يجب العمل بالظن كما جعلها صاحب القوانين (ره) أم يجب العمل بخصوص الأخبار في الكتب المعتبرة؟

فصاحب القوانين (ره) استدل بان انسداد باب العلم والعلمي يؤدي إلى حجيّة الظن، وهذا الاستدلال غير صحيح بعد نقاش أصل المسألة والوصول إلى النتيجة، فانه بناء على انسداد باب العلم في التكاليف فان ذلك يؤدي إلى حجيّة خصوص التكاليف الموجودة في الكتب المعتبرة وليس مطلقا.

لقد ذكرنا سابقا أن العلم الإجمالي بوجود تكاليف ينحل إلى علم أصغر منه وشك بدوي، وهكذا حتى نصل إلى العلم الإجمالي بوجود علم اجمالي بخصوص الكتب المعتبرة.

فالعلم الإجمالي بالتكاليف ينحل إلى علم اجمالي بوجودها في خصوص بعض الأمارات، وإلى شك بدوي في الباقي. والعلم الإجمالي بوجود التكاليف في خصوص بعض الأمارات ينحل إلى علم أصغر منه وهو العلم بوجودها في الكتب المعتبرة وشك بدوي في غيرها.

فتكون نتيجة المقدمة هو العمل بالأخبار الموجودة في خصوص الكتب المعتبرة وليس العمل بمطلق الظن. كما أن العمل بالأخبار في جميع ما ورد في الكتب المعتبرة لا يستلزم العسر والحرج، ولا مانع من الاحتياط فيه، إذ هو لا يُخل بالنظام العام، ألا ترى أن بعض من يذهب إلى حجيّة جميع الأخبار في الكتب الأربعة يعمل بها من دون اختلال للنظام ولا عسر في ذلك ولا حرج عندهم.

اما المقدّمة الثانية: وهي انسداد باب العلمي:

إذن انسداد باب العلم فهو صحيح، بل واضح متسالم بديهي لكل من خالط الفقه وعملية الاستنباط.

واما انسداد باب العلمي فلا نسلّم به، لأنه متوقف على أحد أمرين على سبيل منع الخلو، أي أن أحدهما أو كليهما كاف لإثبات الانسداد.

فإن القرآن قد أمر بالفروع على نحو الاجمال، من دون تطرّق للأجزاء والشرائط والموانع إلا قليلا بل نادرا، فقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [1] هو أمر بالصلاة والزكاة على نحو الاجمال، والموضوع هو أصل الصلاة والزكاة، اما من جهة شرائط الصلاة واجزائها وكذا الزكاة وما تجب فيه وانصبتها فلم يتطرّق إليها، نعم تطرّق إلى موارد الانفاق في قوله تعالى: ﴿ِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [2] وفي الصلاة تطرّق إلى أوقاتها في قوله تعالى: ﴿أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ [3] .

احدهما: عدم حجيّة شيء من الامارات التي بين أيدينا بحيث يكون بمقدار العلم الإجمالي، من خبر الواحد أو الشهرة وغيرها، وخبر الواحد لا يكون حجّة من أحدى جهات:

إما من جهة عدم ثبوت وثاقة رواته كضعف السند، فيسقط من حيث السند.

وإما من جهة عدم حجيّة خبر الثقة، فيسقط من حيث هو.

وإما من جهات أخرى كمخالفة الكتاب أو إعراض المشهور عنه.

الثاني: عدم حجيّة ظواهر الأخبار بالنسبة إلينا، لاختصاص حجيتها بالمقصودين بالإفهام، ونحن لسنا منهم، فنحن قد خلقنا بعد عصر المعصومين (ع) بأكثر من ألف سنة، فتسقط الأخبار بالنسبة إلينا من حيث الدلالة وإن تمّت من حيث السند.

ونحن لا نقول: لا بسقوط السند، ونقول بحجية خبر الثقة، إذن باب العلمي لم ينسد، ونقول بحجيّة الظواهر ايضا، وانما ينسد باب العلم والعلمي إذا أخذ على نحو منع الخلو كما قالوا، ونقول أن كليهما غير تامّ فالكثير من الأسناد حجيّة، والظواهر يعمل بها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo