< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لو تعارض الأصل مع الخبر، ماذا نفعل؟

 

     الحالة الأولى: لو كان الأصل نافيا للتكليف فلا مجال لجريان الأصل على القولين.

     بناء على العمل بالخبر من باب الحجيّة فقد ارتفع موضوع الأصل تعبدا.

     بناء على العمل بالخبر من باب العلم الإجمالي فجريان الأصل العملي يقتضي المخالفة القطعية.

     الحالة الثانية: لو كان الأصل مثبتا للتكليف فلا مانع من جريان الأصل على القولين.

بعد بيان المصطلحات وبيان بعض الفروقات والأقسام كالفرق بين الامارة والاصل، الفرق بين الأصل المحرز والاصل التنزيلي، الأصول اما نافية للتكليف او مثبتة له، أو قد تكون نافية وقد تكون مثبتة، النافية كالبراءة العقليّة والشرعية، والمثبتة كالاحتياط العقلي والشرعي، واحيانا الأصل قد يكون نافا وقد يكون مثبتا بحسب الحالة السابقة كالاستصحاب واصالة التخيير.

بيّنا هذه المصطلحات وهذه التقسيمات حتى نصل لمسألة: لو تعارض الأصل مع مطلق الخبر الموجود في الكتب المعتبرة سواء كان صحيحا أم ضعيفا.

فالخبر تارة نقول ان حجيّته من باب الدليل الخاص عليه كالسيرة العقلائية، أو الآيات، أو الاجماع، أو الشهرة على العمل بالخبر.

وتارة نقول اننا نعمل به من باب العلم الإجمالي. من يقول اننا نعمل به من باب العلم الإجمالي يرى حجية الكتب الأربعة بكل ما فيها حتى الاخبار الضعيفة، بل والاخبار التي يرويها كاذب عن كاذب كأخبار وهب بن وهب أن لم يصل الأمر بها حدّ العلم بكذبها، ومع ذلك هي حجّة، لان القدر المتيقن من الاخبار الصحيحة موجود في الكتب الأربعة لكن لا ادري أيها الصادرة وايها غير الصادرة، عندنا علم اجمالي بصدور بعضها، وهذا يقتضي العمل بكل الاخبار في الكتب الأربعة بأكملها إلا ما نعلم كذبه.

وقلنا اننا ندرس أصل الدليل لأنه ينفعنا في الفروع، مع العلم ان حجيّة خبر الواحد اجمالا عمل بها الجميع، حتى الشريف المرتضى (ره) الذي ذكر الاجماع على عدم حجية العمل بخبر الواحد يعمل بخبر الواحد، وكذلك ابن ادريس (ره)، لكن لكل واحد منها تفسيره الخاص.

إذن هنا حالات: الأولى: إذا كان الأصل نافيا للتكليف وجاءنا خبر.

الثانية: إذا كان الأصل مثبتا للتكليف وجاءنا خبر.

الحالة الأولى: إذا كان الأصل نافيا للتكليف والخبر يثبته وتعارضا، فحينئذ لا مجال لجريان الأصل، سواء كان الأصل محرزا كاستصحاب العدم، أو غير محرز كالبراءة، وسواء قلنا بوجوب العمل بالخبر من باب الحجيّة، أو من باب العلم الإجمالي.

أما من باب الحجيّة فواضح، فإن الخبر أمارة، ومع الأمارة لا يجري الأصل. فالأمارة علم تعبدا، والاصل موضوعه الشك، والعلم مقدم على الشك كما ذكر النائيني (ره) بالبيان السابق، ومن باب الحكومة والورود كما ذهبنا إليه، فبتوسيع العلم صار الخبر علما تعبديا فيرتفع الأصل تعبدا لان موضوعه الشك.

وأما من باب العلم الإجمالي، فالمشهور المعروف في العلم الإجمالي وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية، مثلا: اناءان احدهما نجس يجب أن اجتنبهما معا، وجوب الموافقه القطعية باجتنابهما ويحرم أن ارتكابهما، ومثال آخر: اكرم زيدا، ودار الامر بين زيد بن عمرو وزيد بن بكر يجب ان اكرمهما معا لوجوب الموافقة القطعية. والمخالفة القطعية محرّمة.

فإذا جاء أصل نافٍ للتكليف كالبراءة، ثم جاء خبر يعارضه، فهذا الخبر يجب ان اعمل به من باب العلم الإجمالي، فإذا لم اعمل به أكون قد خالفت العلم الإجمالي، وان لم اعمل بغيره أيضا خالفت العلم الإجمالي، وإذا عملت به دون غيره ترجيح بلا مرجّح، وإذا تركت الجميع لزمت المخالفة القطعية، فلزم العمل بالخبر عقلا.

إذن، بناء على الحجية الشك ينتفي، لان في العلم الإجمالي يجب الموافقة القطعية وتحرم المخالفة القطعيّة

إذن في العلم الإجمالي الأصل لو جرى في أحد الأطراف دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجّح، وإن جرى في كل الأطراف لزمه منه المخالفة القطعيّة. إذن في تعارض الخبر مع الأصل النافي للتكليف لا مجال لجريان الأصل على القولين في دليل حجية الخبر.

ونضرب مثالا على ذلك للتوضيح: إذا شككنا في حرمة أكل لحم القردة، ووجدنا رواية في ذلك، فهنا يتعارض الأصل مع الرواية لأن: الأصل هو البراءة من الحرمة، أي الأصل ناف للتكليف، والرواية تثبت التكليف وهو الحرمة.

وهنا: إن قلنا بحجية الخبر من باب السند، أي وثاقة الراوي أو عدالته، حينئذ قدّم الخبر على الأصل، من باب تقديم الأمارة على الأصل العملي.

فأن الخبر هو التالي ما في الوسائل: ح 1 - محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن اكل الضب فقال: ان الضب والفارة والقردة والخنازير مسوخ. [1]

من حيث السند: خبر ثقة عدل عن ثقة عدل، خبر صحيح.

فلنقدم الخبر على الأصل من باب تقديم الأمارة على الأصل العملي الذي يكون عند العجز عن وجود دليل فاسأل ماذا أعمل؟ فيأتي الأصل العملي. ولذلك سمي بالاصل العملي لانه في مقام العمل والجري عند فقدان الدليل. [2]

وإن قلنا بحجية الخبر من باب العلم الإجمالي أي الاحتياط بالعمل بجميع الاطراف، فإن أجرينا البراءة في هذه الرواية وفي غيرها لزمت المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي، أي عدم العمل بأي رواية، وهذا ينافي المعلوم إجمالا بصدور بعضها. إذن يجب العمل بالرواية على كلا القولين: بالحجية من باب السند وبالعلم الإجمالي.

قد يقال: إذن ما الفرق بين القولين؟

والجواب: هو من جهتين وقد ذكرنا ذلك سابقا: أولا: من جهة صحة نسبة الخبر إلى المعصوم (ع).

والثاني: ثبوت اللوازم العرفية والعادية والعقليّة.

وهذان يتمان على القول بالحجيّة دون القول بالعلم الإجمالي.

الحالة الثانية: إذا كان الأصل مثبتا للتكليف كأصالة الاشتغال، فيجري الأصل على كلتا الحالتين في حال توافق الأصل والرواية في السلب والايجاب. وحينئذ لا يجري الأصل بناء على حجيّة خبر الواحد، ويجري بناء على العمل بالخبر من باب الاحتياط.

بيانه: اما بناء على العمل بالخبر من باب حجيته فان من الواضح ان موضوع الأصل هو الشك، وهذا الشك ينتفي مع تحقق العلم، سواء كان العلم وجدانيا أم تعبديا، والعلم التعبدي حاصل هنا، إذ الخبر علمي تعبدا، فينتفي موضوع الأصل فلا يجري.

واما بناء على العمل بالخبر من باب الاحتياط: فالأصل يجري، إذ لا مانع من جريانه، لان المانع من جريانه احد امرين: إما انتفاء موضوعه وهو الشك، والشك باق، إذ لا يوجد علم لا وجداني ولا تعبدّي، وإما حصول مخالفة قطعيّة، والمفروض ان الخبر والاصل كليهما مثبت فلا مخالفة قطعية في البين، ولما انتفى المانع فان الأصل يجري.

وكمثال للتوضيح: يدور الامر في زمن الغيبة بين وجوب صلاة الجمعة ووجوب صلاة الظهر من يوم الجمعة، فان الأصل يقتضي الاحتياط بالاتيان بهما معا.

فلو ورد خبر وجوب صلاة الجمعة فحينئذ نقول: إن كان العمل بالخبر من باب الحجية كما لو كان الدليل سيرة العقلاء أو الآيات الكريمة فان الأصل لا يجري لانتفاء موضوع الأصل وهو الشك، لان العلم قد حصل تعبدا.

وإن كان العمل بالخبر من باب الاحتياط، فان العمل به يطابق طرفي العلم الإجمالي فلا توجد مخالفة قطعية.

والنتيجة: إذا كان الأصل مثبتا للتكليف فلا مانع من جريان الأصل، واذكر ان المرحوم جدّي (ره) كان يجمع بين الجمعة والظهر يوم الجمعة، فبعد ان يصلي الجمعة ينادي المنادي بصلاة الظهر أيضا برجاء المطلوبيّة.

وتظهر الثمرة أيضا في صحة اسناد الخبر إلى المعصوم (ع) بناء على الحجيّة دون ما لو كان العمل بناء على الاحتياط.


[2] استطراد: ذكر الشيخ الطوسي (ره) مسألة: هل الأصل التوقف أو الاباحة قبل التشريعات. اصالة التوقف تكون قبل وجود أي تشريعات. بينما بعد صدور التشريع الأصل الاباحة او الاحتياط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo