< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

45/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: دليل حجية خبر الواحد الظن العقلي.

 

     كيفية انحلال العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.

     قد ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وعلم اجمالي أصغر منه.

     اشكال الشيخ الانصاري (ره) على هذا الاستدلال: لو تمّ فانه يشمل كل التكاليف المحتملة.

     جواب صاحب الكفاية بانحلال العلم الاجمالي الكبير إلى علم اجمالي اصغر منه، وهو في خصوص اخبار الكتب المعتبرة، وشك بدوي في غيرها.

 

بداية نبارك لكم جميعا ولادة امير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن ابي طالب (ع) سيّد البشر والبلغاء والاحرار بعد رسول الله (ص).

نعود للبحث قالوا ان دليل حجيّة خبر الواحد الظني بالعقل، وهو ان هناك علم اجمالي بوجود اخبار ضمن مجموع هذه الاخبار الكبيرة، والعلم الاجمالي يقتضي التنجيز ويجب الموافقة القطعية، فإذا عملت ببعضها دون الآخر يكون ترجيح بلا مرجّح، إذن يجب أن أعمل بالجميع.

وقد طبّقوا قواعد العلم الاجمالي على مسألتنا، والرد كان بشكل عام ان العلم الاجمالي ينحل فينتفي المنجّز، وينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.

ولا بأس بتقديم مقدمة في كيفية انحلال العلم الاجمالي.

العلم الاجمالي هو خليط بين العلم والجهل، كما بيّنا سابقا، فهو العلم بتعلّق الحكم بطرفين أو اكثر، فهو العلم بالجامع، وشك في الاطراف.

فإذا انحل الشك في الاطراف إلى اطراف تعلّق بها الحكم قطعا، وبقيت اطراف اخرى مشكوكة، ينحل العلم الاجمالي إلى أمرين:

     علم تفصيلي بالقدر المتيقن الموجود ضمن الاطراف المعلومة.

     وشك بدوي في الاطراف الاخرى، وبالاصطلاح الشك بدوي، والشك البدوي هو كل ما كانت اطرافه غير مقترنة بعلم اجمالي.

وفي العلم التفصيلي يتنجز الحكم، وفي الشك البدوي تجري الأصول العمليّة من البراءة أو غيرها بحسب حالته.

ومثال على ذلك: لو كان عندك عشر شياة وعلمت بكون بعض منها مغصوبا، وكنت أعتقد أن المغصوب خمسة على الأقل، فهنا ينحل العلم الاجمالي إلى خمسة معلومة بالتفصيل أنها مغصوبة، وخمسة أشك فيها، فتحرم الخمسة الاولى، وتجري الاصول العمليّة في االباقية.

ولذا، لو علمت بوجود ثلاثة مغصوبة تفصيلا، وبقي إثنان ضمن السبعة، فإن العلم الاجمالي ينحل إلى علم تفصيلي وعلم إجمالي أصغر من الأول، فيتنجز الحكم في الاول، وأما الثاني وهو موجود علم إجمالي بشاتين مغصوبتين من أصل سبعة فلا بد فيه من الاحتياط.

ولذا فإن العلم الإجمالي الكبير قد ينحل إلى علم إجمالي أصغر منه:

مثلا: إذا علمت بوجود شياه مغصوبة ضمن قطيع، فقد حصل علم إجمالي كبير، ثم علمت بوجود شياه مغصوبة ضمن السود منها يساوي القدر المتيقّن من المغصوبات، وحينئذ ينحل العلم الإجمالي الكبير الشاملة أطرافه لكل القطيع إلى علم إجمالي أصغر منه بخصوص السود، وشك بدوي في الباقي. فالعلم الإجمالي الأصغر يجب ان يأخذ احكامه، من الاحتياط ووجوب الموافقة القطعية، وعدم جواز المخالفة القطعيّة، أو الاحتماليّة، والباقي تجري فيه الاصول.

ولنعد إلى مسألتنا، وهي دليل حجيّة خبر الواحد الظني من العقل، ووجود علم إجمالي منجز وهو التالي:

قالوا: إننا نعلم بوجود أخبار صحيحة صادرة عن المعصوم (ع) من ضمن الكم الكبير الذي بين أيدينا، ونقطع بذلك، ولا نحتمل أن يكون جميعها مجعولا موضوعا مكذوبا، وخصوصا إذا لاحظنا إهتمام العلماء والفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأئمة (ع) بالكتابة والتدوين والتهذيب وإسقاط الضعيف وإسقاط أخبار الكذّابين، مثلا: محمد بن الحسن بن الوليد استثنى روايات من كتاب محمد بن يحيى بن عمران "دبّة شبيب، نوادر الحكمة" لعدم صحتها عنده.

فإذا لاحظنا هذا الاهتمام يحصل لنا الاطمئنان بصحة أكثرها والقطع بوجود بعضها، حتى وصل الأمر بصاحب الحدائق الشيخ البحراني (ره) إلى ادعاء العلم بصدور جميع ما في الكتب الأربعة وهي: "الكافي" للكليني، و "من لا يحضره الفقيه" للصدوق، و "التهذيب" و "الاستبصار" للشيخ الطوسي (ره). ونسب السيد الخوئي (ره) ذكر في كتابه معجم رجال الحديث أن استاذه النائيني (ره) ذكر في مجلس الدرس "ان الاشتغال بأسانيد الكافي حرفة العاجز".

ومقتضى هذا العلم الإجمالي الكبير الاحتياط بالعمل بكل هذه الاخبار بحكم العقل فهذا هو حجية خبر الواحد، وإن صح التعبير هو وجوب العمل بخبر الواحد من باب الاحتياط.

إشكال الشيخ الأنصاري (ره) على هذا الوجه:

إذا تم العلم الإجمالي بوجود التكاليف في الأخبار، فإنه يتمّ أيضا القطع بوجود تكاليف في بقيّة الأمارات كالشهرة الفتوائية والإجماعات المنقولة، والقياس والاستحسان، وكتب العامّة، وكتب الأديان السابقة مثلا، وذلك للعلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع، وحينئذ نعلم بوجود تكاليف ضمن الأخبار وبقية الامارات، فيجب - مع تنجز هذا العلم- الاحتياط بالعمل بكل أمارة، بلا فرق بين الأخبار وغيرها من الأمارات. فلا يختص هذا الدليل بالأخبار. وهذا مما لا يمكن التزام به.

صاحب الكفاية (ره) أجاب على إشكال الشيخ الأنصاري (ره) وباختصار: بأن العلم الإجمالي الكبير الشامل لكل الأمارات قد انحلّ إلى أصغر منه وهو الخاص بالأخبار.

فإذا انحل يصبح الاحتياط ضمن العلم الإجمالي الأصغر، وحينئذ يكون خاصا بالأخبار. ووافق السيد الخوئي (ره) صاحب الكفاية (ره).

بيانه: إن لدينا عدة علوم إجمالية:

الأول: العلم الإجمالي الكبير الواسع، وهو ما كانت أطرافه جميع الشبهات سواء قامت عليها أمارة أم لم تقم. ومنشؤه العلم بوجود التكاليف في الشريعة المقدّسة بالضرورة، إذ لا تكون شريعة إلا بوجود تكاليف. [1]

الثاني: العلم الإجمالي المتوسط، وهو أصغر من الأول، وأطرافه موارد قيام الأمارات المعتبرة وغير المعتبرة، أي هو خاص بالأمارات، فإننا نعلم بوجود تكاليف في بعضها قطعا ولا نعلم بوجود تكاليف اخر خارج الامارات مثلا الشهرات مثلا.

الثالث: العلم الإجمالي الصغير، وهو أصغر من الثاني، واطرافه خصوص الأخبار.

الرابع: العلم الإجمالي الأصغر، وهو اصغر من الثالث، واطراف خصوص ما كان من التكاليف الموجودة في الكتب المعتبرة دون غيرها.

وحيث ان العلم الإجمالي الأول ينحل إلى الثاني، والباقي يكون شبهة بدوية، وهكذا الثاني ينحل إلى الثالث، والثالث ينحل إلى الرابع.

وانحلال الرابع يكون كالتالي: نعلم بوجود التكاليف في الكتب المعتبرة واخبارها وفي باقي الشبهات والامارات شك بدوي. وحينئذ يجب العمل بكل ما ورد في الكتب الأربعة سواء كان الخبر ضعيفا سندا أم أو قويا.


[1] استطراد: مثال للأحكام التي لم تصل ويحتمل ذلك. فمثلا عند تخلف الشرط، فإذا اشترطت الزوجة على زوجها أمورا بالعقد أو اشترط الزوج ذلك، وكانت غاية الزواج أيضا أمرا آخر كخدمة أهلها مع يسار الزوج أو شرط الزوج عليها الالتزام بالحجاب ضمن العقد. فهذا الشرط شرعا يجب الالتزام به بحسب القواعد "اوفوا بالعقود" و " المؤمنون عند شروطهم" أصل عام شامل لكل العقود، لكن لم يرد ولا رواية ولا نص واحد بان لها او له حق الفسخ. فلم تقم عليه امارة لكن هناك احتمال بوجود نصوص اختفت ولم تصل الينا. فلو فرضنا انه بعد العقد لم يلتزم الزوج أو لم تلتزم الزوجة، يقولون ان الزوج يأثم وليس لها حق الفسخ، وكذلك الزوجة وليس للزوج حق الفسخ. وحق الفسخ غير حق الطلاق في الطلاق يوجد وجوب أداء المهر، بخلاف الفسخ. نحن نقول بحق الفسخ مع وجود الأدلّة الكاملة، وان كنا لا نعمل به، وفتوائيا نحتاط بسبب الاجماع المخالف لهذه الأدلة. وهكذا فإننا نعلم اجمالا بصدور بعض المحتملات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo