< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لو تعارض الأصل مع الخبر، ماذا نفعل؟

 

     إذا كان الأصل لفظيا وورد الخبر على خلافه، يقدم الخبر ويرتفع عموم العام إذا كان اعتباره من باب الحجيّة، وهل يرتفع العموم إذا كان من باب العلم الإجمالي؟

     بيان رأي صاحب الكفاية (ره) وهو بقاء العام على عمومه.

     تفصيل السيد الخوئي (ره) بين كون العام الزاميا والخبر ترخيصيا والعكس.

 

انتهينا من الكلام في تعارض الأصل مع الرواية فيما لو كان أصلا عمليا.

ونُذَكّر انه بناء على العمل بالخبر من باب الحجية، فالخبر مقدم على الأصل سواء كان أصلا عمليا أو أصلا لفظيا.

انتم تعلمون ان الأمارة تقدّم على الأصل، والاصل اللفظي امارة وهو يقع في أخر سلم الأمارات، فإذا كان وجوب العمل بالخبر من باب الحجيّة لأنه حجّة بالدليل الخاص من قبيل الآيات القرآنية أو الروايات أو الإجماع أو السيرة العقلائية وهو الاصح كما ذهبنا إليه، حينئذ يقدّم الخبر على الأصل ولا داعي للبحث.

ولكن هناك من قال بأن الخبر حجيّة من باب العلم الإجمالي كصاحب الوافية، والفاضل التوني، ولعلّ صاحب الحاشية في المنطق كذلك، وصاحب القوانين (ره) الذي ذهب إلى حجيّة الظن المطلق ومنه خبر الواحد إذا افاد ظنا. لذلك من الانصاف ان نتعرّض لآرائهم ونبحث المسألة حتى على الرأي الآخر في حال تعارض أصل مع الرواية.

ذكرنا أمس أن الأصل العملي انما يسقط في حالتين: إما بسقوط الشك وحصول العلم سواء كان تفصيليا أو اجماليا، وإما باصطدام الاصلين إذا جريا بالعلم الإجمالي، أي بحصول المخالفة القطعية. وكل فروع البحث حول هاتين الحالتين.

هذا كله لو كان الأصل أصلا عمليا.

أما لو كان الأصل لفظيا وورد الخبر على خلافه؟

الأصول اللفظية هي التي ترجع إلى تنقيح الظهورات كأصالة العموم، وأصالة الاطلاق، بعض مباحث الألفاظ، وأصالة الحقيقة.

والمراد في كل صور تعارض الأصل اللفظي مع الرواية، كما في قوله تعالى: ﴿أحلّ الله البيع وحرّم الربا﴾ عام وخاص في الآية، أو جاء بعد ذلك دليل خاص: "إلا البيع الربوي"، المدار في المعالجات هو: هل يبقى العام على عمومه مع ورود خبر مخصص أو مقيّد؟

قريب من هذا البحث لو جاء استثناء بعد عدّة عمومات، مثلا: "اكرم العلماء وصلّ خلفهم واحترمهم إلا فلان"، هل الاستثناء يرجع للحكم الأخير فقط أو للجميع؟

كل مسائل الظهورات - بعد ثبوت الدلالة على العموم - تدور حول نقطة واحدة وهي: متى يسقط العموم؟ فإذا جاءت رواية مخصصة أو مقيّدة هل تسقط العموم بها؟

فإذا قلنا بأن العمل بالخبر هو من باب الحجيّة فلا شك في التخصيص أو التقييد وعدم بقاء العام على عمومه حتى لو كان دليله الآية القرآنية، لما ذكرنا من جواز تخصيص العام القرآني أو تقييده بالخبر الحجة سواء كان متواترا أو محفوفا بالقرينة، أو .ظنيا قام الدليل على اعتباره فيقدم الخاص على العام، والمقيّد على المطلق. ولا مانع من ذلك وهو ليس من باب "ما خالف قول ربنا". مثلا قوله تعلى: ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِه﴾ [1] نستفيد بمفهوم الآية أن كل ما خلا ذلك فهو حلال. [2] قلنا انه يجوز تقييد العام القرآني بالخبر الحجّة.

واما إذا قلنا بأن العمل بالخبر من باب العلم الإجمالي بصدور بعض الأخبار؟ فهل يتقدّم الخبر على العام فيكون مخصصا وان وجب العمل بالخبر من باب الاحتياط، أم يبقى العام على عمومه؟

صاحب الكفاية (ره) ذهب إلى بقاء العام على عمومه وعدم لزوم العمل بالخبر مطلقا، وهذا يؤدي إلى المخالفة القطعية للعلم الاجمالي، سواء كان مفاد العام حكما الزاميا، ومفاد الخبر حكما ترخيصيا، أو العكس.

ودليله: أن العام دليل لفظي لا يَرفع اليد عن ظهوره في العام إلا بدليل حجة، والمفروض عدم وجود دليل حجة، وفيما نحن فيه الخبر ليس بحجة - لان العمل من باب الأصل العملي -، بل انما يعمل به من باب الاحتياط.

وبعضهم كالسيد الخوئي (ره) ومن اتبع مدرسته فصّل بين حالتين:

قال: إن كان مفاد العام أو المطلق حكما الزاميا، كقوله تعالى: " وحرّم الربا " ثم ورد قوله (ع): "لا ربا بين الوالد والولد"، وهذا حكم ترخيصي، فتعيّن العمل بالعام ولا يجوز العمل بالخاص، لان العلم الإجمالي بورود التخصيص في بعض العمومات، وان أوجب سقوط أصالة العموم عن الحجية في كل العمومات، لعدم ظهور في العموم حينئذ، إلا أن العلم الإجمالي بإرادة العموم في بعضها يقتضي الاحتياط ووجوب العمل بجميع العمومات المتضمنة للتكاليف الإلزامية.

فالروايات بعضها ترخيصي وبعضها غير ترخيصي، ويدور الأمر بينهما. فكما ان الأدلة الترخيصية ترفع عموم العام الالزامي، والرواية ترخيصيّة، وكما انه يجب العمل بالترخيصيات فيرتفع ظهور العام بالعموم، أيضا يجب العمل بالأخبار الأخرى الالزاميات وذلك مقتضى الاحتياط.

فكما هناك احتياط في الترخيصيات أيضا هناك احتياط في الالزاميات –الروايات- وعليه وجوب العمل بكل التكاليف الإلزامية، إن يجب العمل بالعام وان ارتفع ظهور العام من باب الاحتياط.

إذن، في التكليف المشكوك وهو "الربا بين الوالد وولده"، يوجد امران: عموم وهو عموم تحريم الربا المستفاد من قوله تعالى: ﴿وحرم الربا﴾، ويوجد احتياط ناشيء من وجود بعض العمومات التي لا يشملها الروايات الترخيصية، أي توجد روايات عامة غير مخصصة، وتوجد روايات مخصصة ترخيصية، وهذا يؤدي إلى الاحتياط.

أذن: يدور الأمر بين عموم التحريم الذي يؤدي إلى تحريم المشكوك، وبين العلم الإجمالي بوجود عمومات مما يقتضي الاحتياط، أي وجوب اجتناب المشكوك، إذن لا فرق بين القولين: -وجوب العمل على طبق الخبر من باب الحجية أو من باب الاحتياط -، نعم يبقى الأثران الآخران وهما: صحة نسبة الخبر للمعصوم (ع) بناء على الحجية، دون القول الآخر، وثبوت اللوازم غير الشرعية بناء عليه أيضا دون الآخر.

قد يقال: ولكن يوجد علم اجمالي بوجود مرخصات من الروايات، إذن يجب العمل بها، فلا يبقى العام على عمومه؟

فإنه يقال: العلم الإجمالي إنما يكون له أثر في خصوص الاحكام الإلزامية، أما الاحكام الترخيصية فانه لا أثر له،

إذا كان متعلقه ترخيصيا نعلم بالصدور وهو حجّة لكن لا أثر له، لان اثر العلم الإجمالي هو وجوب الاحتياط، والاحتياط لا يكون إلا بالأحكام الإلزامية دون غيرها، والحكم الترخيصي أثره عدم الاحتياط.

إذا انه لما كنا في مقام العمل بما تقتضيه براءة الذمّة، فإن العلم الإجمالي بكون أحد الطرفين جائز لا أثر له في تبرئة الذمّةـ وإن علمنا بصدور احدهما.

الحالة الثانية فيما لو كان العام أو المطلق من الأصول اللفظية، وكان مفاد العام ترخيصيا والرواية مفادها الزامي.

 


[2] استطراد: هذه الآية تستوقفني لان هناك روايات متعارضة، رواية صحيحة معتبر، تقول: "ما الحرام إلا ما حرمه القرآن"، وهناك روايات أخرى تقول بحرمة السباع وكل ذي مخلب وحرمة الحشرات والخبائث والمسوخ، هذه الروايات خاصة والأولى يؤكد العام القرآني، فكيف نقدم الخاص على العام؟ الجواب: لا مانع من تقديم الخاص الروائي المعتبر على العام القرآني، وهذا ليس من باب المخالفة، المخالفة تكون في التعارض أو التنافي المستحكم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo