< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/08/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد .

     محاكمة المقدمات الأربع والبحث فيها:

     المقدمة الأولى: لا شك في وجود التكاليف إجمالا.

     سقوط بعض الأطراف عن التكليف.

     سقوط العلم الإجمالي.

     ذهب الشيخ الانصاري (ره) إلى بقاء العلم الإجمالي على مؤثريته، ووجوب الاحتياط في الباقي.

     ذهب صاحب الكفاية (ره) إلى سقوط المؤثريّة وعدم وجوب الاحتياط.

النقطة الرابعة: في محاكمة المقدمات الأربع والبحث في أنها هل هي تاّمة أو لا؟

اما المقدمة الأولى: وهي العلم الإجمالي بوجود تكاليف فعليّة مسؤولين عنها في عالم الامتثال فهي لا شك صحيحة، وهذا لا ينكره احد، فإننا لسنا كالبهائم أو المجانين أو الأطفال غير المدركين، نفعل ما نشاء ونترك ما نشاء، فأن الله كرّم الإنسان بتكليفه، والتكليف لطف من الله بالبشر. [1]

لكن قد يقال: إن هذا العلم الإجمالي بالتكاليف وإن كان صحيحا، فالضرورات والبديهيات قليلة جدا في الفروع، اما الأجزاء والموانع والشرائط فغير معلومة إلا من خلال الظنون،

إلا أن هذا العلم الاجمالي بالتكاليف مما لا أثر له، وهو غير منجّز في حقنا، فلا يجب علينا ان نلتزم به.

بيان ذلك: إن العلم الإجمالي له أطراف، آلاف الاحكام، فيجب الاحتياط فيها جميعا، فتجب الموافقة القطعية ولا تجوز المخالفة القطعيّة، لكن بعض الأطراف يحرم الاحتياط فيها مثلا إذا لزم منه بطلان العبادة، أو إذا لزم منه اختلال النظام العام، أو قد يكون متعذرا، فحينئذ لا بد من ارتكاب بعض الأطراف بالاضطرار، فإذا خرج بعض الأطراف عن المسؤولية بالاضطرار أو بعدم القدرة أو بغير ذلك مما نتصوّره من الخروج عن العهدة، انحل العلم الإجمالي، أي أن أثره انتفى، وصار الطرف الآخر مشكوكا بالشك البدوي، إذ لا يوجد علم اجمالي مؤثّر، فيجري فيه الأصل العملي كالبراءة مثلا.

بعبارة أخرى: الاضطرار إلى بعض الأطراف يرفع العلم الإجمالي عن اثره وهو وجوب الاحتياط، فإذا اضطررت لارتكاب بعض الأطراف، الطرف الثاني أصبح من باب الشك البدوي وتجري الأصول فيه.

وللتوضيح: نعطي مثالا على ذلك: إناءان أحدهما نجس لكنه معلوم النجاسة بالإجمال، ولا بد من الاحتياط حينئذ، فإذا خرج أحدهما عن التكليف المنجز، بأن اضطررت إليه، أو بأنه قد أهرق، فقد خرج أحد أطراف العلم الإجمالي عنه بما أنه مؤثر، فإن الأثر وهو وجوب الاجتناب عنهما قد ارتفع فيه - أي في الطرف المضطر إليه - وحينئذ يسقط العلم الإجمالي عن التأثير، لأن تأثيره في الطرفين حيث انه لا تجوز المخالفة القطعيّة ويجب الموافقة القطعيّة، فالاضطرار إلى أحد الطرفين أسقط العلم الإجمالي عن التأثير، فأصبح الطرف الآخر كالشبهة البدوية والشك البدوي فيجري فيه الأصل العملي.

من هنا نشأت مسألة كانت محل خلاف بين اعلام الأصوليين وهي: هل الاضطرار إلى أحد الأطراف يسقط العلم الإجمالي عن التأثير؟

قولان: ذهب الشيخ الانصاري (ره) إلى عدم السقوط وبقاء العلم الإجمالي في مؤثريته حتى لو اضطررنا للطرف الآخر، فلا بد من الاحتياط في الطرف الآخر غير المضطر إليه.

وهو الصحيح والمختار، فالعلم الإجمالي يبقى على المؤثرية إلا ان يسقطه أمر آخر.

وذهب صاحب الكفاية (ره) إلى سقوط العلم الإجمالي عن المؤثريّة، وبالتالي يصح جريان الأصول في الطرف الآخر.

ستأتي هذه المسألة مفصلا بعد الانتهاء من مباحث الظن في بحث الأصول العمليّة. هل الاضطرار إلى أحد الأطراف يسقط العلم الإجمالي عن التأثير؟

بعد هذا البيان نعود لمسألتنا: فان الاحكام المعلومة بالإجمال يجب الاحتياط فيها، ولكن لكثرتها وسعتها، كونها تشمل المظنون والموهوم والمشكوك نضطر إلى ارتكاب بعضها، وهل الاضطرار إلى ارتكاب مخالفة بعض التكاليف يسقط العلم الإجمالي عن التأثير؟

فلماذا لا تجري الاصول؟ فالمقدمة الأولى هي انسداد باب العلم والعلمي، العلم الإجمالي بالتكاليف موجود قطعا لكن لا نعلمها، بالعلم الإجمالي هناك احكام موجود قطعا ضمن الاحكام الكثيرة المشكوكة، وبعض هذه الاحكام مضطر اليه لا يمكن الاحتياط فيه، اما يحرم الاحتياط أو يسقط وجوبه، النتيجة ان بعض اطراف العلم الإجمالي خرج عن التكليف لعدم وجوب الاحتياط فيه، فبقية الأطراف تجري فيها الأصول.

النتيجة: ان مقدّمة الانسداد الأولى سقطت، فالعلم الاجمالي موجود لكن عمليا لا أثر له.

والأقرب بقاء العلم الإجمالي على مؤثريته وعدم جريان الأصل على المسلكين.


[1] استطراد: ورد في الحديث الشريف: ان العلم ثلاثة: آية محكمة وفريضة قائمة، وسنّة متبعة، والباقي فضل. معنى كون أن العلوم الباقية فضل: هناك من قال بان الإسلام لا يحترم العلوم بدليل قوله (ص) أن الباقي فضل.جوابنا ان هذا قلّة فهم للحديث، ومعنى الفضل ان له قيمة وليس انه لا قيمة له بل هو متأخر عن غيره من حيث الاهتمام بتحققه، ولأنه في الفكر الاجتماعي العام، رعاية المجتمع يحتاج أولا إلى قوانين أنظمة، والفقه هو أساس في تنظيم البشر ولا بد منه، وعصرنا الحاضر يسمّى القانون، ثم تنشر بقيّة العلوم التي يحتاج اليها المجتمع والفرد كالطب والهندسة وغيرها من العلوم وهذا هو الباقي الذي هو فضل لأنه أتي ما بعد الأساس والقوانين والأنظمة. الثقل الأكبر في العلوم هو الكتاب ثم السنّة، والباقي هو الفروع.وقد يقال: إن معنى "آية محكمة" هو كل القوانين الكونية الثابتة، فتشمل قوانين الفيزياء والكيمياء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo