< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/08/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل الانسداد

 

     النقطة الأولى: مقدمات الانسداد اربع أو خمس؟

     النقطة الثانية: على تقدير تمامية المقدمات، فهل هو على نحو الكشف أو الحكومة؟.

     احتمال آخر وهو ان تكون النتيجة بلحاظ التنجيز والتعذير دون الكشف أو الحكومة.

 

قلنا أن المحقق القمّي (ره) توّج ما كان قبله من النظريات في حجيّة الظن من باب العقل بدليل الانسداد. وذكرنا أن الادلّة السابقة بمعظمها مقدمات لدليل الانسداد، وبيّنا المقدمات ولن نطيل في ذلك لأننا لا نعرف أحد حاليا يقول بحجية الظن المطلق.

وذكرنا أن سبب تعدد المقدمات من أربعة إلى خمسة هو تفسير المقدمة الأولى وهي أننا نعلم إجمالا بوجود تكاليف، وتفسير التكاليف هو الذي جعلها تكون أربعة أو خمسة، فإذا قلنا ان التكاليف المنجزة ولو بالعلم الإجمالي، حينئذ لسنا بحاجة إلى المقدّمة الثالثة التي جعلها صاحب الكفاية (ره)، اما إذا قلنا أن المراد بالتكاليف هي في الواقع وما كانت في اللوح المحفوظ فحينئذ التكاليف تحتاج إلى المقدمة الثالثة.

إذن الكلام في عدّة نقاط:

الأولى: هي مقدمات أربعة أو خمسة، إذ ان المقدمة الأولى وهي ثبوت التكاليف في حقنا، فإذا كان المراد من التكاليف هو التكاليف الواقعية - أي ما كان في اللوح المحفوظ أي التشريع الواقعي ولو لم يصل إلينا - اصبحنا بحاجة إلى المقدمة الثالثة وهي ان هذه التكاليف لا يجوز لنا اهمالها ويجب التعرض لها، وإلا اصبحنا بدون تكاليف، وهذا ما فعله صاحب الكفاية (ره).

اما لو كان المراد من التكاليف هي التكاليف المنجزة في حقنا فلا داعي للمقدمة الثالثة وهو مختار الشيخ الانصاري (ره) في رسائله.

النقطة الثانية: على تقدير تماميّة هذا المقدمات التي ذكرناها في دليل الانسداد، فهل تؤدي المقدمات إلى كون الظن حجّة من باب الكشف أم من باب الحكومة؟

ومعنى الكشف: أن الشارع قد جعل الظن حجّة، جعلا تأسيسيا ودليل هذا الجعل هو المقدمات المذكورة.

ومعنى الحكومة: أن الشارع لم يجعل ولم يؤسس ولم يشرّع حجيّة الظن بل العقل يدرك ان الظن منجّز ومعذّر وسبب هذا الإدراك هو المقدمات العقلية المذكورة.

والصحيح هو الثاني، أي ان هذه المقدمات لو تمّت فإنها تؤدي إلى الحكومة، أي مجرّد حكم العقل بالجري على طريق الظن.

والسرّ في ذلك: أن الشارع شأنه الجعل والتشريع، والعقل شأنه الإدراك فهو يدرك ان العدل حسن وان الظلم قبيح وان الواحد نصف الاثنين، ويدرك أيضا بواسطة هذه المقدمات انه يجب العمل بالظن إذا انسد باب العلم والعلمي، ويدرك قبح العمل بالمشكوك والموهوم وترك المظنون، ويدرك حسن العمل بالمظنون لأنه الراجح.

فالمقدمة الأخيرة كانت عقلية، وهي وجوب العمل بالظن عقلا في حال كفايته للمعلوم اجمالا.

وذكرنا ان العلم الإجمالي الكبير قد ينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وقد ينحل إلى الأصغر منه وشك بدوي، المشكوك بدويا تجري فيه الأصول ويبقى العلم الإجمالي منجزا. والتكاليف نعلم اجمالا انها موجودة ضمن المظنونات، وفي خارج المظنونات هل هناك احكام أخرى؟ فانه غير معلوم فتجري الأصول حينئذ كالبراءة وغير ذلك، هذا إذا كان المظنون بمقدار العلم الإجمالي.

اما إذا كان المظنون اكثر من العلم الإجمالي، ونعلم ان هناك أحكاما أخرى في المشكوكات او الموهومات لا ينحل العلم الإجمالي، ويبقى هناك علم اجمالي بالقسم الآخر وهو المظنون، فالعلم الإجمالي حينئذ يحتاج إلى تنجيز.

إذن هذه المقدمات تؤدي إلى حكومة وليس إلى كشف.

احتمال آخر: قد ذكرنا ان القطع حجيته ذاتية، فيه كشف تام بذاته وفيه وجوب الجري على طبقه بذاته لا يحتاج إلى اعتبار، وفيه تنجيز وتعذير كذلك. وقد ذكرنا مسألة ان المجعولات الشرعيّة كالأمارات والأصول لا قطع فيها، عندما ذكر الفرق بين الأصل المحرز وغيره، قلنا حينها ان الشيء إذا اردنا ان ننزله منزلة القطع فسميناه علميا، تارة ننزله منزلة القطع من جهة الكشف هذه الامارات، والخبر الواحد، والشهرة والاجماع المنقول، وغيرها.

اما إذا نزلناه منزل العلم من جهة الجري صار أصلا، وقلنا ان الجري على قسمين: تارة بلحاظ الاحتمال، وتارة بلحاظ المحتمل.

فان كان بلحاظ الاحتمال سمّاه الشيخ النائيني (ره) أصلا محرزا كالاستصحاب، وان كان بلحاظ المحتمل كان غير محرزا.

أيضا هناك شيء آخر في القطع، وهو انه منجّز ومعذّر. فإذا نزلّت الشيء منزلة العلم في التنجيز والتعذير هذا ممكن لأنها ملحوظة.

وللتوضيح نضرب مثلا لو قلت: "زيد أسد"، تارة انزله منزلة الأسد بلحاظ الشجاعة، وتارة بلحاظ بخر الفم، وتارة بلحاظ كثافة الشعر، إلى غير ذلك من اللحاظات الكثيرة، تنزيل ادعائي سكاكي، وتارة انزل من جهّة معيّنة فقط دون غيرها، وتارة من كل الجهات.

وفي القطع أيضا له جهات: كشف تام وله وجوب الجري على طبقه، وهذا تارة بلحاظ الاحتمال، وتارة بلحاظ المحتمل، وتنجيز وتعذير. فإذا نزلت امرا منزلة القطع بلحاظ الكشف صار امارة، وإذا نزلته منزلة القطع بلحاظ الجري صار أصلا عمليا سواء كان بلحاظ الاحتمال أو المحتمل، محرزا أو غير محرز، اما إذا اجريته بلحاظ التنجيز والتعذير يصبح شيئا أخر ثالثا وهو انه منجّز ومعذّر ولكن اعتبارا.

فعندما حكم العقل بحجيّة الظن وجواز العمل به فهل كان ذلك من باب التنجيز والتعذير، أو من باب الجري وذلك بلحاظ المقدمات؟

ومع هذا البيان يكون لدينا ثلاثة احتمالات:

1- احتمال ان تكون النتيجة ان الظن مأخوذ على نحو الكشف. 2- ان الظن مأخوذ على نحو الحكومة. 3- ان الظن مأخوذ على مجرّد التنجز والتعذير.

النقطة الثالثة: على تقدير تمامية المقدمات، فهل النتيجة هي مطلقة أو مهملة؟

ولا بد في الاطلاق أو الإهمال من لحاظ، واللحاظ إما ان يكون بلحاظ سبب حصول الظن، أو بلحاظ مورد حصول الظن، أو بلحاظ مرتبة الظن لان الظن تتفاوت مراتبه من 51% ليصل إلى 99% . فهل الظن حجة مطلقا او على نحو الإهمال؟ .

أما من حيث السبب فالظاهر ان النتيجة مطلقة، أي الظن حجّة مهما كان سببه، سواء كان سببه الخبر الواحد الضعيف، أو القوي، أو سببه الشهرة، أو فتوى احد العلماء الكبار، كل هذا لا يؤدي إلى قطع، فالظن يكون حجّة مطلقا مهما كان سببه إلا إذا قام الدليل على عدم حجيّته كالقياس، وذلك لأنه بعد انسداد باب العلم والعلمي، ووجوب العمل بالظن، لا يفرّق العقل بين العمل به سواء كان سببه فتوى فقيه، أم خبر واحد، أم شهرة، أم غير ذلك.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo