< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لو تعارض الأصل مع الخبر، ماذا نفعل؟

 

     بعض الوجوه التي ذكرها صاحب الكفاية (ره) على حجية الظن من باب حكم العقل:

     ما عن صاحب الحاشية (ره) نعلم بلزوم الرجوع إلى السنة لحديث الثقلين الثابت تواتره عن الفريقين، ومع عدم التمكن من احرازها بالقطع لا بد من التنزّل إلى الظن والعلم بما يظن صدوره منهم (ع).

     ملخص الوجوه المذكورة في حجيّة الخبر بدليل العقل.

     حجية الظن المراد منه.

     الوجه الأول في حجية الظن: مخالفة المظنون مظنة للضرر ومناقشته؟

 

نكمل ذكر بعض الوجوه التي ذكرها صاحب الكفاية (ره) على حجية الخبر من باب حكم العقل:

ومنها: ما عن صاحب الحاشية (ره) (الملا عبد الله صاحب الحاشية على تهذيب المنطق للتفتزاني) وملخصه: انا نعلم بلزوم الرجوع إلى السنّة لحديث "الثقلين" الثابت تواتره عند الفريقين، ونحوه مما يدل على ذلك، فيجب علينا العمل بها فيما إذا أحرزت بالقطع، ومع عدم التمكن من إحرازها بالقطع لا بد من التنزّل إلى الظن والعلم بما يظن صدوره منهم (ع). فصار الخبر المظنون حجّة.

ويرد عليه: إما ان يرجع إلى الوجه الأول بوجوب العمل بالمظنون عقلا، إذا كان ملاكه الرجوع إلى الروايات، أو يرجع إلى دليل الانسداد الآتي إذا كان ملاكه التكاليف وحكم العقل بلزوم الامتثال الظني مع عدم إمكان الامتثال العقلي. فمع الانسداد إما نعمل بالقطع، أو بالطن، او بالشك، أو بالوهم لان القطع قليل جدا، فدار الامر بين ما ذكرناه خلاف القطع فيكون العمل المظنون أولى، لان ترجيح المشكوك والموهوم قبيح عند العقلاء.

بالنتيجة ان هذا الوجه ليس دليلا بذاته في مقابل الوجه الأخرى.

وملخص الوجوه المذكورة في وجوب العمل بالخبر بدليل العقل:

1- أنا نعلم إجمالا بصدور جملة من الاخبار عن المعصوم (ع) ولا نحتمل أن يكون جميعها مجعولا.

2- ما ذكره صاحب الوافية، نقطع بوجود التكاليف إلى يوم القيامة، مع أن جلّ أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي.

3- ما حكي عن صاحب الحاشية (ره) أننا نعلم بلزوم الرجوع إلى السُنّة لحديث "الثقلين" المتواتر عن الفريقين وغيره، ولم تثبت جميعها بالقطع، بل معظمها ظني فلا بد من العمل بجميع ما يظن صدوره.

قلنا في هذا البحث اننا لسنا بحاجة لبحث هذه الوجوه لكن من باب التوسعة في الفائدة والاطلاع على الآراء الأخرى.

نحن نقول: ان خبر الواحد حجّة من باب السيرة العقلائية، لذلك الثمر تكون في اننا نرجع في كل الفروع إلى العقلاء في الشرائط وفي التعارض، وفي كل مسائل خبر الواحد، نرجع للعرف العقلائي ونرى ماذا يفعلون.

انتهينا من درس الامارات: الشهرة، والاجماع المنقول بخبر الواحد، والقياس والاستحسان وسدّ الذرائع والقطعيات: القطع والاجماع والسيرة، بقي الظن.

حجية الظن:

المراد من الظن هو الظن المنطقي، أي ما يقابل الوهم والشك والقطع. وللظن عدّة معان واستعمالات متعددة بعضها انه العمل بغير علم، وبعضها ان العمل بغير دليل وغير ذلك.

الظن بذاته الأصل فيه عدم حجيّته، كما في كل الامارات، والحجيّة هي التي تحتاج إلى دليل. مع العلم انه قد ورد في القرآن الكريم النهي عن العمل بالظن: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئاً﴾ [1]

لذلك أقام بعض العلماء أدلّة عقلية على وجوب العمل بالمظنون، لوجود تكاليف نعلم بصدورها، فإذا اخذنا فقط بالأخبار المتواترة أو بالتكاليف البديهية أو الضروريّة لا تتجاوز عدد الأصابع، والباقي تكاليف مظنونة أو مشكوكة أو موهومة، فلا بد حينئذ من البحث عن الظن المعتبر بعد وجود الأصل بعدم حجيّة الظن، والنهي في الآيات عن العمل بالظن. لذلك حاول بعض العلماء الاستدلال على حجية الظن عند انسداد باب العلم الذي هو الجامع المشترك بين الوجوه العقلية التي اقاموها على حجيّة الظن وهي أربعة وجوه كما سنرى لعدم وجود قطع، ولا يمكن إجراء أصالة البراء دائما فتنتفي التكاليف حينئذ، ولا يمكن اجراء اصالة الاحتياط للزومه العسر والحرج.

ونلخص الوجوه التي ذكروها على حجية الظن بما هو بغض النظر عن سببه، وهي على ما ذكره الشيخ الآخوند (ره) في الكفاية أربعة:

الأول: إن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي بدون دليل أمارتي خاص، مظنة للضرر، ودفع الضرر المظنون لازم وواجب عقلا.

وفيه: أن المراد من الضرر: إما الضرر الأخروي أو الضرر الدنيوي:

فإن كان المراد الأخروي فهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان. العقل يحكم بان دفع الضرر الاخروي واجب، وأيضا العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان، وانا لم يصلني بيان تامّ فلا تجري قاعدة دفع الضرر المحتمل، لان المؤمّن من الضرر موجود وهو البراءة العقليّة -أي قبح العقاب بلا بيان- وان كان من الفقهاء من يقول بمسلك حق الطاعة، لكن نحنا فصلنا بين الحاكم العرفي الذي يخاف منه عند المخالفة، وبين الله عز وجل ارحم الراحمين الذي تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وإن كان المراد الضرر الدنيوي وأن الضرر هو النقص في المال أو البدن أو النفس أو الروح، وحينئذ التكاليف إما وجوبيّة أو تحريميّة.

اما التكاليف الوجوبية فالواجب فيها يتبع المصلحة، ولا ضرر من ترك الواجب، بل فيه فوات المصلحة، ولا يحكم العقل بلزوم عدم تفويت المصلحة، نعم يمكن أن يكون خلاف الأولى.

واما التكاليف التحريمية فالحرام فيها يتبع المفسدة والمفسدة على قسمين: ضرر نوعي، وضرر شخصي.

أما الضرر النوعي فلا يتضرر به نفس الفاعل، فلو سرق الفاعل مالا فانه لا يتضرر هو شخصيا. نعم هناك عقاب في الآخرة، ويؤدي إلى مفسدة نوعية وهي اختلال النظام. ولا دليل من العقل على وجوب دفع المفسدة عن الآخرين.

وأما الضرر الشخصي، فهو وان كان الظن به حاصلا مع الظن بالتحريم، إلا انه لا دليل على وجوب دفعه وإلا لزم الاحتياط في الشبهات الموضعية، ولا قائل به. هذا ما ذكره السيد الخوئي (ره).

بيانه: اننا إذا اردنا دفع الضرر الشخصي حتى الشبهات الموضوعيّة وجب علينا الاجتناب فيها وهذا لا يقول به احد.

نقول وفيه: ان الاجتناب بناء على مسلك حق الطاعة وبناء على دفع الضرر المحتمل واجب، وتشمل كل الشبهات بما فيها الشبهات الموضوعية، وخروج الشبهات الموضوعية فهو لدليل خاص بها، وعدم قول احد بلزوم الاحتياط في الشبهات الموضوعية فهو ليس لحكم العقل بذلك، بل للدليل الخاص.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo