< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد .

     نتيجة مقدمات الانسداد مطلقة لا مهملة، من حيث السبب والمورد والمرتبة.

     لا مانع من الاستثناء من اللحاظات الثلاثة، كاستثناء القياس في السبب واستثناء الفروج والدماء والأموال الخطيرة، فيجب الاحتياط ولا يجوز العمل بالظن.

 

بعد التذكير بمقدمات الانسداد، وما مرّ في الدرس السابق من بيان اقسام التنزيل منزلة العلم لتركيز البحث نعود لمسألة على تقدير تمامية المقدمات، فهل النتيجة هي مطلقة أو مهملة؟

الاطلاق يكون لكل الحالات والازمنة اما على اصطلاح الأصوليين فهو يشمل الافراد لانهم لم يفرقوا بين العموم والاطلاق إلا من حيث البيان، فالإطلاق إذا كان بسبب مقدمات الحكمة، والعموم إذا كان بسبب الوضع، وليس على اصطلاحنا لأننا فرقنا بين العموم والاطلاق، بتفريق آخر فالأطلاق بلحاظ الحالات والازمنة، والعموم بلحاظ الافراد، الفرق بينهما جوهري وليس مجرّد كيفية ثبوت الشمول.

ونعود: هل نتيجة مقدمات الانسداد تؤدي إلى إطلاق أو إلى إهمال؟ [1]

بداية يجب أن نعلم أن حكم العقل لا إجمال فيه ولا إهمال، حيث إن العقل إما ان يدرك أو لا يدرك فإذا ادرك مثلا: ان العدل حسن أو ان الواحد نصف الاثنين وغير ذلك حكم، وإذا لم يدرك لم يحكم، وليست نتائجه مطلقة أو مهملة. الإهمال والإجمال إنما يتطرقان للأدلة اللفظية، فاللفظ قد يكون مطلقا وقد يكون مجملا وقد يكون مهملا، ففي قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [2] أي اجمالا أصل الصلاة والزكاة واجبة، ولم تلحظ الأجزاء والشرائط؟

وقد يكون الاجمال في بعض الامارات كالشهرات أيضا، وان ذهب بعضهم للإهمال والاجمال في حكم العقل أيضا.

فالظن هنا حجّته عقلية، لذلك تكون النتائج مطلقة، والاطلاق يكون بلحاظات، تارة يكون بلحاظ السبب، وتارة بلحاظ المورد، وتارة بلحاظ الرتبة.

بلحاظ السبب الظني قد يكون بوجود خبر واحد وقد يكون خبر ثقة أو عدل لكن ظنّي، وقد يكون السبب الشهرة وتؤدي إلى ظنّ، أو فتوى فقيه أو قياس أو استحسان أو سدّ الذرائع كلها تؤدي إلى ظنّ.

مثلا قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾[3] الاطلاق ورد من جّهة الحليّة ومن ناحية الامساك وليست الآية في مقام بيان طهارة الصيد.

فالاطلاق يحتاج إلى جهة يلاحظ من خلالها. فالظن بحسب هذه المقدمات أدى عقلا إلى وجوب العمل بالظن من أي سبب جاء الظن، سواء كان الطن مأخوذ على نحو الكشف أو الحكومة، ونحن ذهبنا إما للحكومة أو للتنجيز والتعذير. فحكم العقل مطلق لا اهمال فيه.

وأما من حيث المورد، وهي مختلفة، من الأموال أو من النكاح أو الصلاة، أو العبادة، أو يكون موردها المعاملات أو العبادات حسب المتعلّق المظنون. فإذا انسد باب العلم والعلمي فيكون الظن حجّة أيا كان المورد، نعم يمكن تقيده، فكما كان الظن حجّة كان السبب حجّة ويمكن ان نستثني فنقول: إلا القياس، فلولا الأدلّة الخاصّة القريبة من التواتر، ونقطع بان قياس العلّة المظنون وليس كل قياس باطل، وإلا فدليل حجيّة العمل بالظن يشملها، ولولاها لوصل المحقق القمّي (ره) إلى حجيّة القياس.

فكذلك من حيث المورد فالنتيجة مطلقة، مطلق الظن حجّة، ولكن يمكن للشارع أن يستثني من قبيل ما اشتهر بوجوب الاحتياط في الدماء والاحتياط في الفروج والاحتياط في الأموال الخطيرة، وبعضهم يحتاط في مطلق المال. اما نحن فصلنا، حينئذ لا ينسد باب العلم أو العلمي في هذا المورد.

لكن نقول ان الاستثناء لا يعني ان بقيّة الأمور تصبح حجيّة الظن على نحو الإهمال تصبح واجبة عقلا ويجب العمل به، لذلك حتي في المورد الظن مطلق كما ذكر ذلك صاحب الكفاية (ره).

لكن ذكر بعض الأكابر أن النتيجة مهملة من حيث المورد، إذ عدم وجوب الاحتياط الكليّ – لعدم إمكانه أو لاستلزامه اختلال النظام أو سقوطه للزوم العسر أو الحرج – لا يوجب رفع اليد عن الاحتياط في جميع الموارد، بل لا بد من العمل بالاحتياط في الموارد التي عُلِم اهتمام الشارع بها كالاحتياط في الفروج والدماء، وعليه يعمل بالظن في غير هذه الموارد.

وفيه نظر: من حيث إن النتيجة حينئذ هي العمل بالظن مطلقا في كل الموارد عدا ما ثبت اهتمام الشارع به، طالما العلم الإجمالي لم ينحل إلى علم تفصيلي أو علم اجمالي اصغر وشك بدوي. فلا تجوز مخالفة العلم الإجمالي المخالفة القطعية ويجب موافقته موافقة قطعية.

وأما من حيث المراتب، فكذلك الأمر طالما بقي العلم الإجمالي بالتكاليف موجودا، فإن الظن له مراتب، وهو يبدأ من 51% ليصل إلى 99% ، وطالما أمكن الاحتياط وجاز ولم يكن فيه اختلال للنظام أو العسر أو الحرج، فلا يجوز العمل بالظن، وعند المرتبة التي لا يمكن العمل فيها بالاحتياط يبدأ وجوب العمل بالظن.

النقطة الرابعة: في محاكمة المقدمات الأربع والبحث فيها.

 


[1] فائدة: الفرق بين والاجمال والإهمال: الاجمال هو الإهمال عن قصد، أي يتقصد ان لا يكون قضيّة محصورة، من قبيل قوله تعالى: "اقيموا الصلاة" التي هي على نحو الاجمال قصد منها أصل الصلاة، التي هي علاقة تذلليّة خاصة بين العبد ورّبه، وقصد القربة وداعي الأمر في الصلاة كلّها دواع وليست من أصل مفهوم الصلاة كما هو المعروف المتداول بين أصحاب الفن، وبرأينا هي حقائق لغوية وليست حقيقة شرعيّة، ذكرنا ذلك في دروس سابقة تفصيلا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo